استمرارًا لمسلسل تمكين الانقلاب العسكرى لرموز فساد دولة مبارك وتمهيدا لهم الطريق لاستكمال مخططهم في نهب وسرقة أموال الشعب المصرى الذى ثار ضد فسادهم، أصدر رئيس سلطة الانقلاب عدلى منصور قرارا جمهوريا بتفويض إبراهيم محلب رئيس الوزراء الانقلابي وأحد أبرز رموز الفساد في عهد مبارك في بعض اختصاصات رئيس الجمهورية، وأهم هذه الاختصاصات بحسب ما نشرته الجريدة الرسمية هو التفويض في مجالات التصرف بالمجان في أملاك الدولة ونزع ملكية العقارات للمنفعة العامة وحماية الآثار، كما شمل القرار التفويض في مجال منح المعاشات والمكافآت الاستثنائية وتقرير إعانات أو قروض أو تعويض عن الخسائر في النفس والمال. الدكتور إبراهيم يوسف: تفويض منصور لمحلب يدخل في إطار "إعطاء القط مفتاح الكرار" يأتي ذلك في الوقت الذى يتصدر فيه محلب رئيس وزاء حكومة الانقلاب قائمة الفساد في حكومة الانقلاب السابقة برئاسة حازم الببلاوى بحسب تقرير الجهاز المركزى للمحاسبات والذى كشف عن حجم الفساد في وزارة الإسكان برئاسة محلب، مؤكدًا تورطه في الإضرار العمد بالمال العام خلال توليه الوزارة والذى حصره الجهاز بقيمة 4.193 مليار جنيه نتيجة مخالفات لقوانين البناء، وقانون المزايدات والمناقصات واللائحة العقارية لهيئة المجتمعات العمرانية، فضلًا عن فروق أسعار بيع قطع الأراضي المتميزة، والتى منها ما تم بالأمر المباشر دون اتباع الإجراءات المنصوص عليها في قانون المناقصات والمزايدات ولائحة هيئة المجتمعات العمرانية.
وقال التقرير إن وزير الإسكان ورئيس هيئة المجتمعات العمرانية، ورئيس مدينة الشيخ زايد، تقاعسوا عن إلزام المخالفين بسداد الغرامات وفروق الأسعار المذكورة والثابتة في ذمتهم، وأصدروا ونفذوا قرارات بتخفيض هذه الغرامات، أو الإعفاء من جزء منها على غير سند صحيح من القانون، كما تقاعسوا كذلك عن إبلاغ الجهات القضائية الجنائية المختص بشأن هذه المخالفات حيث أعفى وزير الإسكان ابراهيم محلب المخالفين من الغرامات المستحقة عليهم دون أي سند قانوني لهذا الإعفاء ومن ثم يمثل تفويض رئيس سلطة الانقلاب لمحلب هو تكريس ومباركة صريحة من سلطة انقلاب للفساد.
من جانبهم اعتبر خبراء سياسيون واقتصاديون أن هذا التفويض ما هو إلا تمهيد الطريق لجعل مقدرات مصر نهبا لمجموعة من اللصوص الانقلابيين، مؤكدين أن منصور لا يملك حق التفويض لكونه رئيسا معينا وليس منتخبا، لافتين أن إصرار السلطة الانقلابية على جعل أملاك ومقدرات الدولة محل تفويض يؤكد رغبتهم الجامحة تكريس الفساد وإصراراهم على القفز على إراة الشعب صاحب الحق الأول في إعطاء التفويض لمن يختاره وينتخبه رئيسًا شرعيًا للبلاد.
والجدير بالذكر أن رئيس السلطة الانقلابية دأب منذ الأيام الأولى للانقلاب العسكرى على إعطاء صلاحياته المزعومة الى من يشغل رئيس وزراء حكومة الانقلاب، فقد سبق وأن أصدر عدلى منصور قرارا جمهوريا بتفويض حازم الببلاوى، رئيس حكومة الانقلاب السابق، في الاختصاصات والسلطات المقررة لرئيس الجمهورية في 27 تشريعا بين قانون ولائحة تنفيذية وقرار الى الحد الذى جعل منه أول رئيس حكومة في مصر يتمتع بأنه الأوسع سلطة على مدار تاريخ مصر وبالرغم من ذلك كان فشل حكومة الببلاوى هو الأكبر ايضًا على مدار التاريخ.
