الوصية السادسة عدم الرياء والتسميع بالعمل الإخلاص لله هو أهم سبب للنصر، فإن فقدناه فقدنا كل شىء، وأخطر ما يواجه الإخلاص حب النفس للتميز على غيرها، لذلك نجدها تلح علينا فى إظهار العمل، وتعريف الناس به، وتجدها تسعد سعادة بالغة عندما تُرى فى موضع محمود، وبالعكس يضيق الصدر ويتكدر الحال عندما تُرى فى موضع مشين. ويشدد الشرع على ضرورة الإخلاص لله عز وجل والعمل من أجله، وعدم وجود أى دافع آخر يدفع المرء للعمل الصالح سوى إرضائه سبحانه وابتغاء مثوبته، وإلا أحبط العمل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى كَالَّذِى يُنْفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ وَلَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْدا لَا يَقْدِرُونَ عَلَى شَىْءٍ مِمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ لَا يَهْدِى الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ} [البقرة: 264] وقال صلى الله عليه وسلم: قال الله تعالى: أنا أغنى الشركاء عن الشرك، من عمل عملا أشرك فيه معى غيرى تركته وشركه" [رواه مسلم] فعلينا أن نجتهد فى تجريد دوافعنا أن تكون لله وحده ومما يعيننا على ذلك بإذن الله هو عدم التحدث بالعمل بعد انتهائه، وعدم إظهاره والتسميع به، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من سمَّع الناس بعمله سمَّع الله به سامع خلقه، وصغَّره وحقَّره" [رواه الطبرانى]. وهذا مثل يضربه الله عز وجل فى القرآن على إحباط عمل المرائى، وأنه لا ينفعه منه شىء، رغم ما بذل فيه من الجهد، فيقول تعالى: {أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ تَجْرِى مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ لَهُ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَأَصَابَهُ الْكِبَرُ وَلَهُ ذُرِّيَّةٌ ضُعَفَاءُ فَأَصَابَهَا إِعْصَارٌ فِيهِ نَارٌ فَاحْتَرَقَتْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُون} [البقرة: 266]. ولذلك لما جاء رجل يقول للنبى صلى الله عليه وسلم: "صمت الدهر يا رسول الله، فقال له: ما صمت ولا أفطرت" [رواه مسلم]. وسمع عبد الله بن مسعود رضى الله عنه رجلا يقول: قرأت البارحة سورة البقرة، فقال: ذاك حظه من قراءته. وعندما تحدث أبو موسى الأشعرى عن غزوة ذات الرقاع وما حدث له فيها من مشقة ظهرت الكراهة على وجهه كما يقول راوى الخبر مخافة أن يكون قد أفشى شيئا من عمله. وللأسف فإن اشتراك الكثير فى مواقع التواصل الاجتماعى استدرجهم للتحدث عن أنفسهم وأعمالهم وإظهارها أولا بأول وهذا أمر خطير من شأنه أن يبعدنا عن طريق الإخلاص لله عز وجل، ومن ثم تلقى نصره. فإن كان ولا بد من تعريف الناس بعمل ما فعلينا أن نخرج أنفسنا منه، فنتحدث عن العمل دون التحدث عن ذواتنا، ولنجتهد فى إخفاء أعمالنا ويكفينا علم الله بها: {وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدا} [الفتح: 28] إن الله عز وجل حكم عدل، لا يظلم الناس شيئا، ولكن العبد إذا لم يقصد بعمله وجه الله، فإن الله يترك له عمله وما قصد إليه، ولكم ضاعت على الأمة جهود عظيمة، وأموال ضخمة، أحبط الله أجرها على صاحبها، وجعل أثرها فى الناس هباء، لا نفع فيها، لما شابها من رياء، وعدم إخلاص لله فيها.