قالت منظمة هيومن رايتس ووتش الحقوقية أن السلطات المصرية أظهرت في الشهور الأخيرة قدرا من التسامح يكاد يكون منعدماً مع أي شكل من أشكال المعارضة، إذ اعتقلت ولاحقت صحفيين ومتظاهرين وأكاديميين لتعبيرهم السلمي عن آرائهم. وأضافت المنظمة في تقريرها المنشور نهاية فبراير بعنوان " مصر.. ثمن المعارضة الباهظ" أن النيابة المصرية قامت في 29 يناير 2014 بإحالة ثلاثة من الصحفيين العاملين بقناة الجزيرة الانجليزيو إلى المحاكمة بتهم مسيسة من قبيل نشر "معلومات كاذبة" والانتماء إلى "منظمة إرهابية"، وهي تهم يعاقب على بعضها بالسجن لمدد تتراوح بين 5 و15 عاماً. ويواجه ما لا يقل عن 17 آخرين من الصحفيين والشخصيات المعارضة تهماً مماثلة في القضية نفسها، التي تقرر بدء المحاكمة فيها في 20 فبراير الماضي، كما قامت النيابة في 19 يناير بإحالة 25 شخصاً إلى المحاكمة بتهم "إهانة القضاء"، وبينهم الأكاديمي والبرلماني السابق عمرو حمزاوي. من جانبه قال جو ستورك نائب المدير التنفيذي لقسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بهيومن رايتس ووتش: "لا ينبغي للصحفيين أن يواجهوا خطر قضاء سنوات في سجن مصري لقيامهم بعملهم. إن ملاحقة هؤلاء الصحفيين لتحدثهم مع بعض أعضاء الإخوان المسلمين، والتي تأتي بعد ملاحقة متظاهرين وأكاديميين، تبين السرعة التي تتقلص بها مساحة المعارضة في مصر". ويواجه صحفيو الجزيرة الثلاثة المحتجزون المصريان محمد فهمي وباهر محمد، والأسترالي بيتر جريست تهماً تشمل تحرير مقاطع فيديو "للإيحاء بأن مصر في حرب أهلية"، وتشغيل معدات بث بدون ترخيص، والانتماء إلى تنظيم إرهابي، وحيازة مواد تروج لأهداف التنظيم الإرهابي. أما التهم الموجهة إلى حمزاوي فتتعلق بتغريدة من يونيو 2013 تقول إن إدانة 43 من العاملين في منظمات مؤيدة للديمقراطية تمثل دليلاً على "تسييس" القضاء. وبين المتهمين الآخرين في هذه القضية مصطفى النجار، وهو برلماني سابق أيضاً، وعلاء عبد الفتاح، الناشط المعروف المحتجز منذ أواخر نوفمبر بتهمة ملفقة تتمثل في تنظيم مظاهرة دون إخطار. وتابع التقرير أن في أوائل يناير 2014 وجهت السلطات إلى أكاديمي بارز آخر، هو عماد شاهين، أستاذ العلوم السياسية بالجامعة الأمريكيةبالقاهرة، إضافة إلى عدد من القياديين بجماعة الإخوان المسلمين، تهمة التآمر مع منظمات أجنبية للإضرار بأمن مصر القومي. كان كل من شاهين وحمزاوي ممن جهروا بانتقاد حكومة الرئيس محمد مرسي، لكنهما انتقدا أيضاً القمع الدموي للإخوان في أعقاب قيام الجيش بعزل مرسي من السلطة. قامت السلطات بمنع حمزاوي من السفر وأحيلت قضيته إلى المحاكمة دون تحديد موعد لها، أما شاهين فقد غادر مصر قبل الإعلان عن التهم الموجهة إليه في وقت لاحق من شهر يناير/كانون الثاني. وأضاف التقرير "اعتمدت الشرطة على قانون قمعي للتظاهر صدر في نوفمبر 2013 لتفريق واعتقال مئات المتظاهرين السلميين بذريعة تجمعهم دون تصريح. كما استغلت إحدى المحاكم هذا القانون في ديسمبر/كانون الأول للحكم على ثلاثة من أبرز النشطاء أحمد ماهر ومحمد عادل وأحمد دومة بالسجن لمدة 3 سنوات. وفي أواخر ديسمبر/كانون الأول قامت الحكومة المؤقتة بإعلان الإخوان المسلمين "تنظيماً إرهابياً"، مستشهدة بالاعتداءات الأخيرة على منشآت ومسؤولين أمنيين، دون تقديم أدلة تربط الإخوان بتلك الاعتداءات. ورغم أن التوصيف لا يتمتع بقوة القانون إلا إذا صدر عن محكمة، إلا أن المسؤولين استغلوه لاعتقال وملاحقة الأشخاص الذين يجرون أي اتصال مع جماعة الإخوان، مثل صحفيي الجزيرة. وتلتزم مصر، بصفتها دولة طرفاً في العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، وفي الميثاق الأفريقي لحقوق الإنسان والشعوب، بحماية حرية التعبير. وتكفل المادة 19 من العهد الدولي "حرية [الإنسان في] التماس مختلف ضروب المعلومات والأفكار وتلقيها ونقلها إلى آخرين دونما اعتبار للحدود، سواء على شكل مكتوب أو مطبوع أو في قالب فني أو بأية وسيلة أخرى يختارها". وقد كتبت لجنة الأممالمتحدة لحقوق الإنسان، وهي هيئة الخبراء التي