يبدو أن أدق توصيف لاتفاقية ترسيم الحدود البحرية التي أبرمت بين النظام المصري ودولة اليونان الخميس 6 أغسطس 2020، أنها "تيران وصنافير جديدة" وتكرار لخسارة المصالح المصرية في سبيل إرضاء حلفاء نظام السيسي، بعدما تنازل عن أراضٍ مصرية في تيران وصنافير للسعودية ثم أراضٍ بحرية لقبرص ثم اليونان.صحيح أن تفاصيل الاتفاق لم تخرج للعلن بعد، ولم تنشر مصر إحداثيات تلك الحدود حتى الآن، إلا أن الظروف المحيطة بالاتفاق تثير قلق المصريين، لأن المحرك الأساسي للسياسة الخارجية المصرية في عهد السيسي بات واضحاً ويقوم على المناكفة والمكايدة لتركيا ولو أدى هذا لتقديم تنازلات في أراضي مصر لخصوم تركيا. وسبق هذا سلسلة تنازلات خلال ترسيم الحدود مع قبرص نكاية في تركيا أيضا والصراع في البحر المتوسط، والتنازل عن تيران وصنافير. أيضا سبق أن رفض الرئيس المخلوع مبارك توقيع مثل هذه الاتفاقية مع اليونان، بسبب إصرار اليونان على حدود بحرية يؤدي قبول مصر لها لخسارتها جزءاً من المناطق الاقتصادية الخالصة الخاصة بها، ومن ثم خسارتها احتياطات غاز محتملة في هذه المياه. وبالمقابل فإن الأتراك قدموا للسيسي بديلاً أفضل يضمن لمصر 40 ألف كيلو متر بحري زيادة في حدودها البحرية عما تقدمه اليونان، ولكن رغم أن الاتفاق التركي الليبي لترسيم الحدود البحرية يخدم مصر بالدرجة الأولى، لأنه يعيد لمصر 7000 كم من حدودها البحرية التي تنازلت عنها لحساب اليونان، فإن مصر رفضت الاتفاق واعترضت عليه، رغم أن وزير الخارجية سامح شكري اعترف بأنه لا يمس المصالح المصرية، ومع هذا أصر السيسي على ترسيم الحدود البحرية مع اليونان لا مع تركيا؟ والأكثر غرابة أن الاتفاقية التركية الليبية أفادت مصر من زاوية عرقلتها لخط غاز (East Med) الذي تنوي الكيان الصهيوني وقبرص واليونان إنشاءه في المياه العميقة للبحر المتوسط لنقل الغاز من الكيان الصهيوني وقبرص إلى اليونان ومنه إلى أوروبا، ووفرت لمصر فرصة أن تصبح منصة إقليمية لتصدير الغاز الطبيعي في شرق المتوسط، ومع هذا رفض نظام السيسي الاتفاق الذي يفيد المصريين بسبب صراعه مع أردوغان. وقد ذكرت وكالة رويترز أن خريطة أرسلتها وزارة الخارجية المصرية لها أظهرت أن خط ترسيم الحدود البحرية اليونانية والمصرية "لا يترك أي إمكانية للربط بين تركيا وليبيا"، ومع هذا فحينما أعلنت تركيا عدم اعترافها بهذا الاتفاق قال المتحدث باسم الخارجية المصرية وهو ينتقد الرفض التركي إنه لم يتم نشر الاتفاقية بعد وتوضيح الحدود البحرية فعلي أي أساس تنتقدها تركيا وتعتبرها "باطلة"!. هل قدمت مصر تنازلات؟ أثيرت أرقام مختلفة عن حجم مساحة المنطقة الاقتصادية البحرية التي ستخسرها مصر بموجب هذا الاتفاق. فبموجب مذكرة سرية عرضت علي السيسي 21 مايو 2017، من جانب وزارة الخارجية، أكدت المذكرة ان الطرح الذي تطرحه اليونان يعني أن تخسر مصر 7000 كم من المنطقة البحرية الاقتصادية إذا قبلت الاتفاق مع اليونان، وأن اليونان لا تتفاوض بحسن نية. https://twitter.com/hala_just_1/status/1291931559612895232 وهو ما يعني أن مصر تنازلت عن 7 آلاف كيلو بحري، وخسرت مجددا من حقوقها لصالح اليونان كما خسرت سابقا بالاتفاق مع قبرص من أجل المناكفة السياسية لحاكم مصر مع تركيا، ودون مراعاة لمصالح الدولة والشعب. قال خبراء أيضا إنه وفقاً للطرح اليوناني فإن مصر قد تخسر منطقة بحرية بمساحة تقارب 15 ألف كيلومتر مربع، أي أنها تعادل مساحة محافظة الجيزة تقريباً، وتمثل 130 ضعف مساحة جزيرتي تيران وصنافير، وهي مساحة يمكن أن تخسرها مصر إذا ما رسمت حدودها البحرية مع اليونان وفق هوى الأخيرة. أي أنه إذ تم الاتفاق بالطريقة التي تريدها اليونان فإننا سنكون أمام تيران وصنافير جديدة وتكرار لخسارة المصالح المصرية في سبيل إرضاء حلفاء النظام المصري. وقد أكدت الخارجية التركية في بيانها الذي أعلنت فيه عدم اعترافها بالاتفاقية، أن هذه الاتفاقية تتسبب في خسارة مصر مساحة 11500 كيلومتر مربع من أراضيها، مثلما خسرت مساحة أخرى عندما أبرمت اتفاقية مع جنوبقبرص عام 2003، "وبذلك تقود هذه الاتفاقية إلى محاولة اغتصاب حقوق ليبيا أيضا. وبصرف النظر عن تفاصيل الاتفاق فإنه سيكون في غير مصلحة مصر، إذا طُبقت الرؤية اليونانية التي رفضتها القاهرة لسنوات. ولذلك تساءل مصريون على مواقع التواصل: "لماذا يناكف السيسي أردوغان على حسابنا احنا؟!