بعد مرور عامٍ كامل على استشهاده، وبداخل منزله الذي خيم عليه الصمت الشديد إلا من صوت القارئ مشاري راشد يتلو آيات من الذكر الحكيم، وكأن يوما واحدا مضى على وفاته، كان ل"الوطن" هذا اللقاء مع أسرة الشهيد محمد مصطفى، الذي كان طالبا بكلية الهندسة جامعة عين شمس، وأحد أعضاء جبهة مشجعي النادي الأهلي المسماة ب"أولتراس أهلاوي"، واستشهد فجر الثلاثاء 20 ديسمبر 2011، وهو ابن التسعة عشر ربيعا، في أعقاب ما عرف ب"أحداث مجلس الوزراء". تصف وفاء صبحي، والدة الشهيد، شعورها بعد 12 شهرا من فراق نجلها.. "مهما قلت ومهما وصفت شعوري في حاجة مستحيل أوصل إني أقولها، مش هاقدر أوصف وجع قلبي على ابني خصوصا بعد الأحداث الأخيرة اللي بنعيشها، أنا كنت دايما أدعي وأقول يا رب يا ابني دمك ما يروحش هدر ويعمل حاجة حلوة للأجيال الجاية، لكن بعد الوضع اللي إحنا فيه دلوقتي حاسيت إن دم ابني وكل اللي زيه راح هدر". تروي والدة الشهيد محمد مصطفى تفاصيل لقائها الأخير مع ابنها قبل استشهاده بساعات .. "قبل ما ينزل محمد التحرير في المرة الأخيرة حاولت أمنعه وحاولت أخليه يرتاح، لكنه صمم على موقفه وقرر إنه يروح، وكان آخر كلام أسمعه من ابني: أنا مش هاقعد جانبك هنا والبنات بيتسحلو هناك، ترضي إن منة أختي الصغيرة يتعمل فيها كده، أنا هانزل وإن شا الله أموت شهيد بس مش هافضل كده وأسيبهم، ولما اتصاب ابني ودمه كان مغرق الميدان آخر كلمة قالها لصحابه: قولوا لأمي تسامحني وماتزعلش مني". تستكمل والدة الشهيد "بعد ما ابني نزل بساعتين فوجئ هو وصحابه بناس بيهاجموهم بسلاح آلي، وكانوا ناس بيتقدموا ناحيتهم وبيضربوا عليهم رصاص، وابني كان شخصية قيادية وكان دايما واقف في الصفوف الأمامية، ولما لقى الوضع كده طلب من صحابه إنهم يتشاهدوا ويحاولوا يجروا بسرعة، وهو بيجري الرصاصة جات له في ظهره خرجت من الناحية التانية، ولحد ما نقلوه للإسعاف كان دمه غرق الميدان كله لحد المتحف". محمد مصطفى.. الذي كان الأوسط بين أختيه، تحلى بالعديد من الصفات الحميدة بحسب قول والدته، "محمد كان الحاجة اللي منورة البيت ده بفكره ونضجه وحيويته، وكان متعود يمارس الرياضة وكان بطل في التنس، وكان عقله بيميز كل الأمور اللي بتدور حواليه، وكان بينزل التحرير من بداية أحداث الثورة ولحد تنحى مبارك، وفي كل الأحداث اللي بعد كده، لكن أكثر حدث شارك فيه هو اعتصام محمد محمود اللي ماكانش فيه يوم ما بينزلش فيه التحرير، وكان على طول يجيلي متعور بخرطوش أو طوبة، وكان بيحاول يعمل كل حاجة عاشان خاطر زمايله اللي هناك". تقول السيدة وفاء صبحي إن علاقة محمد بشقيقته الصغرى منة كانت علاقة من نوع خاص، "منة أخته بالنسبة له كانت زي الهوا والمية، وما كانش بيستحمل عليها أي حاجة، وكنت دايما أنا وأبوه نوصيه إننا لو جرى لنا حاجة يكون لها الأب اللي يحميها، ولما راح بقينا مش عارفين مين هايكون لها بعده، لكن عزائي الوحيد إن دلوقتي كل الشباب بقوا أخوتها". الرئيس محمد مرسي كان له واقعة شهيرة مع السيدة وفاء والدة الشهيد محمد، قبل جولة الإعادة من انتخابات الرئاسة، "الرئيس مرسي أخذ على نفسه وعد إنه يرجع لي حق ابني لما عملت مداخلة في برنامج الإعلامي محمود سعد، يوم ما كان مستضيفه، وبعثت له رسالة وحملته دم كل الشهدا، لكن دلوقتي باسأله: فين وعدك ليا يا دكتور مرسي؟ نفذت وعدك بترقية اللي قتلوا ولادنا واللي كرمتهم وخليتهم مستشارينك، ونفذت وعدك بالشباب اللي اتقتلوا في عهدك؟ ولا نفذته بالمصريين اللي انقسموا وبقوا بيكرهوا بعض، أنا كنت متأكدة إن الوعد ده مش هايتنفذ، لأن ابني قالها لما نجحوا في مجلس الشعب قال لي لو الإخوان نجحوا في مجلس الشعب عينيهم هاتروح على الرئاسة وساعتها ربنا يستر على البلد". الصمت يخيم على المكان لبضع ثوان، ووالدة الشهيد تطلق تنهيدة طويلة وتستكمل مخاطبة الرئيس "يا دكتور مرسي إنت هاتروح الآخرة بكرسي الرئاسة؟ افتكر إن ربنا هايسألك يوم القيامة عن الناس اللي ماتوا قبلك واللي ماتوا في عهدك، وكل اللي هاقدر أقوله لحد ما حق ابني واللي ماتوا قبله وبعده يرجع: حسبي الله ونعم الوكيل". ميادة مصطفى، الشقيقة الكبرى للشهيد محمد، تعتقد أن مقتل أخيها جاء ضمن خطة موجهة لاغتيال أشخاص يتبعون جهات بعينها في تلك الفترة، "محمد اتقتل عشان كان من الأولتراس اللي كانوا دايمان موجودين في كل حدث من أحداث الثورة، ودايما كانوا بيهتفوا ضد العسكر وضباط الداخلية، وأخويا كان شكله مميز في الفترة ده عاشان كثر تردده على ميدان التحرير، عشان كده قالوا يقتلوه ويبعتوا بدمه رسالة لزمايله، ولما قتله ما جابش نتيجة قتلوا سبعين من الأولتراس بعدها بشهرين، وكل القتل اللي كان بيحصل في الوقت ده كان مقصود، وإلا ليه ما يموتش غير طالب الهندسة والشيخ في الأزهر والطالب في الإعلام ويتساب اللي بيخربوا البلد أحياء؟". وتوجه والدة الشهيد محمد مصطفى، في نهاية اللقاء، رسالة إلى كل أفراد الشعب المصري، "إحنا كلنا لازم ننزل الميادين نطالب بحقوقنا وبحقوق ولادنا، ولازم دم ابني وكل شهيد ما يبقاش راح هدر، وأنا هانزل التحرير في نفس اليوم اللي مات فيه ابني وأقف في نفس مكان موته وأنادي بأعلى صوتي وأطالب بحقه، ونفسي مصر كلها تبقى معاية عاشان ابني يرتاح ويصدق إني مش زعلانة منه وإني سامحته زي ما طلب".