رئيس الوزراء يتابع خطط وإجراءات التوسع فى مشروعات تحلية مياه البحر وتوطين الصناعة الخاصة بها    قاض أمريكي يحكم بعدم جواز ترحيل الناشط الفلسطيني محمود خليل    إسرائيل: على المجتمع الدولي الرد بحزم على عدم امتثال إيران واتخاذ تدابير لمنعها من تطوير أسلحة نووية    الترجي يصل إلى أمريكا استعدادًا لكأس العالم للأندية    كلمة واحدة ورقم جديد.. الكشف عن قميص أرنولد مع ريال مدريد    مفاجأة.. شكوك تحيط بمستقبل دوران مع النصر    تعليم الأقصر تكثف استعداداتها لامتحانات الثانوية العامة: انضباط وتأمين مشدد داخل اللجان    تصادم دموي بوسط الغردقة.. إصابة 5 أشخاص بينهم طفل في حالة حرجة    النيابة تصرف عريس الشرقية المصاب بمتلازمة داون والاستعلام عن المأذون في واقعة زواجه من قاصر    تامر حسنى وديانا حداد نجوم أحدث الديوهات الغنائية    اليوم.. عرض بير السقايا وأسطورة الغريب بثقافة قنا ضمن مسرح إقليم جنوب الصعيد    وزير الثقافة يفتتح المعرض الاستعادي للفنان الراحل أشرف الحادي "الفنان النبيل".. صور    سوريا: مقتل شاب واعتقال 7 آخرين في توغل إسرائيلي بريف دمشق    «ماضيين إيصالات أمانة».. المجلس القومي للطفولة والأمومة يُعلق على واقعة زفاف الشرقية    تداول 4 آلاف طن بضائع و228 شاحنة بموانئ البحر الأحمر اليوم    "الزراعة" تنفذ سلسلة من الأنشطة الإرشادية والتواصل الحقلي لدعم المزارعين بالمحافظات    موعد مباراة الأهلى ضد إنتر ميامى في افتتاح كأس العالم للأندية    الزمالك يكشف تفاصيل تكاليف سفر أحمد حمدى لألمانيا    محافظ دمياط يستقبل وزير الشباب والرياضة بديوان عام المحافظة    صحيفة أمريكية: شعبية ميسي لم تنقذ مباراة الأهلي و«ميامي» جماهيرياً    سعر اليورو اليوم الخميس 12 يونيو 2025 أمام الجنيه بالبنوك المصرية    وزارة المالية: تخصيص أرض بالبحر الأحمر للوزارة لا يعنى بيعها بل تطويرها وجزء منها ضمانة لإصدار الصكوك.. الأرض ستظل تحت ملكية الدولة.. نستهدف تحسين الأوضاع وخلق حيز مالى لزيادة الإنفاق على الحماية الاجتماعية    منطقة سوهاج تعلن عن أوائل الشهادة الابتدائية للعام الدراسى 2024/2025    إصابة 10 أشخاص في انقلاب ميكروباص ب المنيا    «الداخلية» تضبط قضايا اتجار غير مشروع بالدولار بحصيلة 11 مليون جنيه خلال 24 ساعة    20 مليون جنيه مخدرات وسقوط 5 خارجين عن القانون.. مقتل عناصر عصابة مسلحة في مداهمة أمنية بأسوان    بدء تسليم المرحلة الثامنة التكميلية بأراضي بيت الوطن بالعبور الجديدة.. 