جاء رد الشعب الليبي سريعًا على تصريحات قائد الانقلاب العسكري، عبد الفتاح السيسي، والذى اعترف خلال منتدى شباب العالم المنعقد في شرم الشيخ، بدعمه للانقلابي خليفة حفتر ضد حكومة الوفاق المعترف بها دوليا. وأعلنت المدن الليبية الكبرى– 7 مدن حتى الآن- عن النفير العام لمواجهة هجوم مليشيات الانقلابي حفتر وكل من يدعمه على جنوب العاصمة الليبية طرابلس، وإنهاء حالة الفوضى وعدم الاستقرار فى ليبيا التى نتجت عن إعلان حفتر ما سمّاه ب”عملية الحسم” لإسقاط الحكومة الشرعية بدعم من السيسي والإمارات والسعودية. وطالبت قيادات هذه المدن السيسي بعدم التدخل فى شئون ليبيا، وهددت بأن الرد على دعمه للفوضى في ليبيا ووقوفه ضد الحكومة الشرعية سيكون قاسيًا وأسرع مما يتصور . كان قائد الانقلاب الدموي قد زعم أن أمن مصر القومي يُمس مباشرة من الموقف في ليبيا، مشيرًا إلى أن القاهرة رغم امتلاكها القدرة على التدخل المباشر لم تفعل احترامًا للعلاقة مع الشعب الليبي، بحسب تعبيره . كما زعم السيسي، خلال كلمته في مائدة مستديرة عن «سبل تعزيز التعاون بين دول البحر المتوسط لمواجهة التحديات» ضمن منتدى شباب العالم، أن حكومة الوفاق الليبية مسلوبة الإرادة وأسيرة للمليشيات المسلحة . وقال: “لا بديل عن استعادة الدولة الوطنية لمكانتها مرة أخرى”، وأضاف السيسي معترفا بجريمته: “قلت هذا الكلام منذ 5 سنوات، وحذرت من أن النتائج ستكون كارثية على الجميع.. وليبيا أصبحت معبرا للهجرة غير الشرعية، وتعاني من وجود قوى أخرى تنازع الاستقرار داخلها، فالحكومة الليبية بلا إرادة حرة حقيقية خلال السنوات الماضية.. وأسيرة للمليشيات المسلحة والإرهابية في طرابلس، وهذا أقوله بمنتهى الصراحة”، بحسب مزاعمه . مجرم حرب من جانبها ردت حكومة الوفاق الوطني الليبية على التطاول السيساوى، وقالت إنها ترفض أي تهديد يمس السيادة الوطنية، داعية دولة العسكر إلى لعب “دور إيجابي” يعكس عمق العلاقات التاريخية بين البلدين الشقيقين. وأعربت حكومة “الوفاق”، في بيان لها، عن استغرابها الشديد من تصريحات عبد الفتاح السيسي. وقال البيان، إن حكومة الوفاق إذ تتفهم حق الدولة المصرية في تحقيق أمنها القومي، فإنها لا تقبل بأي تهديد يمس السيادة الوطنية الليبية. وشدد على شرعية الحكومة ومشروعيتها في أداء عملها واستقلالية قراراتها وبسط سلطتها على كافة المؤسسات، مذكرة الجميع بالملحمة الوطنية التي قادتها ضد تنظيم داعش الإرهابي في سرت، والقضاء عليه في زمن قياسي. ولفتت حكومة الوفاق إلى أنها تأمل أن يكون للشقيقة مصر دور جوهري يحظى بثقة الجميع في إطار دعم الاستقرار والسلم الأهلي في ليبيا، بدلا من دعم تشكيلات مسلحة خارجة عن الشرعية المعترف بها دوليا يقودها مجرم حرب قامت بالاعتداء على العاصمة رمز وحدة ليبيا واستقرارها، في إشارة إلى خليفة حفتر. ودعت سلطات العسكر إلى مراجعة