مع إعلان رئيس الانقلاب عبدالفتاح السيسي عن "الفنكوش الجديد" المسمى ب«مشروع تطوير الريف المصري» بحجم إنفاق يتجاوز 500 مليار جنيه، والذي قالت حكومة الانقلاب إن معظم الوزارات ستشارك في تنفيذه بهدف تسهيل الإجراءات الخاصة بالتراخيص والإنشاءات والاستثناء من سداد الرسوم الخاصة بالتصاريح، تحت إشراف مباشر من الهيئة الهندسية للقوات المسلحة، ووزارة الإسكان؛ يرى كثير من المراقبين والمحللين أن هذا المشروع دعائي أكثر منه حقيقة، وأن المبلغ الضخم المرصود له يثير كثير من التساؤلات والألغاز حول مصادر التمويل في ظل حالة شبه الإفلاس التي تعاني منها الدولة واعتماد النظام على القروض والمساعدات وفرض المزيد من الرسوم والضرائب لمواجهة تراجع إيرادات الدولة. من جانب آخر، يسلط بعض المراقبين الضوء على أزمة الرائدات الريفيات، اللائي يعانين منذ عهد مبارك ،من ضعف العائد المادي وعدم التعيين وأزمات العمل والمعيشة؛ حيث تعاني نحو 3000 رائدة ريفية في وزارة التضامن الاجتماعي من عدم التثبيت والتعيين، ولو بعقد يحفظ لهن حقوقهن وكرامتهن، ويسهم في تحسين أحوالهن ومستويات معيشتهن. بعضهن بدأن العمل قبل أكثر من عشرين عاما بعشرين جنيها شهريا تصرف بعد تجميعها كل ستة شهور ثم ارتفعت المكافأة إلى 32 جنيها ثم إلى 150 جنيها شهريا، حتى وصلت إلى 350 جنيها فقط، رغم أنهن يبدأن يوم العمل من التاسعة صباحا حتى الرابعة عصرا، متحملات مشاق السفر والترحال. الغريب أن إحداهن حصلت على حكم محكمة بتثبيتها، ولم ينفذ قرار المحكمة لتستمر المأساة بكل ما تحمله الكلمة من معنى ومعاناة. والغريب أن معظمهن يحملن مؤهلات عليا، وأخريات يحملن شهادات دبلوم ودراسات عليا في المجال الاجتماعي، ويقمن بكل ما هو مطلوب من أي موظفة رسمية في الدولة، يوقعن في كشوف الحضور والانصراف، وينجزن التقارير والأبحاث المطلوبة عن المستحقين والمستحقات لبرامج المساعدات الاجتماعية، ويشاركن في الندوات والمؤتمرات والمبادرات، بل يتقدمن حملات طرق الأبواب التي تقوم بها الحكومة، بحسب شكاوى العديد منهن. والأخطر من ذلك أن الرائدة الاجتماعية يطلب منها أن تتقدم صفوف التوعية ضد فيروس كورونا، وهي تفتقد لأي تأمين صحي أو اجتماعي، وإن مرضت يوما لا تجد ثمن العلاج؛ ورغم دورهن المشهود لا يجدن من ينصفهن ويأتي لهن بحقوقهن المسلوبة ويقدر هذا العطاء. أزمة ممتدة وبحسب الدراسات الاجتماعية والاستقصائية التي تزخر بها المؤسسات، فان الآلاف من الرائدات الريفيات، بمختلف المحافظات قضين أغلب سنوات أعمارهن التي لاتقل عن 10 أعوام في تقديم الخدمات المجتمعية المختلفة للمرأة سواء أكانت صحة أم تعليما فضلا عن قيامهن بمهام أخرى مختلفة، تنفيذا للفعاليات التي تنظمها لهن المديريات التابعة لوزارة التضامن الاجتماعي، وتكليفهن بأعمال تأخذ من أوقاتهن زمنا طويلا وجهدا كبيرا. الراتب الذي تتقاضاه هؤلاء السيدات اللاتي يعملن في صمت، لايتعدي مبلغ 350 جنيها، في ظل الزيادات التي تقرها الدولة على العاملين الموظفين بالقطاعات الحكومية، إلا أنهن حرمن من ذلك، على أمل التثبيت، والاعتراف بهن كبقية السيدات العاملات. وتكمن مشكلة الرائدات الريفيات على مستوي جميع المحافظات، أنهن حينما استلمن العمل، قمن بالتوقيع على عقود وإقرارات بأنهن سيعملن تطوعيا فترة محددة، على أن