22 يونيو    تجارة أسيوط تكرم عمالها تقديرًا لعطائهم وجهودهم المخلصة    خلال لقائه مع مبعوثة الاتحاد الأوروبى.. وزير الخارجية يؤكد على ضرورة الحفاظ على استقرار الممرات الملاحية الدولية    انقطاع كامل خدمات الإنترنت والاتصالات الثابتة في قطاع غزة    متحدث الوزراء: نتبع أعلى المعايير العالمية فى إدارة المتحف المصرى الكبير    عبد الرحيم كمال رئيسًا للجنة تحكيم مسابقة ممدوح الليثي ب «الإسكندرية السينمائي»    «الداخلية»: تحرير 132 مخالفة لمحال غير ملتزمة بقرار الغلق لترشيد الكهرباء    السكة الحديد تعلن تأخيرات القطارات المتوقعة اليوم الخميس    منظمة الصحة العالمية: رصد متحور كورونا جديد بصورة متقطعة في ألمانيا    صينية تحاول اقتحام منزل جونجكوك بعد ساعات على تسريحه من الخدمة العسكرية    برئاسة السيسي وولي العهد.. تعرف على أهداف مجلس التنسيق الأعلى المصري السعودي    وزير الخارجية والهجرة يلتقي الرئيس التنفيذى لشركة سكاتك النرويجية    خطة ال1000 يوم.. الصحة تُطلق مبادرة التنمية السكانية تحت شعار بداية جديدة    بعد واقعة عريس متلازمة داون.. طبيب نفسي يوضح الحالات التي يُمنع فيها الزواج    الغفوة الصباحية بين الراحة الوهمية وتشويش دورة النوم.. ماذا يقول العلم؟    أقرب رفيق.. برقية تهنئة من زعيم كوريا الشمالية لبوتين بمناسبة يوم روسيا    كل ما تريد معرفته عن نظام المنافسة فى كأس العالم للأندية 2025    أمين الفتوى يوجه رسالة لمن يفوته صلاة الفجر    30 دقيقة تأخر في حركة القطارات على خط «القاهرة - الإسكندرية».. الخميس 12 يونيو 2025    مراد مكرم ساخرًا من الأوضاع والنقاشات في الرياضة: بقى شغل عيال    الكنيست الإسرائيلي يصوت على حل نفسه.. ونتنياهو يضغط على الحريديم    أنغام تدعو بالشفاء لنجل تامر حسني: «ربنا يطمن قلبك وقلب أمه»    الآن حان دوركم لتدافعوا عن أمريكا حتى أقاصي الأرض، ترامب يقرع طبول الحرب بفيديو للجيش الأمريكي    منطقة المنوفية الأزهرية تعلن أسماء أوائل الشهادة الإعدادية للعام الدراسي 2024/2025    نقيب المحامين يدعو مجلس النقابة العامة و النقباء الفرعيين لاجتماع السبت    محافظ الدقهلية في زيارة ليليلة مفاجئة لمدينة جمصة    صور| أسماء أوائل الشهادة الإعدادية الأزهرية في قنا    انهيار جزئى لسور عقار قديم غير مأهول بالسكان فى المنيا دون خسائر    «الري»: الإجراءات الأحادية لإقامة السدود تُهدد الاستقرار    "هيكون نار".. تركي آل الشيخ يشوق متابعيه لفيلم الفيل الأزرق 3    آداب الرجوع من الحج.. دار الإفتاء توضح    حكم توزيع لحوم الأضحية بعد انتهاء أيام عيد الأضحى    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



