الآن وبعد مرور ستة أشهر على الانقلاب العسكرى وهى مدة ليست بالقليلة إذا علمت أنها نصف المدة التى حكم فيها الرئيس الشرعى، مرت الشهور ولم ينجز الانقلابيون أى وعد قطعوه على أنفسهم من أمن وأمان واستقرار ورخاء اقتصادى وديمقراطية وحرية، بل كان الإنجاز الأكبر من وجهة نظرهم هو فض الاعتصامات السلمية وقتل الآلاف، وهى جريمة لن تمر دون حساب، وقد ظهرت بوادر ذلك فى قبول المحاكم الدولية لأوراق تلك القضية. ولكن ما هو المشهد الآن من وجهة نظر القوى المختلفة؟ انقسم السياسيون إلى فئات ثلاث: الأولى العسكر ومن يستخدمونهم كبيادق فى رقعة شطرنج كحزب النور، ثم تحالف دعم الشرعية المقاوم للانقلاب، وأخيراً بعض القوى التى تتراقص بالمبادئ فإذا حققت نفعاً كانت فى صف العسكر قلباً وقالباً وإذا فقدت شيئاً أو تم تهديد مصالحها أو حرية أعضائها فهى تهدد بالمقاومة (فالمبادئ عندها ساعة تروح وساعة تيجي)، ومثال ذلك حركة 6 أبريل التى لم تنتفض وهى ترى الدماء تسيل أنهاراً طوال ستة أشهر، ولم تتظاهر عندما تم الحكم على طلاب الجامعة، ولم يؤرق مضجعها اعتقال المناضلين أمثال الكتاتنى والبلتاجى وصفوت حجازى وكل الوزراء والآلاف غيرهم، ولم يتأثروا بتلفيق التهم من قبل النائب الملاكى، ولكنهم انزعجوا فقط عندما تم الحكم على ثلاثة منهم بالحبس، فالمبادئ عندهم متلونة ومرنة تتغير بتغير الأحوال. فالمشهد من وجهة نظر العسكر وبيادقهم مفزع، فهم يرون اتساع حالة المقاومة وانهيار البلاد اقتصادياً، وما تجميد أموال الجمعيات الخيرية إلا انعكاس لهذا الانهيار بما ينذر بثورة جياع لا تبقى ولا تذر، كما أنهم يوقنون أن رؤوسهم ستكون ثمناً رخيصاً فى حالة فشلهم المتوقع، لذا فهم يسابقون الزمن، والحل من وجهة نظرهم إخماد الأصوات المعارضة بأى ثمن، وخلق واقع جديد على الأرض من خلال استفتاء تستند فيه إلى إرادة شعبية تغسل به دماء الانقلاب، وهم بالفعل بدءوا بترويج أن الاستفتاء هو استفتاء على خريطة الطريق الانقلابية وليس على وثيقة، ويكفيهم فى هذا الذهاب إلى الصندوق لتلتقط الصور ثم يقفزوا هم بالنتائج التى يريدونها كما فعلوا فى 30 يونيو، والغريب أن من تم خداعه ولدغه فى ذلك التاريخ وقع فى نفس الفخ، ومن هؤلاء أبو الفتوح وحزبه. والمشهد من وجهة نظر التحالف المقاوم تفاؤلى، فهم يحققون كل يوم مكاسب وإن اختلطت بتضحيات ودماء ذكية، ويرون أن الانقلابيين يترنحون ويتخبطون فى القرارات والاستراتيجيات، وبعد فشلهم فى بسط واقع على الشعب بالاعتقالات أو القتل فهم يلجئون إلى شبح الحرب الأهلية، وتاريخ مصر يرجح فشل تلك الخطة، ويراهن التحالف على فضح وإفشال خطط غسل الانقلاب باستفتاء يتم التجهيز لتزويره على قدم وساق، وذلك بالمقاطعة الإيجابية وهى الخروج للميادين. أما من يتلاعب بالمبادئ فسقف مبادئهم ومطالبهم منخفض، وقضيتهم تنتهى بالإفراج عن الأفراد القلائل المحسوبين عليهم، ولكن يحاول الانقلابيون استخدامهم بإحياء فكرة ثوريتهم ليكونوا بدائل مستأنسة للمعارضة، وما الأحكام بالحبس ثم الإفراج عنهم المتوقع بالاستئناف إلا وسيلة من وسائل صناعة الرموز الموالية. وأيا كان المشهد معقداً فإن الشعب له دور هام فى تلك المرحلة تكمن فى تحديد موقفه بوضوح، وعدم الوقوف موقف المتفرج، وليس أقل من مقاطعة الاستفتاء المزمع استخدامه لقهر الشعب، والمشاركة فى المظاهرات السلمية، وتفعيل حالة العصيان المدنى بالامتناع عن دفع فواتير الخدمات حتى يتم الضغط اقتصادياً على الانقلابيين، والثقة فى النصر القادم، وليكن الشعب فى قلب المشهد.