وكانت أبرز سلطات الببلاوى التي فوض بها تتنوع بين مجالات أراضى الدولة، والتحكم في قطاعى الأعمال والأعمال العام، والمعاشات والمكافآت، والأزهر والجامعات، والآثار، وكذلك في مجال العاملين بالدولة، والهيئات الكبرى كقناة السويس، والإدارة المحلية.
كما تم تفويض الببلاوى في اختصاصات رئيس الجمهورية الخاصة بقانون الطوارئ، وقد كان هذا التوسع في سلطة الببلاوى سببًا مباشرًا في فساد الحكومة بكافة وزارتها من حيث الفساد وإهدار العام والذى شمل كل الوزارت بدءا من وزارة العدل والذى اتهم وزيرها بحصوله 2 مليون جنيه ومرورًا بإيرادات وأرباح وهمية جمعتها وزارة الكهرباء برئاسة أحمد إمام من الشركات المستهلكة للطاقة دون سند قانوني، ودون وجه حق واتهامات أخرى للدكتور محمد أبو شادي وزير التموين، بعد اتهام مدير مكتبه بتلقي رشوة، وإهداره شركة الصوامع ل89 مليون جنيه بجانب وزارة الإسكان وإهدار ما يزيد عن 4 مليارات جنيه. ومن ثم يأتي تفويض رئيس سلطة الانقلاب لرئيس الوزراء الانقلابى إبراهيم محلب استمرار لمنظومة الفساد التي يقودها الانقلابيون في مصر.
تفويض من لا يملك في هذا الإطار اعتبر الدكتور إبراهيم يوسف أستاذ الاقتصاد جامعة الأزهر أن تفويض رئيس سلطة الانقلاب عدلى منصور لإبراهيم محلب رئيس حكومة الانقلاب ينطبق عليها المقولة الشهيرة "عطاء من لا يملك لمن لايستحق"، مؤكدًا أن عدلى منصور لايملك حق التفويض وذلك لكونه رئيسا مؤقتا غير منتخب ولم يأتِ بإرادة شعبية تضفى على إختصاصاته التي يمنحها لكل رئيس وزاء في حكومة الانقلاب الشرعية ومن ثم إذا كان منصور نفسه لا يملك هذه الاختصاصات فكيف له أن يمنحها لرئيس الوزراء ومن ثم يرى يوسف أن ما يحدث الآن هو استمرار لسياسية الانقلاب العبثية بالشعب ومقدارته من أجل تمكين الفساد والفاسدين، مشيرًا الى أن القول بأن هذا التفويض يأتي وفقًا لدستور 2014 الذى وضعه الانقلابيون هو قول مغلوط وباطل يراد به باطل، وذلك لأن أى دستور في أى دولة حينما يتحدث عن اختصاصات رئيس الجمهورية إنما يتحدث عن إختصاصات رئيس الجمهورية الشرعي الذى يأتي انتخابات نزيهة معبرة عن إرادة الشعب ولم يتحدث أى دستور في العالم عن اختصاصات رئيس معين.
وأضاف يوسف أنه بالنظر الى طبيعة الاختصاصات التي فوض فيها رئيس سلطة الانقلاب رئيس حكومة الانقلاب نجد أنه كلها تتعلق بمقدرات وأملاك الدولة وأموال البسطاء وهو ما يمثل خطرا كبيرا وأمانة كبرى لايمكن لبشر أن يتحملها وإن عرضت على عمر بن الخطاب "الفاروق" نفسه لتردد في الأمر ولكنها اليوم وفى ظل حكومة الانقلاب أصبحت مغنما وفرصة كبرى لدى أصحاب الضمائر الخربة التي لا تراعى في هذا الشعب إلًا ولا ذمة، لذلك اعتبر يوسف أن قرار عدلى منصور بتفويض محلب لا يدخل في إطار التفويض لأنه لا يملك ذلك ولكنه يدخل في إطار "إعطاء القط مفتاح الكرار".