د. عصام العريان يكتب: دروس التاريخ الحديث لمصر

* كان لمصر على مدار التاريخ قديما ووسيطا وحديثا ومعاصرا جيش له دور ضخم خاض معارك عظيمة

* نحن نعيش استمرار الحراك الثورى الذى بدأ يوم 25 يناير ومهد له جهاد ونضال واسع للشعب المصرى العظيم

* انتهى حكم أسرة محمد على بحركة الجيش الذى أسسه هو نفسه وبسبب النفوذ الأجنبى الذى مهد له ابنه وحفيداه (سعيد وإسماعيل) وبسبب الاستبداد الذى أنشأه بحكمه الفردى وجبروته وبسبب الظلم والفساد الذى نشر الفقر والجهل والمرض

* أبرز ما قام به محمد عبده (رحمه الله) هو تربية جيل جديد من القيادات السياسية والفكرية والاقتصادية، تنوعت مشاربهم واهتماماتهم مثل: سعد زغلول وقاسم أمين وطلعت حرب

* لم يهتف المصريون باسم زعيم مصرى مثلما هتفوا باسم "سعد" طواعية وحبا واختيارا، وليس صناعة إعلامية، فقد كان فلاحا من صميم الشعب رغم مصاهرته للنخبة الحاكمة

التاريخ هو ذاكرة الأمة ومصدر إلهامها وتجاربها الثرية، كما أن اللغة هى الوعاء الثقافى الذى يحدد هوية الأمة، ويجمع ذلك كله "الدين" الذى يحدد عقيدتها وتصوراتها للكون والإله والحياة ومصدر تشريعاتها وقوانينها.
وتاريخ مصر على مدار آلاف السنين يشهد بأنها كانت منذ قديم الزمان دولة محورية وعالمية، ومحل صراع شديد بين القوى العالمية المتسلطة والمهيمنة، ومطمع لكل زعيم عالمى يريد السيطرة والغلبة.
وكان لمصر على مدار التاريخ، قديما ووسيطا وحديثا ومعاصرا، جيش له دور ضخم خاض معارك عظيمة بدءا من "قادش" وانتهاء ب"رمضان- أكتوبر"، مرورا بحروب لا تحصى "عين جالوت، حطين، نافارين، المورة، وفى الحجاز ونجد، وعلى مشارف الأناضول.. إلخ.
ونحن نعيش استمرار الحراك الثورى الذى بدأ يوم 25 يناير، ومهد له جهاد ونضال واسع للشعب المصرى العظيم، يجدر بنا أن نستعيد ونتذكر بعض دروس التاريخ الحديث الذى بدأ مع عصر محمد على، وبقيت آثاره معنا حتى يومنا هذا، بهدف الاستفادة والتصحيح أن لزم للمسار الثورى، وما يعقبه أو يصاحبه من مسار دستورى.
وعلى اختلاف مدارس ومناهج المؤرخين، فإننا كمصريين نرتبط فى تاريخنا بالشخصيات العظيمة التى أسست لأحداث تاريخية فاصلة، مع اعتبار أن آثار هذه الشخصيات لا تلغى دور الشعب على مدار التاريخ، فهو الصانع الحقيقى لكل التطورات، وهو الذى بذل الجهود الشاقة تحت قيادة هذه الشخصيات المؤثرة.



(1) محمد على باشا والأسرة العلوية

به يبدأ تاريخ مصر الحديث، وهو الذى اجتهد لفصل مصر (مع خلفائه من أحفاده) عن الدولة العثمانية والخلافة الإسلامية.
إلا أن أهم ما يلفت الاهتمام فى عصر الأسرة العلوية هو احتقار الشعب وعدم الرجوع إليه، فسرعان ما نكل محمد على بعمر مكرم الذى نصبه حاكما، ونفذ بقلب بارد أشهر مذبحة فى تاريخ مصر "مذبحة المماليك"، أيا كان النقد الذى يصيبهم، فهم الذين واجهوا الحملة الفرنسية بشجاعة وبسالة مع الشعب وشيوخ الأزهر الذين احتواهم أو أرهبهم، وقسم أراضى مصر بطريق "الالتزام" على أصفيائه وخلصائه، فنشأ بذلك نخبة جديدة من الإقطاعيين يدينون له بالولاء التام، ويخضعون لمشيئته، ويجمعون له الضرائب والمكوس والأموال.



أشهر إنجازات محمد على:

إقامة جيش مصرى، لكنه فى الحقيقة اعتمد فى غالبيته وقياداته على غير المصريين (سليمان باشا الفرنساوى)، وابن محمد على (إبراهيم باشا)، وقليل من الفلاحين.
واقتضى الجيش عدة أمور، منها إنشاء صناعات ومدارس ومعاهد لخدمة الجيش الذى يحتاج إلى تجهيزات وأطباء... إلخ.
وكان لا بد من توظيف الجيش، فكانت الحروب التوسعية لمحمد على، سواء فى خدمة الخلافة العثمانية فى الحجاز وغيرها، أو بغرض التوسع لزيادة رقعة مملكته وسلطانه فى إفريقيا والشام واليونان.
وكانت نتيجة هذا الجيش وحروبه هى التى أدت إلى انهيار أحلام محمد على ثم خضوع أولاده وأحفاده من بعده للتبعية الذليلة المهينة لمصر.
فقد تحالف الجميع ضده وضد أسرته من بعده، فكان إجباره على التنازل عن عرش مصر لابنه عباس، وحصاره داخل مصر بعد هزيمته أو هزائمه المريرة فى البحر والبر.
وكان من نتيجة ذلك، السعى إلى التقارب مع الأوروبيين على حساب مصالح مصر العليا بتأسيس شركة "قناة السويس" بمساهمة أوروبيين، ثم بيع حصة مصر فى عهد الخديوى إسماعيل بسبب الديون الأجنبية ورهن مصر للنفوذ الأجنبى الاقتصادى والسياسى ثم العسكرى والفكرى والثقافى، حتى كان الاحتلال الإنجليزى السهل، بعد أن نجح المصريون قبل محمد على فى هزيمة حملتين: الفرنسية بقيادة نابليون بونابرت، والإنجليزية بقيادة الجنرال فريزر.
وانتهى حكم أسرة محمد على بحركة الجيش الذى أسسه هو نفسه، وبسبب النفوذ الأجنبى الذى مهد له ابنه وحفيداه (سعيد وإسماعيل) وبسبب الاستبداد الذى أنشأه بحكمه الفردى وجبروته، وبسبب الظلم والفساد الذى نشر الفقر والجهل والمرض فى ربوع مصر العظيمة.



