أقر برلمان العسكر الأسبوع الماضي، تعديلا تشريعيا على قانون إنشاء "صندوق تحيا مصر"، يقضي بأمرين: الأول إعفاء جميع عوائده ومداخيله والتسهيلات الائتمانية الممنوحة له، من كل الضرائب والرسوم أيا كان نوعها، وكل رسوم الشهر العقاري والتوثيق، والرسوم الجمركية. الثاني عدم سريان أحكام قوانين ضرائب الدخل والدمغة، ورسم تنمية موارد الدولة، والضريبة على القيمة المضافة، وأي نوع آخر من الضرائب والرسوم المفروضة حاليا أو التي تُفرض مستقبلا، بقانون أو بقرار من حكومة الانقلاب أو من أي سلطة عامة أخرى، على الصندوق. وبحسب مراقبين فإن التعديل لا يطاول ما يقرره قانون الضريبة على الدخل من ضريبة على عوائد أذون الخزانة والسندات أو الأرباح الرأسمالية، الناتجة عن التعامل في هذه الأذون والسندات. كما يفسر مراقبون الهدف من هذه التعديلات باعتباره إصرارا على نهج توسيع سلطات الصندوق التابع للرئاسة والجيش، البعيد عن الرقابة. أهداف أخرى وتبدو الأهدف الحقيقية من هذه التعديلات بعيدة عن مبررات حكومة الانقلاب في مذكرتها الإيضاحية، التي تذرعت بوجود ما وصفتها بمشاكل بيروقراطية ومالية تعرقل نشاط الصندوق في المشاريع التنموية. رغم أن مشروع النص تضمن إعفاء الصندوق من رسوم المناطق الحرة لكل ما يستورده من معدات وأجهزة ومستلزمات وأي أصناف أخرى، وكل ما يَرِد إليه من الهدايا والهبات والتبرعات والمنح من الخارج. وبدا الأمر وكأن النص العام والمتسِع في القانون القائم حول الإعفاءات الممنوحة للصندوق ليس كافيا لتمكينه من مباشرة الأنشطة الاجتماعية والتنموية المنصوص على إنشائه من أجلها. وبحسب مراقبين فإن هذه التعديلات تستهدف تكريس وضع الصندوق الاستثنائي كصندوق "شبه سيادي"، مُعفى من جميع أدوات الرقابة والمشاركة في تمويل الدولة. كما يمكنه استثمار مداخيله في مشاريع يملكها بصفة مستقلة عن الحكومة، تزاحم الشركات الحكومية والقطاع الخاص في بعض الأنشطة، بحجة أن إسهامات الصندوق فيها "ذات هدف تنموي"، والقانون يسمح له بإقامة مشاريع تنموية تقوم عليها شركات جديدة مملوكة ملكية تامة للصندوق أو يساهم في رأس مالها. كما أن التعديل الجديد يستهدف بالأساس إعطاء الصندوق أولوية لقيادة العمل الأهلي في مصر من المنظور الخاص بالنظام، وليس بالمعنى التقليدي للعمل الأهلي، بأن يكون هذا العمل موازيا لممارسات الحكومة، وليس نابعا من المجتمع كشريك للدولة في التنمية. ووفقا للتعديل، لن تكون أي منظمة أهلية، بما في ذلك ما يتبع المخابرات العامة وغيرها من الأجهزة الحكومية، قادرة على منافسة "صندوق تحيا مصر" في أي مجال. وتذهب مصادر حكومية إلى أن التعديل يعالج مسألتين مهمتين يرغب النظام في إغلاقهما نهائيا وعدم إثارة الجدل بشأنهما مستقبلا: الأولى، هي غياب الرقابة والتحصيل الضريبي عن التبرعات الضخمة التي أصبحت تنهال على الصندوق من رجال الأعمال. ويرى البعض أنها باتت بمثابة "قرابين" لضمان السلامة والاستمرار في العمل في المشاريع المختلفة مع الأجهزة، تحديدا الجيش. وقد تلقى الصندوق أكثر من نصف مليار جنيه في صورة تبرعات منذ تفشي جائحة كورونا وضغط النظام على رجال الأعمال من أجل التبرع للصندوق. توسع الصندوق المسألة الثانية، التي يريد النظام الانتهاء منها، هي التوسع الكبير في الأملاك الخاصة بالصندوق بمختلف أنواعها، عقارية ومنقولة، مع وجود اتجاه لتخصيص مساحات من الأرض في قرى مختلفة للشركات التابعة للشركة القابضة الجديدة التي أنشأها الصندوق العام الماضي، لاستغلالها في إقامة مشاريع صغيرة ومتوسطة ستؤجر للمواطنين وتبقى ملكيتها قائمة في النهاية للصندوق. كما يُسجل الصندوق ملكيته للمنشآت والأجهزة والأدوات المستخدمة في عدد كبير من المشاريع التي بدأ تنفيذها بالفعل، مثل تنظيم قوافل لتوزيع مواد غذائية وملابس وتجهيزات تكفي مليون مواطن، ومساعدة ودعم ألفي فتاة للزواج، وتنظيم قوافل طبية، وتوزيع أجهزة غسيل كلى، وكراسي متحركة للمعاقين، وحضانات للأطفال. وبالتالي فإن الهدف هو هيمنة النظام من خلال صندوق تحيا مصر على العمل الأهلي، حتى يكون هو أيضا تحت وصاية السلطة توظف سياسيا لحسابها كيفما تشاء. يشار إلى أن صندوق "تحيا مصر" جرى تأسيسه سنة 2015م، حين نشرت الجريدة الرسمية- ليكون قانونًا ساري المفعول- أن الصندوق له شخصية اعتبارية ويتمتع بالاستقلال المالي والإداري. وبموجب القرار الانقلابي الذي أقره مجلس النواب ألغيت الرقابة المالية على الصندوق ضمنيًّا بعيدا عن الموازنة العامة للدولة. وفي يوليو 2014، نقل موقع "فيتو" المقرب من سلطات العسكر، عن مسئول مصرفي بالبنك المركزي قوله: إن "الصندوق فرض على حساباته نوعا من السرية لعدم الكشف عن الحسابات التي ستُعرض دوريا على السيسي". وفي محاولة لإضفاء مسحة دينية مزيفة على أنشطة الصندوق وما يجري بداخله من نهب منظم، أصدرت دار الإفتاء "السيسية" فتوى تجيز وضع أموال الزكاة في الصندوق، وهي الفتوى التي أثارت استغرابا كبيرا؛ لأن الصندوق بناء على القانون الضابط له لا رقابة عليه مطلقا من أي جهة؛ فهل يقبل الشرع أن يتم وضع أموال الزكاة في أماكن لا رقابة عليها؟ ويعتبر اللواء محمد أمين نصر،أمين اللجنة التنفيذية للصندوق التي يرأسها حاليا اسميا رئيس مجلس الوزراء مصطفى مدبولي، هو الشخصية الأبرز في إدارة الصندوق حاليا، ونصر هو العنصر الوحيد الباقي في إدارة شؤون الصندوق منذ إنشائه حتى الآن، مع توسيع صلاحياته بصورة كبيرة، وهو الذي يشغل أيضا منصب المستشار المالي للسيسي منذ يونيو 2019م.