انطلقت، صباح اليوم الخميس، أول انتخابات رئاسية بالجزائر بعد ثورة فبراير الممتدة حتى الآن ضد حكم الرئيس المخلوع عبد العزيز بوتفليقة والعسكر الذين يديرون البلاد، وسط تضارب في الآراء وجدل واسع بالشارع الجزائري. وهو ما يتوقع معه انخفاض نسب المشاركة، فمن بين الجزائريين من ينظر إلى الاقتراع على أنه الحل الوحيد للخروج من الأزمة السياسية بعد استقالة الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، ومنهم من يعارض الانتخابات، إذ يرون فيها إعادة استنساخ النظام السابق. ويتوزع الناخبون على أكثر من 60 ألف مكتب اقتراع في كافة مدن وقرى البلاد. 10 شهور من الاحتجاجات وتأتي جولة اليوم، بعد إلغاء انتخابات أبريل الماضي، بسبب استقالة الرئيس عبد العزيز بوتفليقة وانتخابات الرابع من يوليو الماضي، بسبب غياب أي مرشح لها. وتأتي استحقاقات اليوم بعد نحو عشرة أشهر من الاحتجاجات الشعبية الحاشدة وغير المسبوقة. ولم يتراجع زخم الحراك الاحتجاجي المناهض للنظام، والذي بدأ في 22 فبراير الماضي، ولا يزال معارضًا بشدة للانتخابات التي تريد السلطة بقيادة الجيش أن تُجريها مهما كلّف الثمن. ويتنافس خلال الانتخابات خمسة مرشحين، يعتبر المحتجون أنهم جميعًا من أبناء “النظام”، لاختيار خلف لبوتفليقة الذي استقال تحت ضغط الشارع. والمرشحون الخمسة هم: علي بن فليس (مرشح حزب طلاع الحريات) وعبد المجيد تبون، والوزير السابق عز الدين ميهوبي (مرشح حزب التجمع الوطني الديمقراطي المدعوم من جبهة التحرير الوطني)، ورئيس حركة البناء الوطني عبد العزيز بن قرينة، ورئيس حزب جبهة المستقبل عبد العزيز بلعيد. التظاهرات مستمرة وشهدت الجزائر، أمس الأربعاء، مظاهرات في العاصمة رفضًا لإجراء الانتخابات الرئاسية في ظل الظروف الحالية. وفرضت قوات الأمن طوقا أمنيا على أهم الساحات والشوارع في العاصمة، وسط انتشار كثيف لأفراد الشرطة، لمنع وصول المتظاهرين إلى ساحة البريد المركزي وسط المدينة. ومن الرهانات الكبرى في هذه الانتخابات نسبة المشاركة، ففي حين دعا قائد الأركان مؤخرا المواطنين إلى الإقبال بكثافة على صناديق الاقتراع، يدعو أنصار الحراك المستمر منذ فبراير الماضي إلى مقاطعة هذا الاستحقاق. يشار إلى أن هذه الانتخابات تجرى بنظام الدورتين، وفي حال لم يحصل أي من المرشحين الخمسة على نصف الأصوات أو أكثر، فستنظم جولة الإعادة بين المرشحيْن الحاصلين على أكبر عدد من الأصوات نهاية الشهر الجاري. وكانت دراسة “مستقبل الانتخابات الرئاسية بالجزائر في ظل أزمة الثقة بين الحراك الثوري ومؤسسات الدولة”، المنشورة ب”الشارع السياسي”، قد توقعت العديد من الأزمات التي قد تثار إبان الانتخابات الرئاسية وبعدها، من تفاقم أزمة الثقة بين الجزائريين والعسكر المتحكمين في المشهد السياسي. حيث يطالب المتظاهرون بتغيير المعادلة السياسية لاختيار الممثلين عن الشعب والحكام بالجزائر، وتصفية كل أوجه الفساد المستشري بالبلاد، وابتعاد العسكر عن المشهد