رأيت مصر ترقص السامبا أمام البرازيل، وتدافع بذكاء الكاتيناتشو أمام إيطاليا .. ويتبقى فقط أن نرى شخصية الفراعنة الحقيقية أمام الولاياتالمتحدةالأمريكية. المباراة المقبلة تعد تطبيقا عمليا لما ممكن أن نواجهه في تصفيات كأس العالم 2010 والذي يعد الحلم الحقيقي للفراعنة. فبعد الفوز بكأس أمم إفريقيا 2008 سقطنا بسبب الثقة في فخ زامبيا ثم الجزائر، وبعد العروض الراقية للفراعنة أمام البرازيل وإيطاليا كيف سنواجه أمريكا؟ إيطاليا والبرازيل هاجما مصر بضراوة ومنحانا المساحات اللازمة، تماما مثلما فعل أفيال كوت ديفوار في كأس الأمم، كما أننا خضنا تلك المباريات دون ضغط "يجب أن نفوز". ولذا، حتى حين استقبلت شباكنا أهدافا، كنا نرد.. بينما أمام زامبيا والجزائر كنا نلعب والفوز هو الحل الوحيد، وحين كان مرمى مصر يستقبل هدفا كنا نتوه ونخرج تماما عن التركيز. فهل سنخوض مباراة أمريكا بعقلية تصفيات كأس العالم؟ أم ننضج وتحولنا تجربة كأس القارات لمحترفين ونلعب كرة عملية دون حسابات. وبغض النظر عن إجابة هذا السؤال، اليوم مصر تستحق الفرحة بعدما أعطينا أسياد الدفاع درسا في فنون "الكاتيناتشو". كيف هزمنا إيطاليا؟ بداية فقد استفاد منتخب مصر من إصرار مارتشيللو ليبي المدير الفني لمنتخب إيطاليا على اختبار طريقة 4-3-3. لو كان منتخب مصر قد قابل إيطاليا في كأس العالم مثلا، لغير ليبي طريقة اللعب كونها لم تنجح، لكن لأنه يعتبر كأس القارات حقلا للتجارب فقد أصر على إنجاح فكرته، وخسر رهانه. فأسلوب 5-4-1 الذي يتبعه حسن شحاتة المدير الفني لمنتخب مصر يقتل تماما خطورة 4-3-3، خاصة وأن الأتزوري لا يمتلكون ساحرا كرونالدينيو (نسخة 2005) أو ليونيل ميسي. فوجود فيتشنزو ياكوينتا كرأس حربة وحيد أراح جدا دفاع مصر، لأن وائل جمعة تكفل به فبات الفراعنة يلعبون بليبرو أساسي هو هاني سعيد وآخر إضافي وهو أوكا. واعتماد ليبي على بينيات أندريا بيرلو الطولية من الوسط ساعد منتخب مصر جدا، لأن وجود ليبرو واللعب بعمق دفاعي قتل معظم محاولات إيصال الكرة لياكوينتا. كما أن سرعة جيوسيبي روسي وفابيو كوالياريلا على طرفي الملعب اصطدمت بظهيري جنب وتغطية رائعة من حسني عبد ربه. فقوة أحمد فتحي في الرقابة الفردية ونجاحه الدائم في مواجهات لاعب للاعب، وتفوق سيد معوض على نفسه في الجانب الآخر وقفا كحائل منيع أمام أبطال العالم. كما أن وجود محمد حمص كرابط بين الوسط الدفاعي ونظيره الهجومي كان قرارا رائعا من المعلم، لأن قائد الإسماعيلي قلل كثيرا من ضغط إيطاليا على الفراعنة. فبخلاف المجهود الوفير لحمص، يعد لاعب الدراويش أحد أفضل من يمررون الكرة للأمام تحت الضغط، وهو ما كان ينقصنا أمام البرازيل في شوط المباراة الأول. وبعد نهاية فترة جس النبض، والتي شهدت توترا كبيرا من أبطال العالم بسبب دفاع مصر المحكم، بدأ فريق الفراعنة في استعراض مهاراته مجددا، والفضل للمعلم. فقد أخرج محمد زيدان من منطقة جزاء إيطاليا، لأن وجود رأس حربة وحيد من مصر كان يقتل كل هجمات الفراعنة، لأنه لعب في أحضان فابيو كانافارو. بينما مع وجود زيدان وأبو تريكة خارج منطقة إيطاليا، تحرك كانافارو وجورجيو كيلليني دون هدف واضح يراقبانه، وهو ما أسقط الأخير تحديدا في أخطاء تمركز عدة مرات. فتمركز كيلليني كان يضربه اندفاع زيدان للأمام، خاصة مع استعادة أبو تريكة كل ملكاته الفنية إذ أبرز قدرة غير طبيعية على قراءة الملعب وكشفه بتمريرات رائعة. وبعد هدف محمد حمص الذي يعكس مدى ثقة مصر في قدرتها على الفوز بالمباراة، ارتاح الفريق الوطني بشكل كبير، وبدأنا في مواجهة إيطاليا دون خوف. وخلال الشوط الثاني، لعب العامل النفسي دور البطولة في حفاظ مصر على هدف حمص، خاصة وأن ليبي أصر على 4-3-3 ولم يعدل أوراقه كما كان واجبا عليه. طبعا زاد نزول لوكا توني من قوة إيطاليا الهجومية، ليس لتألق هداف بايرن ميونيخ.. لكن لأن ياكوينتا تحول لجناح أيسر وبات على أوكا رقابته وهو لاعب يصعب جدا السيطرة عليه. وربما لم تلعب تغييرات المعلم دورا كبيرا في تحديد النتيجة مثلما حدث أمام البرازيل لأنها جاءت كلها اضطرارية، إلا أن هناك من دارى كل عيوب الفراعنة الخططية في الشوط الثاني. فهنا برز دور حارس المرمى، الذي يعد 50% من قوة الفريق.. فقد السد العالي مسح كل خطاياه في نفوس جماهير الكرة المصرية بمستواه الرائع أمام ياكوينتا تحديدا. وأخيرا، علينا التركيز على لقاء أمريكا دون حسابات، أنتظر نضوجا للفراعنة بعد درس الجزائر، وأتمنى مشاهدة شخصية مصر الحقيقية.