نشر الجيش الإثيوبي خلال شهر مايو الجاري 2020م، منظومات متطورة جديدة للدفاع الجوي حول سد النهضة بدعوى التجهيز لمواجهة أي عدوان مصر محتمل. وفي يونيو المقبل سيم نشر مرحلة أخيرة من تلك المنظومة؛ وبنهايتها ستكون إثيوبيا قد تمكنت من نصب حائط صواريخ يتكون من قاعدتين للدفاع الجوي عن السد، إحداهما قريبة للغاية منه والأخرى على بعد استراتيجي. وبحسب قيادات بحزب "جبهة تحرير تيجراي" المعارض الأبرز لأبي أحمد رئيس الوزراء، فإن بلاده حصلت على المنظومات الجديدة من دول عدة، أبرزها روسيا، وأنه تمّت تجربتها كلها مطلع العام الحالي، قبل نقلها إلى ولاية بني شنقول التي يقع فيها السد. وجرى إدخال تعديلات على بعض المنظومات بواسطة الشركة العسكرية للمعادن والهندسة "ميتيك" التابعة للجيش. كما نشرت إثيوبيا منظومات أخرى حديثة الطراز على الحدود مع إريتريا، وأن عملية تحديث الدفاع الجوي الإثيوبي قد بدأت في الواقع بعد أشهر معدودة من توقيع اتفاق المبادئ مع مصر والسودان. تصريحات عدائية وتأتي هذه المعلومات العسكرية الحساسة في توقيت تشهد فيه العلاقات الأثيوبية مع كل من مصر والسودان فتورا في أعقاب الإصرار الأثيوبي على ملء خزان سد النهضة بدءا من يوليو المقبل بشكل منفرد. وكانت وكالة الأنباء الإثيوبية قد نشرت مؤخرا تصريحات مستفزة وعدائية للمتحدث باسم الخارجية بالإنابة أمسالو تيزازو، أكد فيها أولا موقف حكومته بأنها ليست مجبرة وفق أي تفاهم أو قانون دولي إبلاغ مصر والسودان قبل شروعها في الملء الأول للسد. وهي العملية التي تنوي إثيوبيا إطلاقها في يوليو المقبل بالتزامن مع بدء فيضان النيل الأزرق، المتوقع استمراره حتى نهاية الشتاء المقبل بإجمالي 4.9 مليارات متر مكعب، على أن يبدأ السد التشغيل التجريبي لإنتاج الكهرباء في مارس المقبل. وثانيا، تضمنت تصريحاته تخلّي أديس أبابا عن أي اتفاق سابق بين الدول الثلاث وبصفة خاصة اتفاق المبادئ الموقع في مارس 2015، وأن "الحديث عن ضرورة التوصل إلى اتفاق قبل الملء الأول هو محض خدعة قديمة وضعيفة". وادّعى أن "الملء الأول لن يسبب أي ضرر لدولتي المصب (مصر والسودان) لأنه سيتم في وقت الفيضان"، في تجاهل واضح للتقارير العلمية التي أعدتها المكاتب الفنية لدى استعانة الدول الثلاث بها لإعداد مسودات الاتفاق في الفترة بين عامي 2015 و2018. تصريحات المتحدث باسم الحكومة الأثيوبية جاءت بعد ساعات من لقاء رئيس وزراء بلاده أبي أحمد وفداً سودانياً رفيع المستوى برئاسة وزير شؤون مجلس الوزراء عمر بشير مانيس، والذي وصفه رئيس الوزراء السوداني عبد الله حمدوك ب"اللقاء الناجح". وكان وزير الخارجية الأثيوبي تادرس أداهانو قد أدلى في أكتوبر 2019م بتصريحات عدائية ضد مصر لصحيفة أديس أداماس الحكومية مؤكدا أن مصر أضعف من أن تدخل في حرب مع أثيوبيا وأن صراعات مصر الداخلية وفقرها الاقتصادي والإرهاب في سيناء هي أولويات حروبها ، أما سد النهضة فالجانب المصري يعلم تماما أنه وافق على كافة الاتفاقيات بسد النهضة لكنه يظهر عكس ذلك من وسائل الإعلام المصرية. من جانبه قال رئيس الوزراء آبي أحمد أنه “لايمكن لأي قوة أن توقف رحلة إثيوبيا نحو الرخاء”. منظومة روسية وإسرائيلية الاستعداد القتالي للجيش الأثيوبي بدأ بعد توقيع اتفاق المبادئ بالخرطوم في مارس 2015م وكان رئيس هيئة أركان الجيش الإثيوبي الجنرال آدم محمد ورئيس أركان القوات الجوية العميد يلما مرديسا وعدد كبير من قيادات القوات المسلحة الإثيوبية قد زاروا موقع سد النهضة في 22 مارس الماضي، وجاء في بيان رسمي أنهم كانوا يتابعون عمليات البناء الخاصة بالسد والتعرف على آخر التطورات فيما يخص سير العمل به والتحديات التي تواجهه. وأعلن رئيس الأركان في حينه أن "الجيش الإثيوبي مُستعد لمواجهة أي عدوان على سد النهضة لحماية مصالح الشعوب