تراجع التزام الدول بالعهد الدولي، أن حرية التعبير "ضرورية" للتمتع الكامل بحق المشاركة في الشؤون العامة والتصويت. قام أكثر من 50 مراسلا أجنبياً بإصدار بيان بتاريخ 13 يناير/كانون الثاني يدعو إلى إنهاء سجن صحفيي الجزيرة الثلاثة، ويقول إن اعتقالهم "ظلل حرية الصحافة والإعلام في مصر بالغيوم". كما أن لجنة حماية الصحفيين أشارت إلى مصر كواحدة من البلدان الثلاثة الأكثر خطراً على الصحفيين في 2013. وأضاف جو ستورك: "ظلت المنظمات الحقوقية المصرية والدولية لسنوات تدعو السلطات المصرية إلى تعديل قانون العقوبات الذي كانت نصوصه الفضفاضة أداة الحكومة القانونية الرئيسية لسجن المعارضين. أما اليوم فقد صارت تحت تصرف النيابة ترسانة أضخم من القوانين القمعية التي تجرم الممارسات المشروعة للتعبير عن الرأي والتجمع وتكوين الجمعيات". وتابع التقرير أن الصحفية الهولندية رينا نطعة -من صحيفة "بارول" وإذاعة "بي إن آر" الهولنديتين- اضطرت للاختباء ثم الفرار من مصر بعد أن اتضح أنها واحدة من الصحفيين العشرين الموجودين على قائمة الحكومة للأشخاص المتهمين بنشر معلومات كاذبة والترويج لأهداف تنظيم إرهابي. وكانت نطعة قد التقت بصحفي الجزيرة فهمي قبل أسبوع من اعتقاله. وقد ورد في بيان صحفي لنيابة أمن الدولة بتاريخ 29 يناير أن الصحفيين "استخدموا معدات البث والحواسب لتجميع مقاطع والتلاعب فيها لإنتاج صورة زائفة تعطي العالم الخارجي انطباعاً بأن ما يحدث في البلاد هو حرب أهلية ... وبث تلك الصور عبر قناة الجزيرة القطرية لمساعدة الجماعة الإرهابية على تحقيق أهدافها في التأثير على الرأي العام بالخارج". وقال بيان النيابة إن الخبراء قد أكدوا "تعرض المقاطع للتغيير والتحرير باستخدام برمجيات ومعدات تحرير عالية التقنية"، وأنها تشمل "صوراً زائفة تمس بالأمن القومي". وأشار التقرير إلى خطاب جريست الصادر بتاريخ 25 يناير والذي تم تهريبه من سجن طرة وقال فيه "لم تقدم الدولة أدلة تؤيد تلك المزاعم، ولم يتم توجيه الاتهام إلينا رسمياً بأية جريمة. إلا أن النائب العام قام لتوه بتمديد احتجازنا المبدئي الذي امتد 15 يوماً لمدة 15 يوماً أخرى كي يتيح للمحققين وقتاً إضافياً عسى أن يجدوا شيئاً. وبوسعه القيام بهذا دون أجل مسمى فأحد رفاقي في السجن خلف القضبان منذ ستة أشهر دون تهمة واحدة ... إن الدولة لن تتحمل سماع الإخوان المسلمين أو أي صوت انتقادي آخر". وتابع التقرير في أعقاب قيام الجيش بعزل الرئيس مرسي في 3 يوليو/تموز، أغلقت قوات الأمن قنوات تلفزيونية مرتبطة بالإخوان المسلمين وغيرهم من التيارات الإسلامية. كما احتجزت السلطات 18 من المساهمين في شبكة رصد الإخبارية المستقلة منذ 3 يوليو، وبينهم اثنان يواجهان محاكمات عسكرية، على حد قول أسماء الخطيب، الصحفية العاملة مع الشبكة، ل هيومن رايتس ووتش. وفي 22 يناير 2014 اعتقلت الشرطة المخرج المصري حسام المناعي، والمترجم الأمريكي جيريمي هودج، من شقتهما في القاهرة. أفرجت الشرطة عن هودج بعد أربعة أيام دون اتهامات، لكنها احتجزت المناعي لمدة 18 يوماً. وما زال المناعي يواجه تهمة نشر "أسماء كاذبة وتعريض استقرار الأمة للخطر". قال هودج لصحفيين إن المناعي تعرض للتعذيب، وهو ما أكده المناعي لاحقاً. وفي الأول من فبراير اعتقلت الشرطة مدون وناشط يمني هو فراس شمسان، في أعقاب مقابلات أجراها في معرض القاهرة السنوي للكتاب. ويواجه شمسان تهم نشر أنباء كاذبة عن السلطات المصرية، وتلقي أموال من هيئات أجنبية، والتقاط صور دون تصريح، وتكدير السلم العام. في 2 فبراير داهمت الشرطة مقرات "يقين" و"حصري"، وهما منفذان إعلاميان مقرهما القاهرة، فاعتقلت 13 من العاملين بزعم قيامهم بالتحريض على العنف وبث أنباء كاذبة. فيما بعد أفرجت الشرطة عن الصحفيين بكفالة، رغم أنهم ما زالوا يواجهون تهماً جنائية. وقالت هيومان رايتس وتش أن هذه الاعتقالات ليست الأخيرة للصحفيين مشيرة إلى توسع الحملة القمعية التي تشنها الحكومة المصرية على حرية التعبير، فقد استهدفت الاعتقالات أيضاً طيفاً واسعاً من الأصوات المعارضة.