توقع خبراء اقتصاديون تراجع مساحة زراعة القمح هذا العام إلى نحو 2.7 مليون فدان فقط؛ بسبب إهمال نظام الانقلاب للزراعة بصفة عامة وتعمده عدم تحقيق الاكتفاء الذاتي من المحاصيل الاستراتيجية خاصة القمح الذي يعد المصدر الرئيسي لرغيف العيش غذاء المصريين. وكشف الخبراء عن أن نظام العسكر يفضل استيراد القمح على إنتاجه، وهو نفس التوجه الذي سار عليه نظام المخلوع حسني مبارك طوال ثلاثين عاما. وقالوا إن تفضيل استيراد القمح على إنتاجه يرجع إلى أن عصابة العسكر تستفيد من ذلك في صفقات الفساد التي تقدر بمليارات الدولارات سنويا التي ينهبها العسكر تحت ذريعة استيراد القمح ودعم رغيف العيش، موضحين أن هناك عاملا آخر يتمثل في تبني العسكر سياسة إذلال المصريين بالخبز وبالسكر والزيت "الدعم التمويني". وأكد الخبراء أن العسكر يتمسكون لذلك بنظام الدعم ويرفضون تحرير إنتاج الخبز، بالإضافة إلى تطفيش الفلاحين وإبعادهم عن زراعة القمح وشرائه منهم بأسعار أقل بكثير من السعر العالمي. وأشاروا إلى أن سياسة الاكتفاء الذاتي كانت السياسة التي أعلن عنها الرئيس الشهيد محمد مرسي عام 2013، حينما قال أمام عمال مصر في 30 أبريل 2013: "إذا أردنا أن نمتلك إرادتنا، فعلينا أن ننتج غذاءنا ودواءنا وسلاحنا، تلك العناصر الثلاثة هي ضمان الاستقرار والتنمية وامتلاك الإرادة". وأكد الخبراء أن هذه السياسة أزعجت أمريكا والاتحاد الأوروبي، لما تحمله من رسائل الاستقلال السياسي وإنهاء التبعية. استمرار التراجع يشار إلى أن مساحات القمح تراجعت الموسم الحالي بنسبة 13% عن الموسم السابق، من 3.1 مليون فدان العام الماضي إلى نحو 2.7 مليون فدان فقط، رغم إعلان وزارة الزراعة بحكومة الانقلاب استهدافها زراعة 3.5 مليون فدان قمح في بداية الموسم الحالي. وتحتل مصر المركز الثاني كأكبر مستورد للقمح في العالم؛ حيث تستهلك 18 مليون طن سنويا، وتنتج نحو 8 ملايين طن فقط، والباقي تستورده من عدة دول من بينها روسيا وأوكرانيا وفرنسا. وبلغت الفجوة الغذائية حوالي 67.5 % وفق موقع الفلاح اليوم المتخصص في شؤون الفلاحين والزراعة. من جانبه أكد عماد أبو حسين نقيب الفلاحين إن زراعة القمح تعرضت للتهميش، على الرغم من أهميتها الاستراتيجية، لافتا، في تصريحات صحفية، إلى أن حكومة العسكر تفضل الاستيراد بسبب انخفاض سعر القمح المستورد عن المحلي؛ لأنه أقل جودة. وأشار إلى أن نظام العسكر لا يهتم بالقمح المصري الذي تفوق جودته القمح المستورد لأنه لا يهتم بصحة المصريين وغذائهم. إخفاق زيادة المساحة وقال الخبير الزراعي، شابون عبدالعزيز، مدير إحدى الشركات الزراعية العاملة في إفريقيا، إن مركز البحوث الزراعية، خاصة أقسام الذرة والقمح والأرز استنبط أصنافًا عالية الإنتاج، لكن زيادة الإنتاج من عدمه يرجع إلى عوامل أخرى، بعضها مرتبط بالبيئة أو المناخ أو طريقة زراعة الفلاح وظروفه الاقتصادية. وأكد عبدالعزيز في تصريحات صحفية أن إخفاق دولة العسكر في زيادة مساحة المحاصيل لا يمكن تعليقه على ما تنتجه مراكز البحوث الزراعية من أصناف، وأن الأصناف الموجودة ليست لها علاقة بحكومات السيسي وعملها، وأي أصناف جديدة تحتاج إلى خمس سنوات على الأقل لتثبت كفاءتها، ولكن يمكن الحديث عن ميزانية مراكز البحوث المتدنية، ومحاربة الباحثين، وعدم منحهم حقوقهم. وحول اسباب تفضيل حكومة الانقلاب استيراد القمح عن شرائه من المزارعين، أكد أن هناك مافيا كبيرة على أعلى مستوى من كبار المسؤولين في دولة العسكر تستفيد من استيراد أردأ وأبخس أنواع القمح ويعيدوا