حين رأى الملك رؤيته الشهيرة بسبع بقرات سمان يأكلهن سبع عجاف، وسبع سنبلات خضر وأخر يابسات، أعرض المفسرون عن تأويل الرؤيا لعدم علمهم بها، فتذكر أحد من كانوا بالسجن مع يوسف عليه السلام وعرض الأمر على الملك ليذهب إليه فى السجن ويستفتيه فى الرؤيا. بمجرد أن عرض الرجل الأمر عليه أفتاه يوسف. يوسف المسجون ظلما. يوسف الذى دبرت له مكيدة السجن وهو البريء بشهادتهم " ثم بدا لهم من بعد ما رأوا الآيات ليسجننه حتى حين ". يوسف الذى ظلمه إخوانه وحرموه من والده الذى يحبه، ورموه فى الجب فعاش عبدا وهو الحر ابن الحر، الكريم ابن الكريم. يوسف النبى ابن النبى الذى لم يفعل جرما سوى أن اختار الفضيلة والخوف من الله والوفاء عنوانا. بمجرد أن سألوه عن الرؤيا لم يتمنع، ولم يشترط خروجه من السجن أولا، ولم يطلب الاعتراف بالمؤامرة التى حيكت ضده قبل أن ينطق. وإنما الأمر اكبر من ذلك. إنه مستقبل الأمم. حياة الأبرياء حتى ولو كانوا كافرين. إنقاذ حياة إنسان ولو كان لا يدين بدينه أو يدين له بالولاء. إنها شيم الكبار. فمتى سعى لبراءته؟ حين طلبه الملك ليكون عونا له. هنا يكون الأمر أدعى لأن تبرأ ساحته، فهو سيواجه الناس، سيكون مسئولا عنهم، سيسوسهم ويكون مطلوبا منهم السمع والطاعة، ولا يجب أن يسمعوا له ويطيعوا حتى تنكشف الحقائق كلها. هنا فقط يطلب كشف المؤامرة بعدما اتضحت الرؤيا ووضع لهم ليس فقط تأويلها وإنما قدم الحل لها. ليس مهما أن تكون أنت فى الصدارة حين يتعلق الأمر بمهمة إنقاذ بلادك، بل يجب أن تقدم كل ما عندك حتى تنقذها. إنما أن يوسد إليك الأمر فساعتها يجب أن تكون الأمور كلها واضحة، وصفحتك ناصعة أمام الجميع، اطلب براءتك كما شئت واكشف كل المؤامرات وحاسب كل من تسبب فيها وإلا فلن تستقيم حياة الناس. كما جعل الله عز وجل الجنة والنار، كما جعل الثواب والعقاب، كما جعل الليل والنهار، يجب أن يكون هناك مساءلة لمن أخطأ حتى لا تحول المجتمعات لغابة لا يحكمها حاكم، (وقال الملك ائتونى به فلما جاءه الرسول قال ارجع إلى ربك فاسأله ما بال النسوة اللاتى قطعن أيديهن إن ربى بكيدهن عليم . قال ما خطبكن إذ راودتن يوسف عن نفسه قلن حاش لله ما علمنا عليه من سوء قالت امرأة العزيز الآن حصحص الحق أنا راودته عن نفسه وإنه لمن الصادقين . ذلك ليعلم أنى لم أخنه بالغيب وأن الله لا يهدى كيد الخائنين . وما أبرئ نفسى إن النفس لأمارة بالسوء إلا ما رحم ربى إن ربى غفور رحيم). هنا لا يجب التسامح، لا يجب أن نسكت على أمر ترسخ لدى شعب لا يعرف الحقيقة كاملة، هنا يجب أن تكشف المؤامرة كلها. وحين يظهر الحق، يطلب يوسف ما يستحقه، ليس ما يستحقه فقط، وإنما يتحمل واجباته التى لا يستطيع أن يقوم بها غيره. الخطب كبير، إنها سنوات عجاف ومصر والجزيرة العربية كلها سوف تدفع ثمنا غاليا من الجوع والقحط إن كان هناك سوء تدبير أو توسيد الأمر لغير أهله، ليس من الصالحين فقط، وإنما العالمين وليس مجرد مجتهدين، تشخيص المشكلة ثم وضع الحل الأمثل، ثم اختيار العالم الأمين لينفذ خطة العبور إلى الأمان بشعب يغرق ويجوع إن أخطأ احدهم. لا يكفى أن تكون عالما، ولا يكفى أن تكون أمينا، وإنما يجب أن تجمع الأمرين معا. تلك بعض خواطرى عن سورة يوسف وللحديث بقية.