(2) أحمد عرابى باشا: (الثورة العرابية) بداية الحزب العسكرى

قاد هذا الزعيم المصرى الذى مات مغضوبا عليه مظلوما وظالما بعد نفيه لسنوات، حركة من أجل إصلاح الجيش والحياة الدستورية النيابية، والدفاع عن حقوق الفلاحين من شعب مصر، إلا أنها باءت بهزيمة نكراء واحتلال أجنبى إنجليزى دام 70 سنة.
وكانت هذه أول محاولة لإصلاح الجيش وإنصاف المصريين بعد أن تحول الجيش إلى مجرد ديكور ليس له دور، فلم يخض معارك حقيقية بعد انهزامه فى عهد محمد على، وفرض عليه تقليص الجنود والمعدات، وكان الشعب مغيبا رغم إصدار ما يشبه الدستور فى عهد "إسماعيل"، وتولية "توفيق".
شارك عرابى فى حركته (الثورة العرابية) أسماء بارزة، مثل الشيخ محمد عبده، والأديب عبد الله النديم، إلا أن سوء التقدير والخيانة وعدم الاستعداد جعل النهاية سريعة، ودب الندم فى نفس محمد عبده، لدرجة النكوص عن المشاركة فى أى نشاط سياسى، والاكتفاء بالسعى لإصلاح ما يمكن إصلاحه فى الأزهر. وكانت تلك أيضا أول محاولة جادة لإصلاح مناهج التعليم والإفتاء فى المؤسسة الدينية الأزهرية.
إلا أن أبرز ما قام به محمد عبده (رحمه الله) هو تربية جيل جديد من القيادات السياسية والفكرية والاقتصادية، تنوعت مشاربهم واهتماماتهم، مثل: سعد زغلول باشا وقاسم أمين وطلعت حرب... إلخ.
كان نصيب عرابى قول أمير الشعراء "شوقى":
صغار فى الذهاب وفى الإياب أهذا كل مجدك يا عرابى؟!!



(3) مصطفى كامل والحزب الوطنى (الجامعة الإسلامية)

من أبرز زعماء مصر الذين ظلمهم المؤرخون والكتاب، بسبب أنه مات مبكرا فى سن الشباب، وأنه كان يرفع شعار الجامعة الإسلامية، والولاء للدولة العثمانية، وأن الحزب الذى أسسه حاربه الاحتلال الإنجليزى والأسرة العلوية الحاكمة، وبقية التيارات التى نشأت فى فلك الفكر الليبرالى الحديث، المتغربون، وهؤلاء الوطنيون الذين قبلوا بمبدأ الحلول الوسط وفاوضوا الاحتلال، فى حين كان شعار الزعيم مصطفى كامل والحزب الوطنى هو: "لا مفاوضات إلا بعد الجلاء". وخلَّد ذكره فقط شعراء مصر العظام بقصائد لا تزال من غُرر الشعر العربى.
وتضاءل نفوذ الحزب الذى يعتبر أحد أقدم التحارب الحزبية إن لم يكن أولها؛ لأن حزب الثورة العرابية تفكك واندثر، ولم ندرك من رجاله إلا هؤلاء الذين تماهوا للأسف الشديد مع انقلاب يوليو، وبسبب كراهيتهم الشديدة لحزب الوفد الذى ورث زعامة مصطفى كامل وحزبه فى الساحة الشعبية.
ركز مصطفى كامل على استجداء العون الأجنبى الأوروبى ضد الاحتلال، فلم ينجح، ومات شابا.



