يتساءل الناس، وما آخر هذه السلمية؟! الانقلابيون يسيرون فى طريقهم الذى أرادوه، كأنهم لا يعبئون بما نفعل، أو كأننا لا نفعل شيئا من الأساس. وقد بالغوا فى طاغوتهم وجبروتهم، فلم يعودوا يأبهون بأى دماء يسيلونها، بل ويتفاخرون بذلك، فيخرج علينا وزير داخليتهم، ليعلن فى استعلاء أنه سيتصدى بكل حسم لأى خروقات، ولا يبالى فى ذلك بأية نتائج مهما كانت. اعتقال النساء والفتيات والاعتداء عليهن أصبح خبرا يوميا عاديا، تعود الناس عليه، فزالت صدمته التى أحدثها فى البدايات. وهو شىء لم تجرؤ على الإقدام عليه كل الأنظمة السابقة (المباركية والساداتية والناصرية)، وهى أنظمة كانت جميعها أنظمة عسكرية بوليسية فاجرة. لكننا نعلم الآن أن الطاغوت والجبروت درجات ودرجات، وقد بلغ هذا النظام الذى نعايشه اليوم أعلاها وأقساها. تعدى الأمر من اعتقال الشيوخ الكبار إلى حد قتلهم، فها هى المرأة المسنة التى قتلها مجرمو الداخلية والجيش فى مظاهرة من المظاهرات، ومثلها امرأة أخرى، ذهبوا لاعتقال ولدها، فلما لم يجدوه انهالوا عليها فقتلوها، وهى صاحبة الثمانين من العمر. الاعتداء على الطلاب فى الجامعات، والضرب بالغاز والخرطوش والنار الحى، قد أصبح مشهدا متكررا. وبعد السحل والتنكيل، تذيع قنوات الانقلاب صور الطلاب والطالبات وهم فى سجون الانقلاب وأقسام تحقيقه. وتتمادى الصور فى إيلامنا والتعمد فى هذا الإيلام. التنكيل بالمعتقلين فى سجون الانقلاب، حتى يقدم الكثير منهم على الإضراب عن الطعام اعتراضا على سوء المعاملة، وكثير منهم كبار سن قد أرهقتهم السنون والأمراض. بل ووصل الأمر بالانقلابيين إلى حد أن ينكلوا بأهليهم الآتين لزيارتهم، ولا يفرقون فى ذلك أيضا بين نساء ورجال. فتتعرض زوجة أحد المعتقلين لإهانات بالغة وتحرش مهين عند زيارتها لزوجها المعتقل، وقد قتلوا ابنتها قبلا، ثم سجنوا ابنها من بعد. منع الزيارات عن الرئيس المعتقل، وإعادة اختطافه إلى مكان غير معلوم، وصمت القضاء على كل هذا، بل ومشاركته فى ما يحدث مشاركة أصيلة، والحديث عن إمكانية أن يقدم الانقلابيون على قتل الرئيس حتى تنتهى القصة وينتهى الصراع، ظنا منهم فى ذلك. كل هذا وأكثر، يثير تساؤلا مرّا ثقيلا، وما آخر السلمية؟! بعض من الشباب بل والشيوخ يتحدثون فى سرهم وعلانيتهم الآن، عن أنه قد آن الأوان للرد بالمثل على هذه العصابات الانقلابية. حتى أكثر الناس رويّة وحكمة، تحدثه نفسه بمثل هذا، لشدة ما يرى من هول المشهد ومرارته. لكنه وبعد حديث النفوس وزفراتها، ودموع العيون ودفقاتها، يأتى حديث العقول، والنظر فى المآلات والمصائر. إذا كان الحديث عن مشروعية الخروج على هذه العصابات بمثل ما يخرجون به علينا، وأن الدفاع عن النفس والأهل والمال مشروع، وخصوصا إذا ما كان دفاعا ضد سلطة مغتصبة لا شرعية. فإن الأمر عند النظر إلى مشروعيته، لا بد من النظر فيه إلى البدء، وكذلك إلى مآل النهاية والختام. فإذا كان مشروعا فى بدايته، فماذا عن نهايته ومآله. وهنا لا بد أن يعرف الجميع أن الخروج عن سلميتنا فيه هلاك البلاد والعباد، وأن الدماء ساعتها سوف تكون أكبر وأكثر من كفكفتها ومداواتها. وها نحن نرى الواقع السورى بما فيه، دمار البلاد والمدن، وإزهاق آلاف الأرواح، ونزوح الملايين. واقع نسأل الله أن ينهيه، وأن يجنبنا إياه، والذى علينا لأجل أن يجنبنا الله إياه، ألا نخرج عن سلميتنا، مهما جرتنا إلى غيره عصابات الانقلاب. فسلميتنا هى خيارنا الوحيد، وهى حقا أقوى من رصاصهم. وعندما نقول إنها أقوى من رصاصهم، فنحن نقصد أنها أقوى فى النهاية والمصير، فإذا كان الرصاص أقوى منها آنيا ولحظيا، أو هكذا يبدو، فإن العبرة بالخواتيم، وليس واردا أبدا أن تثبت ثورة شعبية سلمية بهذا الحد، ثم لا تنتصر فى النهاية، والتاريخ يؤكد ذلك، والثورة الإيرانية والثورة اليمنية، خير مثالين على هذا. إذًا، آخر السلمية لن يكون عنفا، ولن يكون استسلاما ولا هزيمة. وإنما آخر السلمية انتصار وظفر بإذن الله تعالى.