نشرت صحيفة "المونيتور" مقالا للكاتب Metin Gurcan تطرق خلاله إلى الخلافات السياسية بين مصر وتركيا حول ليبيا. وأكد المقال الذي ترجمته الحرية والعدالة أن تركيا غير منزعجة من الصراع مع مصر والإمارات في ليبيا، وتعتقد أنقرة أن القيام بعملية برية مصرية واسعة النطاق أمر غير مرجح على الإطلاق في ليبيا، نظرا للديناميكيات المحتملة لصراعات السلطة في سماء سرت والجفرة، بين القبائل في جنوب ليبيا وعلى الخطوط الجوية والبحرية اللوجستية بين ليبيا وتركيا. وقال الكاتب إنه بفضل موافقة برلمان الانقلاب على التدخل العسكري في ليبيا، يتمتع عبد الفتاح السيسي، قائد الانقلاب بكامل السلطة للتدخل في ليبيا المجاورة، وهو الاحتمال الذي قد يؤدي إلى مواجهة عسكرية تقليدية بين الخصمين الإقليميين لمصر وتركيا، اللتين تدعمان طرفي نقيض في حرب ليبيا بالوكالة. وأضاف المقال أن التخطيط الاستراتيجي في أنقرة يركز على ثلاثة عوامل: قدرات مصر البرية والجوية والبحرية، واستعدادها الفعلي للتدخل والسياق الدولي. وتعتقد أنقرة أن القوات البرية في مصر ضعيفة جدا بسبب العمليات البرية الواسعة، كما أن مصادر الأمن التي أجريت معها مقابلات مع "المونيتور" بالإجماع ترفض هذا الاحتمال، وترى أنقرة أن أوجه القصور التي تعيب مصر في الحرب ضد تنظيم الدولة الإسلامية في شبه جزيرة سيناء تظهر أن القوات البرية المصرية تفتقر إلى القدرة الكافية في الصراعات المنخفضة الحدة أيضا. وهناك وجهة نظر سائدة أخرى مفادها أن الجيش المصري يتعرض "لصدمة إستراتيجية" تحيط بالمشاريع الأجنبية بعد تدخله الفاشل في اليمن في ستينيات القرن العشرين، والذي كثيرا ما يشار إليه باسم "فيتنام مصر"، وخلاصة القول إن أنقرة تستبعد بكل ثقة أن تنفذ مصر عملية برية شاملة في ليبيا. وتظهر الدروس المستفادة من الحروب العربية الصهيونية في عامي 1967 و1973، والتوجهات العسكرية منذ حرب الخليج في الفترة 1990-1991، أن أي عملية عسكرية واسعة النطاق في منطقة ذات صحاري شاسعة مثل ليبيا سوف تحتاج إلى درجة معينة من التفوق الجوي والدعم الجوي الوثيق، وعلى هذا فإن أنقرة مشغولة بما إذا كانت مصر سوف تتلقى دعما جويا مفتوحا أو سريا من الإمارات العربية المتحدة، حليفها الرئيسي في ليبيا، وروسيا. وقد تثقل المشاكل الأمنية في سيناء والخلافات مع الجيران القاهرة، ولكن من الممكن شن حملة جوية محدودة من قبل مصر والإمارات لمنع قوات طرابلس المدعومة من تركيا من الاستيلاء على مدينة سرت الساحلية ذات الأهمية الإستراتيجية، وأكبر قاعدة جوية في ليبيا، الجفرة. ويقال إن الهجوم على قاعدة الوطية الجوية التي تسيطر عليها تركيا في أوائل شهر يوليو كان بمثابة تمهيد للنضال من أجل فرض الهيمنة على المجال الجوي في ليبيا. ومن الناحية النظرية يمكن للعمليات الجوية التركية التي شنت هجوما للاستيلاء على سرت والجفرة، التي أعلنت أنقرة وحلفاؤها أنها الأهداف التالية، أن تتكشف على ثلاثة أعمدة رئيسية، أولها نشر الطائرات الحربية