كان إعلام الديكتاتور عبدالناصر يتحدث عن انتصارات الجيش المصري في سيناء خلال حرب 5 يونيو 1967، في الوقت الذي كان الجيش يتعرض فيه لأبشع هزيمة على مر التاريخ حتى سُحقت قواتنا سحقا خلال 6 أيام فقط أمام كيان صغير يسمى "إسرائيل"، ولم يعرف المصريون بالهزيمة إلا من خلال الإعلام الغربي الذي كان يبث كل يوم الانتصارات المدوية لجيش الاحتلال الصهيوني حتى اضطر عبدالناصر في 10 يونيو إلى الاعتراف بالهزيمة والقيام بمسرحية التنازل عن السلطة. العجيب أنه في زمن السماوات المفتوحة والإنترنت، لا يزال إعلام النكسة ميهمنا على الآلة الإعلامية التابعة لنظام انقلاب 30 يونيو في مصر، وهو ذلك الإعلام الذي يمارس الكذب بكثافة تحت إشراف ما تسمى بالمؤسسات السيادية حتى يصدق نفسه ويظن أن الناس تصدقه. فلا تزال الآلة الإعلامية للنظام من صحف وفضائيات ومواقع تعزف نغمة واحدة تقوم على أكذوبة كبيرة حول الإنجازات الضخمة التي نفذها نظام السيسي خلال السنوات الست الماضية، مستعرضين صورة عدة عمارات وطرق وكباري. رفع الأسعار وخفض الدخل ولا يفتح المرء فضائية أو صحيفة أو موقعا تابعا للسلطة إلا وتقابله حملة البروباجندا حول إنجازات السيسي؛ فيضرب كفا بكف متسائلا باندهاش "أين هي هذه الإنجازات؟". وهل اقتراض آلاف المليارات ثم وضعها في عدة مدن خرسانية أو عدة طرق وكباري يعتبر إنجازا؟ فهذا أمر لا يحتاج إلى قدرات خارقة ومهارات نادرة؛ ويمكن أن يقوم به أي فرد في العالم؛ فالإنجاز الحقيقي هو الذي يحققه الإنسان بجهده وعرقه وإنتاجه وليس بالقروض الضخمة من البنوك المحلية وجهات التمويل الدولية التي تكبل الأجيال المقبلة لعقود طويلة. الإنجازات الملموسة التي يشعر بها المصريون بمرارة هي الغلاء الفاحش الذي طال جميع السلع والخدمات، فقد تراجعت قيمة الجنيه إلى أقل من النصف أمام الدولار وباقي العملات الأجنبية، وارتفع سعر صرفه من 7 جنيهات إلى نحو 16.5 جنيه حاليا ما يعني أكل نصف مدخرات المصريين، والوقود ارتفع من جنيه واحد إلى ستة جنيهات، وأنبوبة غاز الطهي ارتفعت من 8 جنيهات إلى 75 جنيها، وفاتورة الكهرباء ارتفعت من 50 جنيها إلى 400 جنيه، وتذكرة المترو ارتفعت من جنيه واحد إلى 5 جنيهات على الأقل، وتعريفة الركوب ارتفعت بنسبة 300%، وقس على ذلك أسعار الخضار واللحوم والدجاج وجميع السلع الغذائية بخلاف الأسعار الجنونية للكتب والملابس والدروس الخصوصية وكشوف الأطباء والمدارس الخاصة وأسعار مواد البناء والمهنيين، فكل شيء ارتفع سعره في هذا البلد إلا المواطن بات أرخص شيء فيها. هذه هي الإنجازات الملموسة التي لا يحتاج الشعب إلى من يذكره بها؛ لأنه مسحوق تحتها ليل نهار ويكتوي بها كل يوم دون أن يجد من يحنو عليه، ويكفي أن مشروع الموازنة الحالية يقدر بنحو 2.3 تريليون جنيه، بينما تبلغ الإيرادات نحو 1.3 تريليونا. والمصروفات نحو 1.73 تريليونا ما يعني أن عجز الموازنة يصل إلى 425 مليار جنيه. وتبلغ قيمة إجمالي مخصصات أقساط القروض وفوائدها 1.12 تريليون جنيه، عبارة عن مخصصات سداد القروض 555,5 مليار جنيه، ومخصصات فوائد الدين فتقدر بنحو 556 مليار جنيه لتصل إلى حوالي 90% من الإيرادات. حجم ديون غير مسبوق الإنجازات الملموسة حقا أن حجم الدين الخارجي ارتفع في سنوات ما بعد الانقلاب من نحو 43 مليار دولار في يونيو 2013م إلى 112.67 مليار دولار في نهاية ديسمبر2019م، بخلاف ما اقترضته حكومة الانقلاب خلال الشهور الست الأولى من 2020م وأبرزها اقتراض 13 مليار دولار خلال شهر مايو الماضي فقط من صندوق النقد الدولي وسندات دولية. وارتفع الدين المحلي من 1.3 تريليون جنيه في يونيو2013م، إلى 4.355 تريليون جنيه بنهاية ديسمبر 2019م، بخلاف ما اقترضته الحكومة خلال الشهور الست الأولى من عام 2020م، ليرتفع حجم الديون المحلية حاليا إلى أكثر من 4.5 تريليون جنيه على أقل تقدير. اقتراض لا يتوقف والأكثر خطورة أن السيسي يتجه لاقتراض نحو 974.482 مليار جنيه، كما يتجه لفرض مزيد من الرسوم والضرائب وزيادة رسوم الكهرباء والمياه وقرر ضريبة غريبة على سعر كل لتر وقود تصل إلى 30 قرشا رغم تراجع السعر العالمي للوقود؛ ثم بعد ذلك تجد فضائيات السلطة تتحدث عن إنجازات السسي؛ فعن أي إنجازات يتحدثون؟ ولماذا لا تأخذ هذه الحقائق التي ذكرنها أي اهتمام من جانب إعلام السلطة الذي يكرس الأكاذيب والتزييف في استخفاف رخيص لعقول المصريين ومستوى وعيهم بحجم الانهيار الذي يحدث في مصر حاليا. سحق الديمقراطية الإنجازات الضخمة حقا للسيسي هي سحق المسار الديمقراطي ونسف ثورة يناير، وتوريط الجيش المصري في مذابح جماعية لأنبل وأشرف من أنجبتهم مصر، وتوريط الجيش في التنازل عن جزيرتي "تيران وصنافير" وقبلها التفريط في حقوق مصر المائية بالتوقيع على اتفاق المبادئ بالخرطوم في مارس 2015م والذي شرعن بناء سد النهضة، وباتت مصر معرضة لأكبر مجاعة في تاريخها كله تضاهي أزمتها في عهد الفراعنة، ولكن للأسف لم يظهر بعد (يوسف) على مسرح الأحداث لينقذها مما هي فيه وما هي مقبلة عليه. يقول ماجد مندور الباحث بمعهد "كارنيجي لأبحاث الشرق الأوسط" إن السيسي يعطي أولوية لمشاريع البنى التحتية الواسعة النطاق بهدف حشد الدعم، غير أن هذه المشاريع تُعزّز قبضة القوات المسلحة على الاقتصاد ولا تُقدّم أي منافع اقتصادية واسعة وملموسة. فمتى يفيق الغافلون قبل قوات الأوان؟