رغم المناشدات الدولية والنداءات الحقوقية لسلطات الانقلاب العسكري بمصر للإفراج عن المعتقلين السياسيين؛ تجنبا لانتشار وبائي بينهم بسبب كورونا، في ظل ظروف حبس غير آدمية بالمرة، جاء قرار الانقلابي السيسي مضادا ومعاندا تماما لتلك النداءات الانسانية، التي قامت بها كل دول العالم، هروبا من مسئولية جنائية لن تسقط بالتقادم، بتعمد قتل المعتقلين بالسجون، وعدم حمايتهم من الأمراض. وجاء ما يعرف بقرار العفو عن 4 آلاف سجين، غير متضمن، كالعادة، أي معتقل سياسي في تأكيد لاستمرار السلطة الانقلابية في سياسة التنكيل بمعارضيها، وعدم تراجعها عن تلك السياسة، وكرد من السلطة لكل الاستغاثات التي دعت لها المنظمات الحقوقية من ظهور فيروس كورونا في مصر. إجراء احتفالي! ويتوزع المحبوسون الحاصلون على الإفراج بين مستفيدين بتخفيف العقوبة عن جرائم معينة بواقع 3778 شخصًا، ومستفيدين بالعفو الشرطي بالخروج من السجن بعد قضاء ثلثي المدة بواقع 233 شخصًا، ويعتبر هذا العدد من السجناء الأكبر منذ 3 سنوات الذي يتم الإفراج عنه، منذ تم الإفراج عن عدد مقارب لنفس المناسبة أيضًا في 2017، ليرتفع عدد السجناء المفرج عنهم بالعفو والإفراج الشرطي خلال العام الحالي إلى أكثر من 6500 سجين، إذ تم سابقًا الإفراج عن نحو 2500 في ذكرى ثورة يناير وعيد الشرطة مطلع العام الحالي. والعفو عن المسجونين إجراء ذو صبغة احتفالية اعتيادية، ولا يتضمن القرار أي أسماء شهيرة، ويصدره الرئيس المصري في المناسبات القومية والدينية، وتختار وزارة الداخلية، ممثلة في مصلحة الأمن العام ومصلحة السجون، السجناء الذين تنطبق عليهم شروط القرار، ولا يكون من بينهم سجناء سياسيون أو مدانون في قضايا تظاهر، ولا يسري العفو على المحكوم عليهم في عدد من الجرائم، من بينها الجنايات والجنح المضرة بأمن الحكومة، والرشوة، وجنايات التزوير، والجرائم الخاصة بتعطيل المواصلات، والجنايات المنصوص عليها في قانون الأسلحة والذخائر، وجنايات المخدرات والاتجار فيها، وجنايات الكسب غير المشروع، والجرائم المنصوص عليها في قانون البناء، ولا يعرف على وجه التحديد أعداد السجناء في مصر؛ إذ لا تعلن أي من وزارتي الداخلية أو العدل أية أرقام بشأنهم، لكن منظمات حقوقية تشير إلى أن الرقم أكبر من 60 ألف سجين، كما لا يعرف أيضا أعداد المحتجزين على ذمة قضايا، أو المحبوسين احتياطيا، والذين تجاوزت فترات حبس بعضهم سنوات دون محاكمة. وتزايدت خلال الأشهر الأخيرة المطالبات بإطلاق سراح آلاف السجناء المعرضين للخطر؛ بسبب تفشي فيروس كورونا، كما طالبت جمعيات حقوقية بإنهاء ملف المحبوسين احتياطيا، والذي يضم مئات المخالفات للقانون المصري. نداءات إنسانية وعلى الرغم من اتخاذ حكومة السيسي العديد من القرارات لتخفيف الحظر والاجراءات النمتخذة لمواجهة فيروس كورونا، فإنها لم تنظر في قرارها، الصادر في 9 مارس الماضي، منع الزيارات نهائيًا في السجون خشية انتشار الفيروس، لتطالب الصحفية إكرام يوسف، والدة المعتقل السياسي والبرلماني السابق زياد العليمي، بفتح الزيارات للاطمئنان على ذويهم أسوة بتخفيض ساعات الحظر وفتح المتاجر، وأعلنت الناشطة السياسية منى سيف، شقيقة المعتقل علاء عبد الفتاح، دخولها في إضراب تضامني عن الطعام، الجمعة الماضية، لمدة 24 ساعة، تضامنًا مع شقيقها المضرب عن الطعام منذ 12 يومًا؛ لأنها لا تعرف عنه شيئا سوى إضرابه عن الطعام في ظل منع الزيارات عنه تمامًا، وبدأ علاء عبد الفتاح إضرابه عن الطعام في 12 أبريل، احتجاجًا على منع الزيارات بسبب الوباء، بدلًا من الإفراج عن المعتقلين كما فعلت الكثير من دول العالم. وعبْر هاشتاج #الزيارة_حق طالب المحامي خالد علي، عبر موقع "فيسبوك"، بالسماح لأهالي المعتقلين بزيارتهم والاطمئنان عليهم، وكتب "إيه المطلوب من أهالي المحبوسين؟ ولادهم محبوسين احتياطي لمدد غير قصيرة، وزيارات السجون للاطمئنان على أولادهم منعت. ومنعوا من الحق في المكالمة التليفونية، وجلسات تجديد الحبس الاحتياطي تأجلت 15 يوما لتعذر نقل المتهمين من السجون. لماذا التعنت مع المحبوسين احتياطيا في ظل وباء كورونا؟ نتمنى شخص عاقل يتدخل في هذه الأزمة ويخفف آلام الأسر". وتتزايد مخاوف أهالي السجناء والمعتقلين على ذويهم في السجون مع انتشار الفيروس وارتفاع أعداد المصابين به بشكل يومي، خاصة في ظل التكدس في السجون، وانقطاع الأخبار من الداخل. وفي 2015، ذكر تقريرٌ صادر من المجلس القومي لحقوق الإنسان أن مراكز الاحتجاز تعاني من "تكدسات مخيفة للمتهمين"، وأشار تقريرٌ للمبادرة المصرية للحقوق الشخصية في 2016، إلى مستوياتٍ غير مسبوقة من التدهور في البنية التحتية للسجون، وانعدام الرعاية الصحية. ويبلغ عدد السجون في مصر 68 سجنًا، أُنشِئ 26 منها بعد انقلاب عبد الفتاح السيسي في 2013. علاوة على هذه السجون، هناك 382 مقر احتجاز داخل أقسام ومراكز الشرطة في مختلف المحافظات، إضافةً إلى السجون السرية، وفقًا لتقرير صادر عن المنظمة المصرية لحقوق الإنسان. فيما يواصل الإهمال الطبي حصد أرواح المعتقلين كسياسة لنظام السيسي الذي يُعمل القتل بديلا عن أية وسيلة أخرى.