في مشهد أثار الكثير من الجدل، خرج العشرات من أبناء مدينة الإسكندرية فيما يشبه التظاهرة؛ تنديدًا بوباء كورونا والدعاء باللعنة عليه. لكن هذا المشهد الذي مضى عليه 9 أيام، سبقه بأسبوع فقط موقف أشد غرابة، حين تحدى الأنبا يؤنس كل التحذيرات من إقامة التجمعات، وقدم عظته الأسبوعية داخل كنيسته في أسيوط، تحديدا في 18 من الشهر المنقضي، حين وقف وسط جماهير غفيرة وقالها بكل ثقة: “إذا صليتم بإخلاص لن تصيبكم كورونا”. هذه المشاهد على تلقائيتها، حسبما يراها البعض، ليست إلا شاهدًا على تجليات الخيال الجمعي الإنساني في التعاطي مع القلق والخوف من الأوبئة. أمرٌ لا يمكن حصره على دين واحد أو مجتمع أو فئة. ففي كوريا الجنوبية التي تعد أفضل بلدان العالم في مواجهة كورونا، تسببت كنيسة مجتمع نهر النعم في إصابة 46 شخصًا بفيروس كورونا، بعدما قام الأساقفة برش محلول ملحي في أفواه روادها لوقايتهم من الكورونا، ونسوا حينها أنهم يستخدمون عبوة واحدة للجميع. وبعدما اضطرت السلطات إلى عزل نحو 260 ألف شخص من المترددين على هذه الكنيسة، تبين أنها تسببت فعلا في إصابة نصف العدد المعلن عنه في البلاد، حتى عند اليهود يمكنك أن ترى أرقام الكارثة التي يخلفها أتباع طائفة الحريدم بالأراضي المحتلة كل يوم؛ رفضا لقرارات حكومة الاحتلال بإغلاق مراكز تعليم التوراة، وكيف تحولت بلدانهم إلى قنابل موقوتة. لسنا بصدد الحديث عن الديني والدنيوي وهذه المعارك الفلسفية المعتادة، فحتى هذه الأمثلة ليست إلا استثناء صغيرا جدا بالنسبة لرؤية العالم أجمع في مكافحة الوباء على اختلاف الأجناس والأديان والثقافات، الكل يدرك حقيقة خطر تفشي الوباء من التجمعات، وأن صون حياة الإنسان أولوية قصوى عند كل رجال الدين. أما هذه المشاهد فهي في الحقيقة دليل على القلق نفسه لكن مع سوء التقدير، حيث عاد الدين بوصفه المصدر الأول والأخير للراحة بالنسبة لمليارات البشر في التعامل مع وباء لم يجد له العلماء ولا الرؤساء ولا العالم العلماني- بكل إمكانياته- أي علاج يعيد الحياة إلى طبيعتها. ويمكنك الآن أن ترى جيدا كيف برز المشهد الديني نفسه كوسيلة لمواجهة الفيروس ورفع الروح المعنوية، وأن ترى شيخ الأزهر يقود بنفسه دعوات الالتزام بالتباعد الاجتماعي سبيلا علميا لمكافحة العدوى، وأن ترى بابا الفاتيكان فرانسيس الأول وكأنه معلق على أسوار كنيسة وحدة بالقداس الكاثوليكي الرسمي الوحيد في إيطاليا، وأن ترى كيف ترد المظالم لأقليات دينية عانت طويلا من الاضطهاد، وأن ترى مآذن في بلجيكا ومساجد في غرناطة تصدح للمرة الأولى منذ سقوط الأندلس دعوة للتسامح، وأن ترى كيف استسلم الجميع للأمر الواقع ووضعوا جميعا حياة الناس فوق كل اعتبار. قناة مكملين ناقشت، عبر برنامج قصة اليوم، تداعيات استمرار أزمة تفشي كورونا، وكيف أصبح الدين في قلب المواجهة مع الوباء. الدكتور محمد راتب النابلسي، الداعية الإسلامي، رأى أن هناك حقيقة دقيقة تنسحب عليها معظم ما نعيشه في هذه الحياة، وكل شيء وقع في العالم منذ آدم عليه السلام إلى الآن بقدرة الله، والإرادة الإلهية متعلقة بالحكمة المطلقة، والحكمة المطلقة متعلقة بالخير المطلق، مؤكدا أن الشر للشر يتناقض مع وجود الله. وأضاف النابلسي أن هذا المرض الذي لا يُرى بالعين أعاد البشرية إلى إنسانيتها وآدميتها وإلى خالقها وأخلاقها، ويكفيه فخرا أنه أغلق جميع البارات والكباريهات والملاهي ونوادي الرقص ودور الدعارة والبغاء، وجمع العائلات ثانية في بيوتها بعد طول فراق وتفرق، ودفع منظمة الصحة العالمية إلى الاعتراف بأن تناول الخمور كارثة، ودفع المؤسسات الصحية الكبرى إلى الإقرار بأن تناول “ذي ناب” من السباع والطيور علاوة على شرب الدم وبيع لحم الخنزير مضرة كبيرة. وأوضح أن هذا الوباء علّم البشرية كيف تعطس وكيف تسعل وتتثاوب كما علمنا النبي الكريم قبل 1400 عام، ويكفيه فخرا أنه حول ثلث الإنفاق العسكري حول