تشهد جيوش العالم أجمع حربًا غير تقليدية بدون قذائف أو نيران، ضد عدو مجهول غير مرئي، لكنه ملموس وجلي الوضوح في نتائجه الكارثية وضحاياه، والذي فرض على جيوش العالم المواجهة دون الاستعانة بترساناتها من الأسلحة النووية والتقليدية والصاروخية. انتقام كورونا آخر الأنباء التي ضربت تجهيزات الجيوش، ما كشفت عنه وزارة القوات المسلحة الفرنسية بأن ثلث أفراد طاقم حاملة الطائرات “شارل ديغول” يحملون فيروس كورونا. وتوصلت إلى هذه الحصيلة من الإصابات بعد تحاليل مخبرية شملت 1767 فردا من المجموعة العسكرية الجوية البحرية، غالبيتهم من عناصر الحاملة “شارل ديغول”، حيث كانت نتائج 668 منهم إيجابية، وتم وضع واحد منهم في العناية المركزة. وعادت حاملة الطائرات الفرنسية إلى البلاد، الأحد، إثر اكتشاف إصابة مجموعة أفراد من طاقمها بالوباء. وقالت وزارة القوات المسلحة الفرنسية، إن فحوصًا أظهرت أن أكثر من ثلث بحارة حاملة الطائرات الفرنسية شارل ديغول، يحملون فيروس كوفيد-19 منذ عودتهم بصورة مبكرة إلى فرنسا، الأحد، بعد اكتشاف مصابين بالوباء على متنها. وقالت الوزارة، في بيان لها، “شملت اختبارات الكشف عن الفيروس 1767 بحارا من المجموعة الجوية البحرية. أجريت الغالبية العظمى من هذه الاختبارات لبحارة من حاملة الطائرات. وكانت اختبارات 668 منهم إيجابية”. ومن بين هؤلاء “دخل 31 مستشفى سانت آن التابعة لوزارة القوات المسلحة في تولون (جنوب)، وواحد في العناية المركزة”. و”شارل ديغول” هي ثاني حاملة طائرات في العالم يتفشى فيها فيروس كورونا المستجد، بعد “يو إس إس تيودور روزفلت” الأمريكية. “روزيفلت” الولاياتالمتحدة سبق وأن أعلن وزير البحرية الأمريكية بالوكالة قبل أسبوعين، توماس مودلي، عن استقالته من منصبه، بعد يوم من تسريب صوتي كشف نعته للقبطان بريت كورزير، القائد السابق لحاملة الطائرات الأمريكية “يو أس أس ثيودور روزيفلت” بأنه “غبي”. التسريب الصوتي جاء بعد مخاطبة مودلي طاقم حاملة الطائرات قائلا: إن كورزير “إما جاهل جدا أو غبي جدا”، واصفا المذكرة التي أرسلها وحذر فيها من انتشار فيروس كورونا بين أفراد طاقمه وتسريبها خارج سلسلة القيادة بأنها “خيانة”، على حد تعبيره. كان القبطان بريت كورزير قد قال، في مذكرة أرسلها إلى أسطول البحرية الأمريكية في المحيط الهادي: “لسنا في حالة حرب، لا يحتاج البحارة إلى الموت. إذا لم نتصرف الآن، فإننا نفشل في الاعتناء بشكل صحيح ببحارينا”، وذلك بعد إصابة فيروس كورونا 100 من البحارة على متن حاملة الطائرات. وطالب قبطان “يو إس إس تيودور روزفلت” ب”اتخاذ إجراءات حاسمة، قد يبدو إخلاء غالبية أفراد حاملة الطائرات النووية وعزلهم لمدة أسبوعين إجراء غير عادي.. هذه مخاطرة ضرورية”. هل يمكن لكورونا أن يضرب جيوش العالم؟ تحت نفس العنوان كتب مكسيم كيسلياكوف، في صحيفة “موسكوفسكي كومسوموليتس” الروسية، عن خطر انتشار الفيروس القاتل في الجيوش واحتمال تأجيل أو إلغاء المناورات العسكرية بسببه. وجاء في المقال: “يمكن أن تؤثر المشاعر المستعرة حول فيروس كورونا على القوات المسلحة في العالم بأسره. فإذا ما ازدادت وتيرة الانتشار والوفيات الناجمة عن الفيروس الغامض، فمن الممكن أن يرفض عدد من الدول المشاركة في المناورات الدولية الجماعية المقررة هذا الربيع. الأقرب منها، مناورات حلف الناتو في أوروبا (Defender of Europe 2020). تأديب الجيوش في العالم ومع تزايد حالات الرعب والهلع من تمدد الفيروس وتضاعف عدد المصابين، كانت الجيوش هي الخيار الأول للحكومات لفرض الحجر الصحي على المدن، ومحاولة إبقاء الناس بالقوة في منازلهم لمنع تفشي الفيروس، وتحولت الجيوش من محاربة الأعداء بالطائرات والدبابات، لمحاربة الفيروس بالمواد المطهرة والمعقمة. وكانت الصين أول من اتخذت هذه الخطوة، ففي 25 يناير الماضي أعلنت الحكومة الصينية عن انتشار الجيش في مقاطعة هوبي التي تضم مدينة ووهان، بعد فرض الحجر الصحي على المقاطعة، فقد منعت حركة السير في المدينة، ومنعت القطارات والطائرات من المغادرة. وقد ساعد الحجر الصحي، الذي فرضته الحكومة الصينية بمساعدة الجيش على 56 مليون شخص في مقاطعة هوبي، في الحد من تفشي المرض. مؤشر عدم الاستقرار وفي الأعراف الديمقراطية والعديد من المجتمعات عندما تنزل الجيوش إلى الشوارع، فإن ذلك يعد مؤشرا على عدم الاستقرار السياسي. وتتباين ردود الفعل تجاه التواجد الظاهر للجيش في الشارع في مختلف البلدان والثقافات. ورغم أن أغلب جيوش منطقة الشرق الأوسط أصبحت مشغولة في مكافحة تفشي الفيروس في بلادها، وفرض حظر تجوال في المدن والشوارع، ورغم انتشار فيروس كورونا المستجد في أغلب دول المنطقة، وأدى إلى عزل مئات المدن وأوقع مئات المصابين والقتلى، ولكن في المقابل رأى محللون أن الوباء يمكن أن يؤدي إلى السلام في منطقة الشرق الأوسط مع تراجع حدة الصراع في سوريا وليبيا واليمن . نماذج أخرى ولجأت حكومة كوريا الجنوبية إلى الجيش لمكافحة الفيروس، فقد ترك الجنود سلاحهم وارتدوا ملابس واقية، وشاركوا في تعقيم محطات القطارات والشوارع والأرضيات، كما أسهموا في فرض الحجر الصحي على المنطقة الأكثر تضررا. وفي إيران أعلن رئيس هيئة الأركان العامة للقوات المسلحة، محمد باقري، عن انتشار الجيش للعمل على إخلاء الشوارع في أنحاء البلاد خلال 24 ساعة، كما أعلن عن تشكيل لجنة للإشراف على إخلاء المتاجر والشوارع من الناس. واستعانت إيطاليا بجنود وضباط الجيش، الذين انتشروا في الشوارع ومحطات القطار، لمنع أي تجمعات ومنع الدخول والخروج من المدن المتضررة. أما الحكومة البريطانية فقد أعلنت عن أنها ستلجأ إلى الجيش للمساعدة في مكافحة المرض، بالانتشار في الشوارع، لحماية المحال التجارية والمستشفيات، بالإضافة إلى حماية قصر باكنغهام، وداونينغ ستريت، والبرلمان والسفارات.