بيعها بأغلى الأسعار، بجانب ان من أهم القرارات السياسية لأمريكا أن تظل مصر مستوردة للقمح والسلاح والدواء. وكشف عبدالعزيز أن مصر يمكنها الاكتفاء ذاتيا من القمح، وأن أي مبررات تُقدم للناس بشأن المساحة والتنافس بين المحاصيل الاستراتيجية هو كلام وهم وله حلول، ومردود عليه كله، وطرحت الرؤى وقدمت لحكومات العسكر المتعاقبة، لكن كل من يعمل على تحقيق اكتفاء ذاتي من القمح تتم إقالته من منصبه كما تم مع الوزير احمد الليثي فى عهد المخلوع مبارك. فجوة غذائية وأكد الدكتور جمال صيام أستاذ الاقتصاد الزراعي بجامعة القاهرة أن "مساحة زراعة القمح سوف تنخفض هذا العام أكثر من نصف مليون فدان، مقارنة بالعامين الماضيين، بعد أن وصلت المساحة إلى 3.3 مليون فدان، ومن المتوقع أن تصل هذا العام نحو 2.7 مليون فدان فقط. وحول سبب تراجع مساحة القمح قال صيام في تصريحات صحفية: إن حكومة العسكر أحجمت منذ سنتين عن منح المزارعين محفزات، وشراء القمح بسعر مجز، فكانت تشتري القمح المحلي بأعلى من السعر العالمي بنحو 20%، أما اليوم فهي لا تدفع أكثر من السعر العالمي إن لم يكن أقل، رغم أنه أعلى جودة. وكشف عن أن من أسباب تراجع إنتاج محصول القمح توقف الكثير من الدراسات في مراكز البحوث لاستنباط أصناف جديدة من القمح بسبب ضعف التمويل، وأن إنتاجية فدان القمح تبلغ 18 أدربا منذ سنوات طويلة، مشيرا إلى أن مركز البحوث الزراعية لا يحصل إلا على 200 مليون جنيه وبه 16 معهدا و25 محطة بحوث، وآلاف الباحثين، وهي لا تغني ولا تسمن من جوع. وانتقد صيام غياب الإرشاد الزراعي، قائلا: "لا توجد خدمات إرشاد زراعي أصلا، وأدوات السياسة الزراعية بخصوص الأمن الغذائي معطلة؛ وبالتالي ستزيد القجوة الغذائية مع زيادة السكان، ومع السياسات المعوقة، ما يشكل تهديدا للأمن الغذائي المصري. مافيا الاستيراد وقال الدكتور عبدالتواب بركات خبير بمركز البحوث الزراعية إن دولة العسكر تشتري القمح المصري عالي الجودة بنفس سعر القمح المستورد رديء الجودة ، مؤكدا أن القمح المصري يتميز بأنه عالي البروتين والجلوتين، ومنخفض بنسبة الرطوبة، وكلها صفات تجعله الأجود بالعالم، بالإضافة إلى أنه لا يحتوي على السموم الفطرية، ولا الإرجوت المسرطن ولا الخشخاش. ولفت بركات في تصريحات صحفية إلى أن أفضل قمح يقارب المصري هو الأمريكي ذو الرتبة (أ)، والذي يزيد عن باقي الأنواع بالسعر بمقدار 80 دولارا للطن، ما يعني أن سعر المصري يجب ألا يقل عن 800 جنيه للأردب، حتى يغطي تكاليف زراعته فى حين ان نظام الانقلاب يشتريه ب 400 جنيه فقط لتطفيش المزارعين ودفعهم لعدم زراعة القمح. وحول استفادة مافيا الاستيراد بهذا التسعير الذي يضر بالفلاح وزراعة القمح، كشف إن إصرار نظام السيسي على استيراد القمح الرديء يتجاوز مافيا الاستيراد إلى محاولته إرضاء الدول المصدرة خاصة روسيا، المصدر الأكبر لمصر، وفرنسا بالمرتبة الثانية، نظرا للدور الأساسي لحكومات بلادهم في دعم انقلاب السيسي. واستنكر بركات،إعلان وزير التموين الانقلابي، علي المصلحي، الاستمرار في استيراد 6 ملايين طن العام المالي القادم بالتزامن مع إعلان سعر القمح المصري موضحا أن ذلك يعني أنه يرسل رسالة تأمين لهذه الدول بأن دولة العسكر مستمرة في سياسة الاستيراد وطرح فكرة الاكتفاء الذاتي من القمح وراءها واضاف أن سياسة الاكتفاء الذاتي كانت السياسة التي أعلن عنها الرئيس الشهيد محمد مرسي عام 2013، ولكنها أزعجت أمريكا والاتحاد الأوروبي، لما تحمله من رسائل الاستقلال السياسي وإنهاء التبعية.