العالم إلى المجالات الصحية، ودفع الوزارات والمديريات في العالم العربي إلى حظر التدخين وإغلاق الكافيهات وحد من الاختلاط المذموم بين الجنسين. وتابع: “يكفيه أنه أناخ وزراء ورؤساء دول كبرى وعظمى، ودفع الناس إلى التضرع والدعاء والاستغفار وترك المعاصي والمنكرات، وأذل المتجبرين وأظهرهم بمظهر المتسول الوضيع، وقلل من سموم المصانع التي لوثت أجواء الأرض وقتلت غاباتها ولوثت بحارها وأذابت جليد قطبيها، وأعاد البشرية إلى عبادته بدلا من عبادة التكنولوجيا التي صارت عند معظم البشرية ربا من دون رب الأرباب، وأرغم كبار المسئولين في دولهم على إعطاء النظر لأحوال السجون وأوضاع السجناء والمعتقلين، وأهمية تعقيمها وتطهيرها أو إطلاق سراح السجناء بضمانات”. وأردف: “ليس بخيركم من عرف الخير ولا من عرف الشر، ولكن من عرف الشرين وفرق بينهما واختار أهونهما”، مضيفا “لا يجوز السماح بالصلاة في المسجد في ظل انتشار الوباء، لأن حفظ الدين والنفس والصحة والمال من الأولويات في الإسلام، وسيدنا عمر رجع من الجهاد بسبب انتشار الوباء”. ووجّه النابلسي رسالة للأمة قائلا: “وأطيعوا الله والرسول وأولي الأمر منكم”، مطالبا الجميع بإتباع تعليمات المسئولين والجهات المختصة بحظر الخروج من المنازل، مضيفًا أن الرسول صلى الله عليه وسلم، رأى في إحدى الغزوات أن الحكمة تقتضي الإفطار، وعندما بلغه أن بعض الصحابة لم يفطروا فقال أولئك العصاة. "أذل اللهُ المتجبر به".. في وصف أكثر من رائع شاهد رأي الدكتور محمد راتب النابلسي في فيروس كورونا "أذل اللهُ المتجبر به".. في وصف أكثر من رائع شاهد رأي الدكتور محمد راتب النابلسي في فيروس كورونا #قصة_اليوم Posted by قناة مكملين – الصفحة الرسمية on Wednesday, April 1, 2020 بدوره قال الدكتور حسين حلاوة، الأمين العام للمجلس الأوروبي للإفتاء، إن الدين مكون أساسي من مكونات الإنسانية البشرية، لأن الله جبل الناس على فطرة قال عنها: “فطرة الله التي فطر الناس عليها”. وأضاف حلاوة أنه منذ أن خلق الله- سبحانه وتعالى- آدم ونفخ فيه من روحه وأنزله الأرض، أنزل معه تعاليمه التي لا يستقيم الإنسان إلا باتباعها، لذلك قال الله تعالى “قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعًا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقَى وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى”، مضيفا أن الناس عندما يصيبهم ما يصيبهم من ضرر أو من ألم وفزع وخوف ثم يجدوا أن ما حولهم من ماديات لم تسعفهم لكشف ما هم فيه لا يجدوا مفرا إلا أن يلجئوا إلى الله. وأوضح أن ما يحدث هو من سنن الله الكونية ويتلقاها المؤمن بصدر رحب، ويعلم أن لله سبحانه وتعالى حكمة يعملها أو لا يعلمها وعليه أن يأخذ بالأسباب حتى تنجلي هذه المحنة التي نزلت بالعالم. وأشار المحلاوي إلى أن الإنسان إذا مسه الضر لا يجد إلا الله سبحانه وتعالى، سواء كان دينيا أو علمانيا أو ملحدا، وهنا يقول الله تعالى “وَإِذَا مَسَّ الْإِنسَانَ ضُرٌّ دَعَا رَبَّهُ مُنِيبًا إِلَيْهِ ثُمَّ إِذَا خَوَّلَهُ نِعْمَةً مِّنْهُ نَسِيَ مَا كَانَ يَدْعُو إِلَيْهِ مِن قَبْلُ وَجَعَلَ لِلَّهِ أَندَادًا لِّيُضِلَّ عَن سَبِيلِهِ ۚ قُلْ تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ قَلِيلًا ۖ إِنَّكَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ”، وهذا أمر مجبول عليه الإنسان، وبعد انتهاء المحنة ترى من الناس من يعود إلى الله، ومنهم من يعود إلى ما كان عليه من قبل. وإذا مس الإنسان الضر دعانا لجنبه أو قاعدا أو قائما.. د.حسين حلاوة معلقا على الصراع بين العلمانية والدين في مواجهة كورونا وإذا مس الإنسان الضر دعانا لجنبه أو قاعدا أو قائما.. د.حسين حلاوة معلقا على الصراع بين العلمانية والدين في مواجهة كورونا#قصة_اليوم Posted by قناة مكملين – الصفحة الرسمية on Wednesday, April 1, 2020