السياسي، ومنح الفرصة للشباب للتعبير عن آرائهم، وعدم استنساخ “بوتفليقة جديد” بالبلاد. ويتهم الثوار العسكر بأنهم يريدون فرض الانتخابات على الجزائريين باستخدام رهانات معينة يرفضها الشارع الثائر؛ كالتخويف من الفراغ السياسي أو الأزمات الاقتصادية، أو أن الثوار لا يملكون قوة ناظمة لهم، أو تصدير الأزمة الأمازيغية وربطها بالحراك بالشارع. بل يصف المعارضون تلك الانتخابات بأنها “مسرحية سمجة على الهواء الطلق”، مستشهدين بأن أسماء المرشحين الخمسة المنتمين جميعًا للنظام السابق، سيحظون بشرعية شعبية بعد الانتخابات لإعادة إنتاج النظام السابق، حيث من المؤكد أن بعض الأحزاب القديمة القائمة ستكون المستفيد الأول من أية استحقاقات قادمة، في ظل المقاطعة الكبيرة التي تبدو في أفق الحياة السياسية في الفترة الماضية والمقبلة. ويطالب ناشطو الحراك بأن تكون هناك “مرحلة انتقالية حقيقية” لا يشارك فيها أي من رموز النظام السابق، وأن أي انتخابات يجب أن تشرف عليها سلطة تنفيذية مستقلة، تنبثق عن حوار شامل مع كل قوى المجتمع. وتعد الانتخابات الرئاسية التي دعت إليها السلطة للمرة الثالثة، في وقت قصير وهي تعيش حالة اضطراب قصوى مهمة للغاية، بعد أن فشلت السلطة في تنظيم استحقاقين انتخابيين في 18 أبريل و4 يوليو 2019. انتخابات مرفوضة شعبيًّا وتجري الانتخابات في إطار قانوني جديد جاء بعد الإعلان عن تكوين هيئة وطنية عليا وُصفت رسميًّا بالمستقلة للإشراف عليها وتنظيمها، بدل إدارة وزارة الداخلية. وقد تم تنصيب هذه الهيئة بعدما سُمي بجولة الحوار الوطني التي قاطعتها القوى السياسية الرئيسة، وبعد الانتهاء من عملها بتسرع. ولم يحظ هذا التنصيب بالإجماع الذي كان مطلوبًا في هذه التجربة السياسية الأولى التي يعول عليها كثيرًا لإحداث القطيعة مع النظام السياسي المرفوض شعبيًّا خصوصًا آليات عمله القديمة. ولعل عدم استجابة العسكر لمطالب الشارع الجزائري قد تضع البلاد في منزلق خطير نحو العنف أو المواجهة العنيفة من العسكر للمتظاهرين بالشارع. حيث يشترط الثوار حزمة من المطالب، من بينها: ذهاب من تبقى من الرموز السياسية لنظام بوتفليقة، وفتح الساحة الإعلامية أمام الجميع، وإطلاق سراح المعتقلين من شباب الحراك، والتوقف عن التحرش الأمني بالمسيرات التي تنظم في العاصمة تحديدًا كل يوم جمعة. كما طالبت أغلبية القوى السياسية والشخصيات المعارضة بإجراءات تكون على شكل تطمينات قبل الذهاب للانتخابات، مما يخلق جوًّا توافقيًّا يسمح بمشاركة شعبية يوم الاقتراع، وهذا ما سيسمح باختيار رئيس يتمتع بقدر كبير من الشرعية، وهي أمور لم تلبها السلطات العسكرية المتحكمة في المشهد الجزائري. وهو ما يُخشى معه أن تكون الانتخابات الرئاسية اللعنة التاريخية التي ارتبطت بها الانتخابات في الجزائر، كما حصل في 1991 على سبيل المثال عندما كانت تلك الانتخابات من أسباب دخول البلاد في أتون الحرب الأهلية، بعد إلغاء التشريعيات التي فازت بها الجبهة الإسلامية للإنقاذ.