(4) سعد زغلول باشا والوفد المصرى

لم يهتف المصريون باسم زعيم مصرى مثلما هتفوا باسم "سعد" طواعية وحبا واختيارا، وليس صناعة إعلامية، فقد كان فلاحا من صميم الشعب رغم مصاهرته للنخبة الحاكمة التى أوصلته إلى المناصب العليا، وهيأته لتبوؤ مكانته كزعيم.
فقد نشأ عقب وفاة مصطفى كامل تيار تغريبى ليبرالى يهادن الاحتلال ويتحالف معه أحيانا ضد القصر الملكى، أو يتحالف مع القصر ضد أغلبية المصريين، وهو التيار الذى شكل بعد ذلك أحزاب الأقلية.
أما سعد باشا، فقد مزج الأفكار الحديثة حول الدستور والديمقراطية والحياة النيابية بنكهة مصرية كانت من آثار ارتباطه بالإمام محمد عبده.
وكانت القضايا الأساسية التى عمل لتحقيقها بدأب رغم الشيخوخة وتقدم السن، هى: الاستقلال، والدستور، والحياة النيابية التى تعكس إرادة الشعب.
إلا أن الوفد المصرى الذى انفرد بزعامته سعد باشا بعد خلافاته مع مؤسسيه (عدلى وثروت وغيرهما) ثم الانشقاقات التى لحقته بعد وفاة سعد، لم يكن حزبا بالمعنى الحزبى الذى له برنامج واضح محدد، ولم يهتم إلا مؤخرا بالبعد الاجتماعى فى السنوات الأخيرة من أربعينيات القرن الماضى بسبب انغماس عدد من رموزه فى النشاط اليسارى، وتأثرهم بالفكر الشيوعى عقب الحرب العالمية الثانية.
ومع تطور الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية والفكرية المصرية خلال سنوات (1923-1951) وظهور "الإخوان المسلمون"، والتيارات المغرقة فى العلمانية كالشيوعية والاشتراكية، وانهيار الإمبراطورية البريطانية التى كانت تحتل مصر والهند، مما يؤذن بخروج جيشها من مصر، وتنامى المقاومة ضد معسكراتها فى القنال، كان القرار الأجنبى (أمريكيا وأوروبيا "بريطانيا") بتسليم مصر إلى نخبة جديدة عسكرية تجهض آمال المصريين فى الاستقلال الحقيقى الحضارى والفكرى والاقتصادى، وتمنع الشعب من اختيار قياداته فى الحكم والبرلمان، وبذلك تم تأخير أحلام كل هؤلاء الزعماء العظام:
- محمد على، فى بناء دولة حديثة تنافس الدول الكبرى.
- عرابى، فى بناء جيش قوى قادر على حماية البلاد.
- مصطفى كامل، فى حماية الهوية الحضارية لمصر، وهى الهوية الإسلامية.
- سعد زغلول، فى تحقيق الاستقلال السياسى وبناء دولة دستورية ديمقراطية الحكم فيها للشعب.
وعاش المصريون ستين سنة صعبة، غاب فيها الشعب، وتبدل فيها الدستور وفق إرادة الحاكم، وانهار فيها الجيش الذى ذاق الهزائم المُرة فى أعوام: 1948 و1956 و1962 و1967، إلى أن استرد عافيته فانتصر فى 1973م. وبعدها عاد إلى غيبوبة جديدة، ليمارس الآن حربا عجيبة (بقيادة لم تخض حربا من قبل) ضد الشعب والطلاب والمتظاهرين!.
وعاشت مصر فى تبعية مهينة، إما لشرق أو لغرب مسيطر فى أثناء الحرب الباردة، ثم كانت الطامة الكبرى أن أصبحت مصر تابعة لبلاد كانت تنتظر منها المعونات والمساعدات، وتطلب من جيشها الحماية والرعاية!.
وكانت مصيبة المصائب أن أصبح رئيس مصر (آخر حكام يوليو إن شاء الله) كنزا إستراتيجيا للعدو التاريخى للشعب المصرى!.
ومن هنا كان لا بد من ثورة شعبية تعمل على إنجاز ما تأخر إنجازه على يد هؤلاء الزعماء، خاصة أنهم كانوا قادة بلا جيوش منظمة، فكانوا زعماء بحث، ولكن الشعب كان يكتفى بالهتاف باسمهم وتدبيج القصائد فى مدحهم.
كانت ثورة 25 يناير حدثا إستراتيجيا، أراده البعض مجرد اعتراض على ممارسات الشرطة القمعية وإنهاء الدولة البوليسية، وأراده البعض الآخر مجرد وقف لمسار توريث الحكم من "مبارك" لابنه "جمال"، وأراده البعض الثالث مجرد إجراء إصلاحات سياسية فى نظام الحكم كله تضمنها بيان النقاط السبع (معا سنغير)، ولكن خروج الشعب وانبعاث همة الملايين، ووجود تنظيم شعبى قوى فى قلب الثورة يوم 25 يناير، ظهرت بوضوح فى جمعة الغضب 28 يناير 2011، ثم حماية الثورة فى موقعة الجمل فى 2 فبراير 2011 كان مؤذنا بأن تصبح أهداف الثورة أعلى من حسابات البعض، ليتحرر الشعب المصرى من الخوف واليأس، ويمتلك الشجاعة والإقدام، ويحلم بأمل جديد لم يكن يخطر ببال أحد من القوى التى تدخلت فى مصر فى أثناء حكم "مبارك" لتحتل إرادة المصريين (أمريكا وإسرائيل ودول الخليج)، وكانت لها مصالح متضاربة فى ثورة يناير.