تفويضات الانقلاب ومن جانبها ترى الدكتورة شيماء بهاء الدين -الباحث السياسي بمركز الحضارة للدراسات السياسية- أن هناك دلالات متعددة تقف خلف تفويض رئيس السلطة الانقلابية لرئيس الحكومة إبراهيم محلب في عدد من اختصاصاته، ففضلا عن أنها تأكيد لوجود الديكوري لهذا الرئيس الذى لا يملك من أمره منصبه الذى وضعه فيه الانقلابيون شيء فإنه أيضًا يمثل تكريسا صريحا للفساد الممنهج الذى يمارسه الانقلابيون على حساب أقوات ومقدرات البسطاء لافتة الى انه لا يجب أن ننسى التفويض السابق لحكومة الببلاوي عقب الانقلاب بالتصرف في العقارات وفق استثناءات لا تصب الوطن والتي استخدمته الحكومة شر استخدام وذلك من خلال إقرار قانون مجحف لتنظيم الاستثمار يمنع المساءلة ويطلق يد الفاسدين ليتلاعبوا بمقدرات الاقتصاد في عودة قوية للفساد والفاسدين. ومن ثم تعتبر بهاء أن تفويض محلب هو استكمال لنفس منظومة الفساد التي يقودها الانقلاب، مؤكدة أن تاريخ محلب وتورطه في قضايا فساد متعددة على رأسها قضية القصور الرئاسية المتهم فيها الرئيس المخلوع مبارك يكشف نوايا هؤلاء الانقلابيين الخبيثة في الإعداد للنهب المنظم لأملاك ومقدرات الدولة الذى سبق وأن ادعى كذبًا أنه جاء لحمايتها.
الدكتورة شيماء بهاء: تفويض محلب يؤكد الدور الديكورى للمؤقت ويكشف خطة الانقلاب للنهب المنظم لأموال الشعب وأضافت بهاء أن النظر بموضوعية إلى تفويضات الانقلاب منذ بدايته تستطيع أن تكشف الوجه القبيح لهذا الانقلاب، مشيرة إلى أن أول هذه التفويضات كان هو تفويض الداخلية لفض اعتصامي رابعة والنهضة ليكون الناتج أكبر المجازر في تاريخ مصر الحديث بمشاركة الجيش، ذلك وكذلك تفويض المجلس العسكري لقائد الانقلاب السيسي للترشح لرئاسة الجمهورية ترسيخًا لعسكرة الدولة بعد الإطاحة بأول رئيس مدني منتخب د.محمد مرسي. هذا بالإضافة إلى ما نحن بصدده من تفويض اختصاصات رئيس الجمهورية للحكومات المختلفة لنهب أموال هذا الشعب، وهو ما يؤكد مدى حرص هذا النظام الانقلابي على تمكين دولة الفساد بكل رموزها. وطرحت بهاء عدة تساؤلات منها لماذا لا نرى مثل هذه التفويضات من سلطات الانقلاب لتيسير الخدمات للمواطنين الذي يعانون في كل مكان تقريبًا من انقطاع الكهرباء وتدني خدمات الصرف الصحي؟! وإذا كان هذا التفويض الأخير يتضمن منح مكافآت، فلمن ستمنح المكافآت هل ستمنح لغير رجال الشرطة؟ ولماذ الإصرار على اتخاذ هذه القرارات تتخذ في غياب أي سلطات منتخبة؟! كما تساءلت أين الإعلام من كل ذلك؟ مشيرة الى أنه لم نجد من هذا الإعلام إلا محاولات التشويش على ما جاء في تقرير الجهاز المركزي للمحاسبات بشأن فساد الأجهزة القائدة للانقلاب بهدف تضليل وتغييب الشعب من أجل تمكين الانقلاب.