، أردوغان شغال لمصلحة بلده ويوسع حدود وحقول غاز ونفوذ بلاده إقليمي، ولكن لمصلحة من يعمل السيسي كده ويتنازل عن حدود مصر البحرية؟!". وكان ملفتا عقب قول الخارجية التركية إن المنطقة التي شملها الاتفاق بين اليونان ومصر تقع في نطاق الجرف القاري التركي، وأن تركيا تعتبر الاتفاق لاغيا وباطلا لأنها تنتهك أيضا الحقوق البحرية الليبية، رد أحمد حافظ المتحدث باسم الخارجية المصرية بقوله: "من المستغَرب أن تصدر مثل تلك التصريحات والادعاءات عن طرف لم يطلع أصلا على الاتفاق وتفاصيله"، ما يشير لعدم إعلان مصر تفاصيل الاتفاق ربما لعدم إثارة تساؤلات حول حجم تنازلاتها لليونان. وقول مصر بالمقابل، إن جزءا من عمليات المسح الزلزالي الذي تقوم به تركيا في منطقة شرق البحر المتوسط قد يتعدى على المياه التي تعتبرها القاهرة منطقة خالصة لها. اليونان تنازلت لمصر! وقد روج مصريون مؤيدون للسلطة لسلسلة تغريدات كتبها موقع يغرد عن مصر قريب من اليونان يسمي lexicon Road روج لتقديم اليونان تنازلات لمصر من أجل إبرام الاتفاق وزعم أنه في اتفاقية اليونان ومصر بشأن المنطقة الاقتصادية الخالصة، "قبلت اليونان جميع الاعتراضات والطلبات المصرية ولم تحصل على أي شيء في المقابل من القضايا قيد التفاوض". حيث زعم الموقع أن مصر اتفقت مع قبرص على المنطقة الاقتصادية الخالصة بموجب تطبيق مبدأ خط المنتصف (أي تقسيم المنطقة 50% لكل دولة) ولكن اليونان، لم ترغب في عقد صفقة مماثلة، وأرادت تطبيق مبدأ التناسب (للسواحل، أي نقاط الأساس) ما ادي لحصول اليونان على 45% من المنطقة الاقتصادية البحرية مقابل 55% لمصر. أي أن المنطقة الاقتصادية الخالصة بين مصر واليونان لم تقسم إلى قسمين متساويتين، ولكنها أعطت لمصر 55% ولليونان 45% ولم تراعِ مبدأ خط المنتصف. وقال الموقع اليوناني: "بجوار المكان الذي ينتهي فيه الترسيم الشرقي، تبدأ المنطقة الاقتصادية الخالصة التي اقترحتها تركيا على مصر، وبهذه الطريقة لا تفقد مصر أي شبر من المنطقة الاقتصادية الخالصة بها، واليونان لديها خسائر كبيرة، ولا توجد سابقة لمثل هذا التقويض لموقف الجزر اليونانية في شرق المتوسط". وتابع: "الخلاصة: قدمت اليونان تنازلات بشأن جميع القضايا قيد التفاوض، ومنحت حقوقا لأطراف ثالثة، مثل إيطاليا، ولم تحصل على أي شيء، بينما قدمت كل شيء لمصر"!. وقد رد الدكتور نايل شافعي، خبير الحدود البحرية، على هذا بقوله: "أنا لدي الإحداثيات التي تطالب بها اليونان منذ 2012. ولطالما حذرت منها، ولذلك هاجمتني الصحافة المصرية يوم قمة الكلاماتا الثانية في 8 إبريل 2015، على صفحتين كاملتين بجريدة الوطن، وعلى صفحة في المصري اليوم". وللوهلة الأولى بدا اتفاق ترسيم الحدود المائية بين مصر واليونان مريحا للكيان الصهيوني على اعتبار أنه سيمنح اليونان المساحة التي سيمر عبرها الأنبوب الذي سينقل غازها لأوروبا، في حين أن الاتفاق التركي الليبي على ترسيم الحدود يمنح نفس القطاع لتركيا مما يجعل تل أبيب تحت رحمة أنقرة. لكن في الواقع، ينظر الكيان الصهيوني بقلق كبير للاتفاق المصري اليوناني لأنه سيدفع الأتراك للإسراع لتطبيق اتفاقهم مع حكومة الوفاق وزيادة حضور سلاحهم البحري بحريتهم بشكل مكثف، كما تعهد أردوغان، مع إدراك تل أبيب أن موازين القوى العسكرية تقلص من قدرة نظام السيسي واليونان على إمضاء الاتفاق بالقوة. وقد نشرت تركيا بالفعل 10 سفن حربية لحماية سفنها التي تقوم بالتنقيب عن الغاز في البحر المتوسط، وأعلن الرئيس التركي استئناف الحفر في البحر المتوسط في المناطق المتنازع عليها مع اليونان ما يعني تصعيدا بحريا متوقعا.