تواصل سلطات الانقلاب حربها الضروس والغاشمة ضد أى صوت ينادى بالحرية أو العدالة أو المساواة، فى الوقت ذاته تبرئ رموز الفساد من التهم الواضحة فى إشارة صريحة إلى رغبة الانقلاب فى عودة دولة الظلم والقمع التى تسمى "دولة مبارك" فى رسالة واضحة تفيد بإجهاض ثورة 25 يناير والإجهاز عليها بشكل تام. اليوم –الخميس- يوماً من الأيام الفاصلة فى تاريخ الثورة المصرية ليس على مستوى التظاهرات، ولكن على المستوى "القضائى" الذى أصبح مسيساً بشكل واضح وفج بتبرئة رموز نظام مبارك والفاسدين، والقبض على النشطاء والسياسيين من أنصار الثورة دون أى تهمة أو دليل، واستمرار التعسف ضد الطلاب السلميين الرافضين للانقلاب. ثلاثة مشاهد وقعت اليوم وأمس تثبت أن سلطات الانقلاب الدموى الغاشم لا ترغب فى أن تقوم قائمة لهذا البلد، واستمرار نظام الظلم الذى يبقى على جنرالات بعينهم على رأس السلطة والنفوذ والمال، وقمع باقى الشعب الذى يعانى من الحصول على لقمة عيشه. المشهد الأول كان اقتحام المركز المصرى للحقوق الاقتصادية والاجتماعية التابع للمحامى والناشط الحقوقى خالد على المرشح الخاسر فى انتخابات الرئاسة الماضية، وقامت قوات شرطة الانقلاب بكسر محتويات المكتب والقبض على المصور "مصطفى عيسى" الذى كان متواجدًا بداخله. ولم تعلق قوات الأمن على أسباب اقتحام "المركز المصرى" ولكنه كان من المفترض أن يعقد مؤتمرًا صحفيًّا حول مشكلة غلق الشركات وفصل العمال وتعنت رجال الأعمال فى صرف مستحقاهم، وهو ما يفسر أسباب اقتحام المركز. واستكمالاً للقبض على النشطاء من خارج الإسلاميين ألقت قوات أمن الانقلاب القبض على الناشط محمد عادل عضو حركة السادس من إبريل، لاتهامه بالمشاركة في أحداث العنف التي وقعت أمام محكمة عابدين بين قوات الأمن والمتظاهرين، على خلفية رفض قانون التظاهر الذي أقرته حكومة الانقلاب. وقالت حركة 6 إبريل إن "عادل" تم القبض عليه أمس الأربعاء، ضمن من تم القبض عليهم من المركز المصرى للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، واتهمت الأمن بالاعتداء عليه بالضرب هو وزملائه. وأكدت الحركة أن مكان احتجاز عادل والمقبوض عليهم، مازال غير معلوم حتى الآن. وبالانتقال إلى "المشهد الثانى" من مسلسل الإجهاز على ثورة 25 يناير ظهر على السطح مرة أخرى مهرجان "البراءة للجميع" حيث برأت محكمة جنايات شمال القاهرة تبرئ علاء وجمال وشفيق من قضية "أرض الطيارين" رغم أن الأدلة كانت واضحة وصريحة بتورط الثلاثى سابق الذكر فى القضية بالإضافة إلى اللواء طيار نبيل فريد شكري، واللواء طيار محمد رضا عبد الحميد صقر، واللواء محمد رؤوف حلمي، واللواء محمد كمال فخر الإسلام الصاوي أعضاء مجلس إدارة جمعية أرض الطيارين. لكن النيابة نسفت القضية تماماً حيث تم إسناد أمر الإحالة، الذي أعده أسامة الصعيدي، قاضي التحقيق المنتدب من وزير العدل، إلى المنسوب لهم الاتهام، الموافقة بصورة منفردة على تمكين علاء وجمال مبارك من قطعتي الأرض، وبمساحة زائدة على المسموح بها، والتغاضي عن اتخاذ إجراءات سحب الأرض، وفسخ التعاقد خلال المدة من عام 1995 وحتى تاريخه، لإخلالهما بالتزام البناء عليها خلال مدة 3 سنوات من تاريخ التخصيص، بقصد استمرار حيازتهما بغير حق للأرض والبالغة مساحتها 40 ألف متر مربع، ما تسبب في خسارة قدرت بنحو ملايين الجنيهات كحق انتفاع، حسبما أورد قرار الإحالة. وبالطبع لم يفوت "المواطنين الشرفاء" هذا الأمر وهتفوا عالياً "يا جمال يا ابن مبارك الرئاسة فى انتظارك" وكأن ثورة لم تقم! أما المشهد الثالث فكان توصية هيئة مفوضى الدولة بعدم قبول دعوى عزل ومنع رؤساء وأمناء وأعضاء أمانات الحزب الوطنى المنحل ولجنة سياساته وممثليه فى المجالس المحلية والبرلمانات لمدة عشر سنوات وهى رسالة واضحة بعود الحزب الوطنى بفساده كاملاً. ولم تكتفى هيئة المفوضين بإلغاء عزل النواب المشاركين فى الفساد والطوارئ بل أوصت أيضاً بعدم قبول الطلب بحل المجالس القومية المتخصصة التى أنشأها الحزب الوطنى المنحل لزوال المصلحة. وفتح هذا الحكم الباب على مصراعية لعودة "عز" الحرب الوطنى مرة أخرى والاستيلاء على البرلمان الذى يستخدمه رئيس الجمهورية "الديكتاتور" لتوطيد حكمه الفاسد والإجهاز على أى صوت يطالب بالإصلاح والتغيير وهذا مشهد آخر فى الإجهاز على الثورة. واستكمالاً للصورة كأن من يطلبون الحرية هم "الإرهابييون" قررت محكمة جنايات القاهرة تجديد حبس "عبد الله الشامى" مراسل شبكة الجزيرة 45 يوم بتهمة إعداد تقارير صحفية. المشهد الرابع والأخير هى التهمة المضحكة ضد الرئيس الشرعى بالتخابر مع حركة حماس –وهى التهمة الموجودة فى إسرائيل فقط- ولا تعمل أى دولة بها، فهم يحاولون تشويه صورة الرئيس وقيادات الإخوان باستخدام سحرة فرعون مع استمرار العنف المتزايد ضد الطلاب الغاضبين، وتصوريهم على أنهم ينتمون إلى جماعة الإخوان المسلمين، وه الأمر الذى يفسر تخبط الانقلابيين وعدم درايتهم بما يفعلون. المشاهد الأربعة السابقة صورها إعلام الانقلاب على أنها انتصار للحرية والقضاء الشامخ والنزيه، مع الإسراع بالاستفتاء على الدستور، وتوجيه الناس للتصويت بالموافقة عليه، إلا أن الاحتجاجات الطلابية بالتزامن مع استمرار المتظاهرين فى الشوارع جعلت الأمر "شوكة فى حلقهم" يريدون أن تخرج بالأمر الواقع عن طريق العنف.