لقد أفزعتنى الصورة، وتألمت بشدة لدرجة أننى لا أظن أن جميع كلمات القاموس المعبرة عن الخسة والدناءة والحقارة والنذالة والسفالة...إلخ، تستطيع أن تصف ذلك الكائن الهمجى المتخلف –نقيب بلطجية الشرطة- الذى امتدت يداه الآثمتان لتقبضان بشراسة على عنق تلك الفتاة الحرة الكريمة التى خرجت لتقول كلمة الحق فى وجه العملاء الخونة وأتباعهم. والدموع تسيل من عينى ألما وحزنا، لم أجد مناسبا لهذا المشهد إلا أقول كلمتين: "تبت يداك". وتذكرت أبا لهب الذى قيلت فيه مثل هذه الكلمة: "تَبَّتْ يَدَا أَبِى لَهَبٍ وَتَبَّ * مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ * سَيَصْلَى نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ * وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ * فِى جِيدِهَا حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ" (سورة المسد). وأخذت أعقد مقارنة بين فِعال المجرمَيْن، وتوصّلت فى نهايتها إلى أن أحدهما ترجح كِفَّته ويفوق الآخر بمراحل، وسأذكركم بجرائم كل منهما، وأترك لكم الخيار بين تأييدى فيما ذهبت إليه من مجاوزة فِعال هذا البلطجى وسادته لفِعال أبى لهب أو مخالفتى الرأى. أبو لهب "عبد العزى بن عبد المطلب" هو عم النبى -صلى الله عليه وسلم- كان هو وامرأته "أم جميل" من أشد الناس إيذاء لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - وللدعوة التى جاء بها. وكان أبو لهب أول من جهر بعداوة الإسلام لما جهر الرسول بدعوته منذ اليوم الأول للدعوة.فقد حرج النبى - صلى الله عليه وسلم - إلى البطحاء، فصعد الجبل فنادى: " يا صباحاه " فاجتمعت إليه قريش، فقال: "أرأيتم إن حدثتكم أن العدو مصبحكم أو ممسيكم؟ أكنتم مصدقي؟ " قالوا: نعم. قال: "فإنى نذير لكم بين يدى عذاب شديد ".فقال أبو لهب. ألهذا جمعتنا؟ تبًا لك. فأنزل الله {تبت يدا أبى لهب وتب..} إلخ. وفى رواية فقام ينفض يديه وهو يقول: تبًا لك سائر اليوم! ألهذا جمعتنا؟! فأنزل الله السورة. وقد كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يتبع القبائل، يدعوها للإسلام، وأبو لهب يسير وراءه يدعوهم ألا يسمعوا له، ولا يتبعوه، فإذا سألوا عنه قال: عمه أبو لهب. وكانت زوجته "أم جميل" تحمل الشوك فتضعه فى طريق النبى -صلى الله عليه وسلم- بهدف إدماء قدميه الشريفتين. ولما أجمع بنو هاشم على حماية النبى - صلى الله عليه وسلم - ولو لم يكونوا على دينه، تلبية لدافع العصبية القبلية، خرج أبو لهب على إخوته، وحالف عليهم قريشا، وكان معهم فى الصحيفة التى كتبوها بمقاطعة بنى هاشم وتجويعهم كى يسلموا لهم محمدًا -صلى الله عليه وسلم-. وكان أبو لهب قد خطب بنتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رقية وأم كلثوم لولديه قبل بعثة النبى - صلى الله عليه وسلم - وكانت أم كلثوم بنت رسول الله عند ابنه عُتيبة، وأختها رُقية عند ابنه عُتبة، فلما كانت البعثة ونزلت سورة المسد، قال أبو لهب لهما: رأسى ورأسكما حرام إِن لم تطلقا ابنتى محمد، فطلقاهما حتى يثقل كاهل النبى - صلى الله عليه وسلم - بهما. أرأيتم؟ على الرغم من كل تلك العداوة والحرب بينهما إلا أن كل ما فعله أبو لهب ببنتى النبى - صلى الله عليه وسلم - هو مجرد طلاقهما من ابنيه. أبو لهب لم يحبس البنتين أو يضربهما أو يشتمهما أو يتحرش بهما...إلخ تلك الجرائم الشنيعة التى تورع عنها أبو لهب، لكن المجرم الخائن بلطجى الداخلية قد اقترفها بيديه الآثمتين. والأعجب من ذلك أن هناك الملايين من العبيد وفاقدى العقل وعديمى النخوة والكرامة ما زالوا يطبلون ويرقصون لسادتهم الذين يجلدون ظهورهم ويستبيحون عرض إخوانهم فى الإنسانية والوطن. أيها الشرفاء..أيتها الشريفات..إياكم أن يهدأ لكم بال حتى تحرروا مصرنا الحبيبة، وتزيحوا هذا الكابوس الفظيع الذى يحاول تجريد البشر من إنسانيتهم إلى ما دون الحيوانية الرذيلة، وأبشروا بالنصر، "إن مع العسر يسرا".