الإثيوبية". وكانت إثيوبيا قد بدأت تشغيل نظام الدفاع الجوي الروسي "بانتسير إس 1" في فبراير2019 بعد حصولها عليه بأسابيع عدة، وهو يجمع بين مدفعين آليين مضادين للطائرات من طراز "إيه 38 أم 302"، وتم تطويرهما من مدفعين من عيار 30 ميليمتراً من نوع "جي أس أتش 30"، مع 12 صاروخ أرض-جو "إي657". وأظهرت لقطات تلفزيونية عُرضت على القنوات المحلية آنذاك، كيفية تركيب نظام "بانتسير إس 1" على عربة يمكنها إطلاق النار على هدفين في وقت واحد ومهاجمة 12 هدفاً في الدقيقة، وبمدى فعّال يصل إلى 20 كيلومتراً، كما يمكنها قصف قذائف مدفعية بعمق 4 كيلومترات. وفي مايو 2019م، أكدت تقارير إعلامية أن أجهزة المخابرات المصرية رصدت تزويد (إسرائيل) الحكومة الإثيوبية منظومة صواريخ دفاعية جديدة لتأمين محيط سد النهضة. وذكرت أن "تقريراً سيادياً، سرياً للغاية، رفعته أجهزة معنية إلى رئاسة الانقلاب، يتضمن تطورات بشأن سد النهضة الإثيوبي، شمل معلومات حول تزويد تل أبيب لأديس أبابا بمنظومة صواريخ دفاعية حديثة لنشرها في محيط سد النهضة، وكذلك تزويدها بتكنولوجيا متطورة متعلقة بعمليات تشغيل السد وتوليد الكهرباء". وترددت معلومات أيضاً في سبتمبر2019عن تزويد الإسرائيليين إثيوبيا بمنظومات دفاع جوي قصير ومتوسط المدى من طراز "سبايدر-إم آر" لحماية سد النهضة، متجاهلة نداء رئيس الانقلاب لمكتب رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو، لوقف هذه الصفقة. وفي الوقت الذي لم تنفِ فيه إثيوبيا تلك الأنباء، سارعت الخارجية الإسرائيلية لتكذيبها آنذاك عبر سفارتها بالقاهرة، وأشارت في بيان التكذيب إلى وجود منظومة دفاعية يتم تحديثها حول سد النهضة ولكنها تخص دولاً أخرى، من دون الإشارة لهويتها. عجز مصري وأمام هذا الإصرار الإثيوبي الذي يهدد الأمن القومي المصري، اكتفى السيسي بعقد اجتماعات ولقاءات مع كبار قادة المؤسسة العسكرية لم تسفر عن شيء جاد يمكن أن يغير المعادلة لصالح الجانب المصري. فقد عقد السيسي اجتماعاً في الثالث من مارس الماضي في أعقاب فشل جولة المفاوضات الأخيرة حول سد النهضة، حضره عدد كبير من القيادات العسكرية في مقر الأمانة العامة لوزارة الدفاع، وعلى رأسهم وزير الدفاع الفريق أول محمد زكي ورئيس الأركان الفريق محمد فريد حجازي. وتطرق البيان الرئاسي الصادر عن الاجتماع إلى "ضرورة التحلي بأعلى درجات الحيطة والحذر والاستعداد القتالي، وصولاً إلى أعلى درجات الجاهزية لتنفيذ أية مهام توكل إليهم لحماية أمن مصر القومي، وذلك في ظل التحديات الراهنة التي تموج بها المنطقة". وتكرر نفس الاجتماع أمس الاثنين 18 مايو 2020م، حضره وزير الدفاع الفريق محمد ذكي ورئيس هيئة عمليات القوات المسلحة، ورئيس الهيئة الهندسية للقوات المسلحة، وقائد المنطقة المركزية العسكرية. وعبَّر السيسي خلال الاجتماع عن وجوب استمرار القوات المسلحة في التحلي بأقصى درجات الجاهزية والاستعداد القتالي لحماية أمن مصر القومي". كما أعرب عن "تقديره لجهود القوات المسلحة وما تبذله من تضحيات فداءً للوطن ولصون أمنه وسلامته واستقراره ومقدرات شعبه" على حد زعمه. وفي مطلع مايو 2020م، تقدمت حكومة الانقلاب بشكوى إلى مجلس الأمن بلهجة لا تخلو من الرجاء لاتخاذ ما يلزم لاستئناف مفاوضات ملء وتشغيل السد، وتضمن وصف الخطر الاستراتيجي الذي قد تشهده المنطقة جراء الممارسات الإثيوبية بأنه "تطور محتمل"، وهو التحرك الذي يستحيل أن يصاحبه، بحسب مراقبين، تحضير لتحرك عسكري مصري سيكون بالتأكيد غير مرغوب من القوى العظمى ولا مرحباً به في المنظومة الأممية. وبين الاجتماعات مع قادة الجيش والتقديم بشكاوى لمجلس الأمن والأمم المتحدة يبقى نظام السيسي عاجزا بكل معنى الكلمة عن حماية الأمن القومي المصري الذي بات مكشوفا ومهددا بشكل لم يسبق أن حدث من قبل على مر العقود الماضية.