في ليبيا أو في دولة ثالثة مثل مالطة، التي يمكن أن تصل منها الطائرات إلى ليبيا دون إعادة التزود بالوقود جوا، لتوفير دعم جوي قريب للقوات البرية، أما الخيار الثاني فيتمثل في استخدام منظومات الدفاع الجوي، بما في ذلك القذائف أرض – جو، ووسائل الحرب الإلكترونية لمنع القوات المتعارضة من الوصول إلى طريق الهجوم، وسوف تركز النقطة الثالثة على تأمين الممرات اللوجستية الجوية والبحرية بين تركيا وليبيا، كما أن تلك المناطق الثلاث ستكون الأهداف الرئيسية للقوات الجوية المصرية والإماراتية. وبالحكم على الهجوم على الوطية، فإن أنقرة ترى أن من المرجح أن الطائرات الإماراتية قد تحاول منع هجوم على سرت، بدعم لوجستي مصري وسيطرة روسية على المجال الجوي. وتشير قواعد البيانات العسكرية إلى أن الإمارات تمتلك حوالي 160 طائرة مقاتلة وطائرات حربية متعددة الأدوار، معظمها من طراز F-16Es و F16F Block-60 من صنع الولاياتالمتحدة، ولكن أيضا طائرات ميراج فرنسية الصنع. ووفقا لمعلومات إستخبارية مفتوحة المصدر، فإن الإمارات وضعت طائرات ميراج في قاعدة سيدي براني المصرية، وهي ليست بعيدة عن الحدود الليبية، وعززت قاعدة الكاظم في شرق ليبيا بحظائر وبنية تحتية ملائمة للطائرات المتطورة. وقد تم حتى الآن نشر طائرات أقل تقدما مثل طائرات الهجوم الخفيفة من طراز AT-802 وطائرات الجناح لونج الصينية الصنع فى القاعدة ، ربما بسبب المخاطر التشغيلية والأضرار الأقل التى يمكن تحملها إذا تم إسقاطها ، من الناحية المالية ومن حيث التأثير الإعلامى. ورأى الكاتب أن استخدام قواعد الكاظم والقواعد المصرية من شأنه أن يوفر ميزة كبيرة للطائرات الإماراتية حتى لو لم تكن القوات الجوية المصرية تشارك بفعالية في القتال. وقد تؤدي هذه الميزة إلى زيادة الضغوط على قوات طرابلس المدعومة من تركيا وتيسير شن هجمات عميقة على طرابلس، التي تفتقر فيما يبدو إلى الدفاع الجوي المناسب. وتجدر الإشارة إلى أن سلاح الجو الإماراتي يملك الذخيرة الذكية بعيدة المدى المطلوبة لهذه المهمات. كما أن القوات المصرية والإماراتية قد تحاول قطع الطرق الجوية والبحرية بين تركيا وليبيا، التي تبعد عن بعضها 2300 كيلومتر (1 430 ميلا)، إن استمرار الإمدادات ونقل القوات والإجلاء من شأنه أن يشكل مهمة لوجستية صعبة بالنسبة لتركيا على مثل هذا الطريق الطويل. باختصار، يشكل بعد القوة الجوية الأمر الأكثر صعوبة بالنسبة لأنقرة. ما مدى استعداد مصر للتدخل العسكري؟ تعتقد أنقرة أن موقف القاهرة هو في الغالب للاستهلاك المحلي، ويهدف إلى تحويل الانتباه عن فشلها في ردع أثيوبيا في نزاع مائي على النيل وسوء التعامل مع وباء كورونا، ووفقا لتقدير أنقرة، فإن مصر التي تكافح للتعامل مع عدد قليل من الجماعات الإرهابية في سيناء لا يمكنها أن تخاطر بشكل كبير في ليبيا، وحتى لو فعلت ذلك، فإن هزيمتها المحتملة قد تعجل بانتهاء نظام السيسي. وعلى عكس اليمن وسوريا، تظل ليبيا محط أنظار العالم، وتحصل حكومة