تواصل سلطات الانقلاب العسكرى الدموى حربها الضروس ضد أى صوت ينادى بالحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية ويدافع عن الشرعية، فى الوقت ذاته تبرئ رموز الفساد من التهم الواضحة، فى إشارة صريحة إلى رغبة الانقلاب فى عودة دولة الظلم والقمع التى تسمى "دولة مبارك"، ورسالة واضحة تفيد بإجهاض ثورة 25 يناير والإجهاز على مكتسباتها بشكل تام. وتعيش الثورة المصرية بعد الانقلاب مرحلة فاصلة وحاسمة فى تاريخها ليس فقط على مستوى التظاهرات والفعاليات الرافضة للانقلاب الدموى، ولكن على المستوى "القضائى" الذى أصبح مسيسا بشكل واضح وفج، بتبرئة رموز نظام مبارك والفاسدين، والقبض على النشطاء والسياسيين من أنصار الثورة والشرعية دون أى تهمة أو دليل، واستمرار التعسف ضد الطلاب السلميين الرافضين للانقلاب. أربعة مشاهد وقعت، خلال اليومين الماضيين، تثبت أن سلطات الانقلاب الدموى الغاشم لا ترغب فى أن تقوم قائمة لهذا البلد، واستمرار نظام الظلم الذى يبقى على جنرالات بعينهم على رأس السلطة والنفوذ والمال، وقمع باقى الشعب الذى يعانى فى الحصول على لقمة عيشه. المشهد الأول كان اقتحام المركز المصرى للحقوق الاقتصادية والاجتماعية التابع للمحامى والناشط الحقوقى خالد على، المرشح فى انتخابات الرئاسة الماضية، وقامت قوات شرطة الانقلاب بتكسير محتويات المكتب والقبض على المصور "مصطفى عيسى" الذى كان موجودًا بداخله. ولم تعلق ميليشيات الانقلاب على أسباب اقتحام "المركز المصرى"، ولكنه كان من المفترض أن يَعقد مؤتمرًا صحفيًّا حول مشكلة غلق الشركات وفصل العمال وتعنت رجال الأعمال فى صرف مستحقات العمال المتأخرة، وهو ما يفسر أسباب اقتحام المركز. واستكمالا للقبض على النشطاء من خارج التيار الإسلامى، ألقت قوات أمن الانقلاب القبض على الناشط محمد عادل، عضو حركة السادس من إبريل، لاتهامه بالمشاركة فى أحداث العنف التى وقعت أمام محكمة عابدين بين قوات الأمن والمتظاهرين، على خلفية رفض قانون التظاهر الذى أقرته حكومة الانقلاب. وقالت حركة 6 إبريل، إن عادل تم القبض عليه الأربعاء الماضى، ضمن من تم القبض عليهم من المركز المصرى للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، واتهمت الأمن بالاعتداء عليه بالضرب هو وزملاؤه، وأكدت الحركة أن مكان احتجاز عادل والمقبوض عليهم ما زال غير معلوم حتى الآن. وبالانتقال إلى "المشهد الثانى" من مسلسل الإجهاز على ثورة 25 يناير، ظهر على السطح مرة أخرى مهرجان "البراءة للجميع"؛ حيث برأت محكمة جنايات شمال القاهرة يوم الخميس الماضى، علاء وجمال مبارك نجلى المخلوع والفريق أحمد شفيق المرشح الخاسر فى انتخابات الرئاسة من قضية "أرض الطيارين"، رغم أن الأدلة كانت واضحة وصريحة بتورط الثلاثى سابق الذكر فى قضية إهمال المال العام، بالإضافة إلى اللواء طيار نبيل فريد شكرى، واللواء طيار محمد رضا عبد الحميد صقر، واللواء محمد رءوف حلمى، واللواء محمد كمال فخر الإسلام الصاوى، أعضاء مجلس إدارة جمعية أرض الطيارين. لكن النيابة نسفت القضية تمامًا؛ حيث تم إسناد أمر الإحالة، الذى أعده أسامة الصعيدى قاضى التحقيق المنتدب من وزير العدل، إلى المنسوب لهم الاتهام، بالموافقة بصورة منفردة على تمكين علاء وجمال مبارك من قطعتى الأرض، وبمساحة زائدة على المسموح بها، والتغاضى عن اتخاذ إجراءات سحب الأرض، وفسخ التعاقد خلال المدة من عام 1995 وحتى تاريخه؛ لإخلالهما بالتزام البناء عليها خلال مدة 3 سنوات من تاريخ التخصيص، بقصد استمرار حيازتهما بغير حق للأرض والبالغة مساحتها 40 ألف متر مربع، ما تسبب فى خسارة قدرت بنحو 30 مليون جنيه كحق انتفاع، حسبما أورد قرار الإحالة. أما المشهد الثالث، فكان توصية هيئة مفوضى الدولة بعدم قبول دعوى عزل ومنع رؤساء وأمناء وأعضاء أمانات الحزب الوطنى المنحل ولجنة سياساته وممثليه فى المجالس المحلية والبرلمانات لمدة عشر سنوات، وهى رسالة واضحة بعودة الحزب الوطنى بفساده كاملا. ولم تكتف هيئة المفوضين بإلغاء عزل النواب المشاركين فى الفساد والطوارئ، بل أوصت أيضا بعدم قبول الطلب بحل المجالس القومية المتخصصة التى أنشأها الحزب الوطنى المنحل لزوال المصلحة. وفتح هذا الحكم الباب على مصراعيه لعودة الحرب الوطنى بكل رموزه الفاسدة مرة أخرى، والاستيلاء على البرلمان الذى تستخدم السلطة "الديكتاتور" لتوطيد حكمه الفاسد، والإجهاز على أى صوت يطالب بالإصلاح والتغيير، وهذا مشهد آخر فى الإجهاز على الثورة. واستكمالا للصورة، كأن من يطلبون الحرية هم "الإرهابيون"، قررت محكمة جنايات القاهرة تجديد حبس "عبد الله الشامى" مراسل شبكة الجزيرة 45 يوما؛ بتهمة إعداد تقارير صحفية!!. المشهد الرابع والأخير، هى التهمة المضحكة ضد الرئيس الشرعى للبلاد د. محمد مرسى بالتخابر مع حركة المقاومة الإسلامية "حماس"، وهى التهمة الموجودة فى إسرائيل فقط، ولا تعمل أى دولة بها، فهم يحاولون تشويه صورة الرئيس وقيادات الإخوان باستخدام سحرة فرعون مع استمرار العنف المتزايد ضد الطلاب الغاضبين، وتصوريهم على أنهم ينتمون إلى جماعة الإخوان المسلمين فقط، وهو الأمر الذى يفسر تخبط الانقلابيين وعدم درايتهم بما يفعلون!!. المشاهد الأربعة السابقة صورها إعلام الانقلاب على أنها انتصار للحرية والقضاء الشامخ والنزيه، مع الإسراع بالاستفتاء على الدستور الانقلابى اللقيط، وتوجيه الناس للتصويت بالموافقة عليه، إلا أن الاحتجاجات الطلابية بالتزامن مع استمرار المتظاهرين فى الشوارع جعلت الأمر "شوكة فى حلقهم"، يريدون أن تخرج بالأمر الواقع عن طريق العنف!!.