موقفها من الأزمة الليبية، ولعب دور إيجابي يعكس عمق العلاقات التاريخية بين البلدين الشقيقين ويسعى لتطويرها واستمرارها. النفير العام وعلى المستوى الميداني، أعلنت مجالس بلدية وعسكرية في مدن غرب ليبيا، من بينها زليتن والزاوية وكاباو والرحيبات والخمس ومسلاتة، حالة الطوارئ وتسخير كافة الإمكانيات تحت تصرف الدولة لحسم معركة طرابلس ودحر مليشيات حفتر والتمسك بخيار الدولة المدنية ورفض حكم الفرد. فيما كانت مدينة مصراتة، شرقي طرابلس، قد أعلنت حالة النفير ووضع كل ثقلها وإمكانياتها تحت تصرف حكومة الوفاق لمعركة الحسم في العاصمة. وبعد اجتماع مشترك ضم المجلس البلدي لمصراتة ومجلس الأعيان والمصالحة بالمدينة والمنطقة العسكرية الوسطى وأعضاء عن مجلس النواب ورجال أعمال، تقرر تشكيل “غرفة طوارئ” لرد عدوان الخائن حفتر على العاصمة. وأرسلت المنطقة العسكرية الوسطى من مصراتة وزليتن تعزيزات عسكرية جديدة إلى محاور القتال في طرابلس، تنفيذا لإعلانها حالة الطوارئ ودعم القوات العسكرية المتواجدة جنوب العاصمة الليبية. وتعد كتائب مصراتة القوة الضاربة والعمود الفقري الذي تعتمد عليه حكومة الوفاق في خط دفاعها عن العاصمة جنوبطرابلس حيث تدور الاشتباكات المسلحة، كما تتمركز هذه الكتائب قرب مدينة بني وليد وفي مدينة سرت التي خاضت فيها معارك طاحنة للقضاء على معقل تنظيم الدولة في ليبيا. وكانت الكتائب المسلحة المنتمية إلى مصراتة أولى طلائع القوات المتصدية لرتل حفتر عند هجومه على طرابلس في الرابع من أبريل الماضي. محور الشر من جانبه أكد بالقاسم دبرز، عضو المجلس الأعلى للدولة، أن ما صدر عن مدن المنطقة الغربية محل ترحيب من الأوساط الداعمة لقيام الدولة المدنية ومناصري ثورة 17 فبراير. وبشأن إعلان حالة النفير في هذا التوقيت، يرى دبرز أن تفاقم المعاناة الإنسانية في طرابلس وطول أمد الأزمة هو أحد الأسباب الرئيسية لهذا الإعلان. وانتقد التجاوزات المتكررة من دولة العسكر فى مصر التي تتدخل سلبيا في الشأن الليبي الداخلي وتحاول ممارسة دور الوصاية، مؤكدا أن هذه التجاوزات تتطلب وقفة جادة من جميع الليبيين لقطع الطريق على أطماع دول “محور الشر”. وأوضح دبرز أن تحشيد حفتر وجلبه المرتزقة من دول مختلفة مؤخرا جعل من المدن المناصرة للثورة الليبية- ومن بينها مصراتة- سباقة لرص الصفوف وتوحيد الجهود واستشعار الخطر حرصا على الدولة والثورة. دفعة معنوية وكشف مصطفى المجعي، المتحدث باسم عملية “بركان الغضب”، عن أن حكومة الوفاق تنوي اتخاذ خطوات مهمة، وكانت تحتاج إلى سماع أصوات المواطنين بمختلف توجهاتهم لاستكمال درب حسم معركة طرابلس وبسط سيطرتها على كامل التراب الليبي. وقال إن قوات الاحتياط في المدن مطالبة بالنفير بكامل قواتها، وقد تتطلب هذه الخطوة تعطيل بعض مؤسسات الدولة وتأثر الحياة اليومية، لكنها خطوة لا بد منها . وأكد المجعي