الوفاق الوطني، حليفة تركيا، على الشرعية الدولية، معززة بسلسلة من الانتصارات العسكرية الأخيرة التي، في تفكير أنقرة، تحول دون التدخل المدعوم من قبل السيسي مع احتمال وقوع إراقة الدماء على نطاق واسع. وعلاوة على ذلك، تعتقد أنقرة أن استعداد السيسي وحده لا يكفي، وقد يكون السيسي متحمسا للتدخل آملا في تعزيز شعبيته في العالم العربي وتلقي الدعم المالي للإمارات العربية المتحدة، ولكن أنقرة تشكك في أن الجيش المصري يتشاطر شغفه بذلك. ووفقا للتقييمات التركية، فإن الجيش المصري سيكون مترددا في شن حملة عبر الحدود مع أهداف عسكرية غامضة وخسارة قد تضر بمصداقيته وتغذي الخلافات الداخلية. باختصار، ترى أنقرة أن السيسي مخادع إلى حد كبير. وفي السياق الدولي، تدرك أنقرة أنها في حاجة إلى الدعم السياسي الأوروبي، وخاصة من إيطاليا وألمانيا وبريطانيا وأسبانيا، فضلا عن الدعم اللوجستي من دول مالطا والمغرب العربي للتحرك في سرت، فضلا عن الدعم الأميركي لتحقيق التوازن لروسيا في ليبيا. وقد كثفت جهودها الدبلوماسية سعيا إلى الاستفادة من الخلافات بين بلدان الاتحاد الأوروبي بشأن ليبيا ومخاوف المؤسسة العسكرية الأميركية بشأن الوجود الروسي في البلاد. وترى أنقرة أن الليبيين يعتبرون التدخل المصري غزوا، كما أن الدول المجاورة مثل الجزائر وتونس، والتي ظلت خارج نطاق الصراع حتى الآن، سوف تكون أيضا كارهة للتدخل المصري بسبب المخاطر الأمنية واحتمال موجات الهجرة. ولكن قبل كل شيء، تعتقد أنقرة أن مصر لا تستطيع التدخل دون إيماءة من واشنطن، وهو أمر تراه احتمالا بعيدا بسبب انحياز مصر لروسيا. وفيما يتعلق بحرب الوكالة، يبدو أن مصر نشطة جدا. ومنذ أوائل يونيو، كثفت الحكومة جهودها لتسليح القبائل الليبية، ويكشف هذا النشاط عن خطة لتنظيم المقاومة المسلحة على المستوى المحلي لإعاقة تقدم قوات طرابلس في حال محاولتها السير في سرت والجفرة. ليس من الصعب أن نتصور أن التدخل العسكري المصري قد يعتمد على التمويل الإماراتي، ورغم هذا فإن القاهرة قد تواجه جوانب سلبية أخرى من حيث قدرتها، إن المسافة بين مصر وليبيا، ومدة التدخل وقدرته على التحمل واستمراره، والحاجة إلى كسب التأييد الشعبي والدولي يجب أن تؤخذ في الاعتبار. وقد اعتمدت جهود السيسي في دعم القدرات العسكرية لمصر على المشتريات الأجنبية، وهو جانب سلبي هام. وأي عقوبات تفرضها الدول الغربية أو روسيا من شأنها أن تعرقل القدرة على تحمل واستمرارية التدخل. بشكل عام، تعتقد أنقرة أن التدخل المصري سيكون محاولة غير عقلانية، نظرا لعوائق القاهرة وظروفها الدولية، على الرغم من أن الجيش المصري لديه القدرة على القيام بهذه الخطوة. وإذا كان السيسي عازما على المضي قدما، فإنه سوف ينفذ مشروعا يتسم بالمنطق العسكري الهش والعواقب غير المتوقعة بالنسبة لكل من ليبيا ومصر. رابط المقال: https://www.al-monitor.com/pulse/originals/2020/07/turkey-egypt-libya-large-scale-war-over-sirte-jufra-unlikely.html