يجدد العمل لهم سنويا، لحين تقنين أوضاعهن، وانتهزت مديريات التضامن الاجتماعي عملهن، وقاموا بتسخيرهن لخدمة المجتمع الذين يقطنون فيه وخاصة القرى في المحافظات الريفية، الأمر الذي لا يتحمله هؤلاء السيدات في ظل تلك الرواتب الزهيدة التي لا تلبي سبل المعيشة، وبناء عليه تعالت صرخات الاستجداء بحثا عن عدالة مفقودة وإنصاف معدوم. رائدات مظلومات وتروي "أم محمد" لإحدى وسائل الإعلام المحلية ماساتها، قائلة: إنها تعمل رائدة ريفية منذ 14 عاما، ولا تتقاضى سوى 250جنيه، راتب شهري، وأن مشكلة الرائدات تعمل منذ سنوات كثيرة، فنحن نعمل دون تأمين صحي أو اجتماعي، ولم يطبق علينا بدلات الحوافز، أو إصابة عمل، أو تعويض وفاة. وأضافت، الرائدات الريفيات لا تتقاضى راتبا محترما، حيث نعمل في مجالات عديدة مثل الصحة فنقوم بتوعية الأم والعمل في صحة الأسرة، وأيضا نعمل في مجال السياسة، من خلال إقناع المرأة بدورها فى المحتمع، بالإضافة إلى العمل فى الوحدات الاجتماعية فى المعاشات والمساعدات واستمارات تكافل وكرامة، واستمارات المشروطية وأعمال أخرى. وتابعت، كل هذه الأعمال لانجد مقابل لها وأكبر مبلغ حصلنا عليه منذ 10شهور هو 350جنيه.. نريد أن نتساوى بالرائدة الصحية التابعة لوزارة الصحة التي تم تثبيتها بالوزارة، ولها تامين صحي واجتماعى وراتب وحوافز، قائلة: "نحن نعمل الصناديق الخاصة". بينما قالت س.ع، رائدة ريفية من محافظة أسوان، إنها قضت 20 عاما في تلك الوظيفة المؤقتة، وأنها تقوم بعملها هى وزميلاتها على أكمل وجه، وينفذن تكليفاتهن على أكمل وجه، لأنهن يريدن التعيين ويخافون أن يمسك عليهن أحد بحجة عدم التفاني في العمل. وتابعت، لا أريد أن يكون مصيري مثل زميلاتي اللاتي قضين أكثر من 30 عاما في خدمة المجتمع دون الحصول على حقهن وعدم إعطائهن حقوقهن لتلك السنوات اللاتي عملن بها. وأوضحت، نحن في أسوان نعيش ظروف صعبة للغاية، ونحتاج لهذا التعيين، كما أنه لا يمكن ترك عملنا كرائدات ريفيات، لأن هناك الكثير من السيدات والأسر في حاجة للوعي، مضيفة أنها تشارك في حملة طرق الأبواب، وتقوم بصفة يومية للنزول للأسر في منازلهم لتوعية بخطورة ختان الإناث، وتنظيم الأسرة. يشار إلى أن عمل الرائدة بدأ منذ حرب 73 لمساعدة رجال الجيش للوصول لأهالي المقاتلين الذين استشهدوا في الحرب ومواساتهم ومساعدتهم للحصول علي حقوقهم ومستحقاتهم، وهذا بأمر من قيادة الجيش في هذا الوقت. واجتمعت القيادات العسكرية علي هذا واختيارهم سيدة أو اثنين من كل حي أو قرية لمساعدتهم لدخولهم المنازل بوجود الرائدة. ومنذ هذه الفترة بدأ عمل الرائدات سواء في المدن أو في القرى، وكان عمل الرائدة تطوعي ونسبة هؤلاء الرائدات لوزارة الشئون الاجتماعية" التضامن الاجتماعي حاليا". وينحصر عمل الرائدة الريفية في جميع أعمال التوعية للمرأة سياسيا وصحيا وثقافيا، ومعرفة دور المرأة في المجتمع وأهميته، وأيضا العمل بالوحدات الاجتماعية والقيام بمساعدة رئيس الوحدة في البحث الميداني للمواطنين. وتعد الرائدة همزة الوصل بين المواطن والجهات التي تقدم له أي مساعدة أو خدمة. وتعد أزمة الرائدات الريفيات، إحدى نماذج الأزمات التي تضرب الريف المصري وتحتاج إلى حلول حقيقية لا دعائية تسهم في تفكيك الأزمات التي تواجه أكثر من 54 مليون مواطن يعيشون بالريف.