وأصبح حلم المصريين فى يوم 12 فبراير 2011 هو أن تحقق الثورة لهم:

1- استقلالا وطنيا تاما: حضاريا وثقافيا وسياسيا واقتصاديا وعسكريا.
2- دولة دستورية ديمقراطية حديثة، يضع الشعب فيها دستور البلاد بواسطة جمعية تأسيسية منتخبة، ولا تفرضه عليه نخبة متغربة لم ينتخبها الشعب.
3- الحرية والكرامة الإنسانية لكل مصرى ومصرية، وإنهاء الدولة البوليسية الأمنية التى قمعت المصريين.
4- العدالة الاجتماعية التى تحقق الحياة الكريمة فى حدها الأدنى، فى الرعاية الصحية والتعليم والتوظيف لكل المصريين دون تمييز.
5- دولة حديثة تقوم على إعلاء شأن العلم والتكنولوجيا، وتنافس الدول الكبرى.
6- دولة مدنية لا يقوم الجيش فيها إلا بدوره الطبيعى فى حماية الحدود والاستعداد للحروب ضد أى عدوان على البلاد (درع وسيف)، ولا يتدخل فى شأن الحكم.
7- دولة مصرية تفخر بهويتها الإسلامية العربية، وتقود بقية العالم العربى، وتتعاون مع الدول الإسلامية الأخرى للتقريب والتعاون بين الدول الإسلامية.
8- دولة تحفظ حقوق الإنسان، وتحمى كل مواطنيها دون الحديث عن الأقليات، بل الجميع مواطنون متساوون فى الحقوق والواجبات التى ينظمها الدستور.
وذلك كله لمعالجة الأخطاء التى سجلها التاريخ (*).
لقد لخصت ثورة يناير 2011 أحلام المصريين على مدار قرنين من الزمان، وستمضى الثورة بإذن الله فى موجات متتالية لتحقق تلك الأحلام، وأنت أيها المصرى -خاصة الشباب- يوسف تلك الأحلام.
ويسألونك متى هو؟ قل عسى أن يكون قريبا.
والله أكبر وتحيا مصر.
(وَاللهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ) صدق الله العظيم.



(*) أهم الأخطاء التى صاحبت تلك المسيرة الطويلة، كانت:

1- استدعاء التدخل الأجنبى ومحاولة اللعب على تناقضات الدول الكبرى.
2- إهمال الدور الشعبى، وعدم التركيز على تربية الشعب وتهيئته لإصلاح شامل ومسيرة طويلة وشاقة.
3- التركيز على الأشخاص، مما جعل تاريخ مصر طوال قرنين من الزمان هو تاريخ شخصيات بعضها عظيم وبعضها لا يستحق أية مكانة فى التاريخ.
4- عدم وجود عمل مؤسسى حقيقى له برنامج واضح محدد للنهوض بالبلاد، وتوصيل الخدمات الأساسية فى التعليم والصحة والمرافق لكل مواطن.
5- بروز دور الجيش منذ محمد على مرورا بعرابى، مما أدى إلى إهماله بعد الاحتلال، حتى عاد ليحتل المشهد كله فى حركة الجيش عام 1952 التى تحولت إلى انقلاب ثم ثورة اجتماعية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.