أن مصراتة من المكونات الليبية الرافضة لحكم الفرد المستبد، والمطالبة بدولة مدنية ديمقراطية تحمي حقوق الإنسان، وقد سخرت المدينة ثقلها لصد العدوان على طرابلس. وأوضح أن إعلان عدة مدن حالة الطوارئ مؤشر إيجابي ودفعة معنوية كبيرة لأبطال عملية “بركان الغضب”، مشيرا إلى رغبة الليبيين في حسم المعركة من أجل دولة مستقرة وقطع الطريق على الدول المتدخلة في الشأن الليبي. مشروع حفتر ويرى عادل عبد الكافي، خبير استراتيجي، أن إعلان حالة النفير مهم في هذا التوقيت للتعبئة العامة وتسخير القوة السياسية والعسكرية والمالية لدعم جبهات القتال، والتقدم لإنهاء المعركة ميدانيا. وقال عبد الكافي: إن مصراتة لم تعلن حالة النفير إلا في ثلاث مناسبات: في الثورة الليبية عام 2011، وعندما واجهت تنظيم الدولة في سرت عام 2016، والآن تعلنه من جديد لمواجهة مليشيات حفتر. وأكد أن موازين المعركة سوف تتغير قريبًا مع دخول قوات جديدة إلى محاور القتال لإنهاء حالة الجمود الميداني الناتج عن محاولات بعض الدول إطالة أمد المعركة وحل الأزمة بطرق سياسية. وأضاف عبد الكافي: لا شك أن حكومة الوفاق توصلت إلى أن حل الأزمة عبر الطرق السياسية هدفه المناورة من دول تدعم حفتر، ولذلك تفكر الحكومة الآن بشكل جدي في إنهاء معركة طرابلس . وأوضح أن حسم المعركة يتطلب الانقضاض على أهم معاقل حفتر في مدينة ترهونة لإسقاط مشروعه في المنطقة الغربية والانتقال بالمواجهات إلى شرق ليبيا لملاحقة مليشياته التي ارتكبت جرائم حرب في عدة مدن . معركة طرابلس وقال فتحي باشاغا، وزير داخلية حكومة الوفاق الوطني الليبية: إن استقرار ليبيا سيؤثر بشكل إيجابي على استقرار أوروبا، مؤكدا أن ما يقوم به حفتر زاد نشاط الإرهاب، في وقت تحارب فيه حكومة الوفاق كل أنواع الإرهاب رغم الظروف التي تمر بها ليبيا. وأكد باشاغا أن الحالة الأمنية في طرابلس جيدة رغم استهداف المدنيين، والقذائف العشوائية التي تطلقها قوات حفتر. ورغم تجدد الاشتباكات، أمس، بين قوات حكومة الوفاق ومليشيات حفتر، في محور صلاح الدين، جنوبيطرابلس، وسط سماع أصوات للمدفعية الثقيلة، نفى المتحدث باسم الجيش الليبي التابع لحكومة الوفاق، محمد قنونو، صحة ما يتردد عن اقتراب مليشيات حفتر من السيطرة على طرابلس. وعن تأكيد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان استعداد بلاده لإرسال قوات إذا طلبت حكومة الوفاق ذلك، قال قنونو: “سيكفينا الدعم اللوجستي، وفقا للاتفاقيات التي أبرمتها الحكومة الشرعية المعترف بها دوليا، وفي أمور محدودة”. وبشأن مستجدات معركة طرابلس، أكد قنونو أن “الأوضاع الميدانية ما زالت لصالحنا، لكن المدنيين يعانون بسبب القصف الجوي من الطيران الداعم لمجرم الحرب حفتر”. وأضاف: بالحسابات العسكرية التي نعرفها، وبمعرفتنا بما لدينا وما لدى العدو، فإن أبو ظبي أقرب إلى حفتر من طرابلس .