قال مصدران حكوميان مطلعان، اليوم الإثنين، إن الحكومة بدأت في إعداد مشروع موازنة السنة المالية القادمة 2016-2017 على أساس سعر صرف 8.25 جنيه للدولار، انخفاضا من 7.75 جنيه في السنة المالية الحالية. وأكد أحد المصدرين اللذين تحدثا ل"رويترز"-طلب عدم الكشف عن هويته-، أن الحكومة بدأت في إعداد الموازنة العامة للدولة وفقا لتقدير العملة الأجنبية عند 8.25 جنيه للدولار، مقابل 7.75 جنيه في مشروع موازنة 2015-2016، وتم الطلب من الوزارات أن تعد ميزانيتها الجديدة على هذا السعر. ويعني سعر الصرف المقترح في الموازنة الجديدة، أن الحكومة ستتجه بشكل مباشر نحو تخفيض سعر الصرف الرسمي للعملة عن مستواه الحالي عند 7.7301 جنيه للدولار، في خطوة قد تجذب لها الاستثمارات الأجنبية التي هربت بعد ثورة يناير 2011، من قطاعات اقتصادية كثيرة باستثناء القطاع النفطي، غير أن المتحدث الرسمي باسم وزارة المالية، قال في بيان: "هذا إجراء روتيني يتم سنويا منذ فترة طويلة، ولا يرتبط بأي حال بحركة سعر الصرف المتداول بالسوق". وأضاف المتحدث في البيان، الذي حصلت "رويترز" على نسخة منه: "جرت العادة في أثناء إعداد مشروع الموازنة العامة للدولة، أن يتم الأخذ في الاعتبار عدة افتراضات لسعر الصرف، تعد جهات الدولة موازناتها على أساسها كأسلوب للتحوط، وعادة ما يتم تعديل هذه الافتراضات بشكل مستمر طوال فترة إعداد مشروع الموازنة". وأضاف أن البنك المركزي، لا علاقة له بتحديد هذه الافتراضات، وأن البنك لديه استقلالية كاملة في إدارة أمور السياسة النقدية. ويبلغ سعر الدولار في البنوك حاليا 7.83 جنيه، بينما يجري تداوله في السوق الموازية بأكثر من 8.60 جنيه. وتعاني البلاد من أزمة في موارد العملة الأجنبية، وتقاوم بشدة ضغوطا لخفض قيمة الجنيه، وتعمل على ترشيد مبيعات الدولار عن طريق عطاءات أسبوعية لبيع العملة إلى البنوك، ما يبقي الجنيه عند مستوى قوي بشكل مصطنع. وهوت احتياطيات البلاد من النقد الأجنبي من 36 مليار دولار في 2011 إلى نحو 16.477 مليار دولار في نهاية يناير، وهو ما يجعل من الصعب على البنك المركزي حماية قيمة الجنيه، وعندما بدأت مصر الإعداد لموازنة 2015-2016، كان سعر الدولار في فبراير 2015 يبلغ نحو 7.63 جنيه. وقال هاني جنينة من "بلتون" المالية ل"رويترز"، اليوم الإثنين: "النية موجودة والتحضيرات موجودة لخفض العملة، سواء قرارات الشهرين الأخيرين أو اجتماع المركزي مع مكاتب الصرافة". وفرضت الحكومة قيودا جديدة في الشهرين الأخيرين للحد من فوضى الاستيراد العشوائي، في ظل شح مواردها من العملة الصعبة، بهدف القضاء على الثغرات التي يستغلها بعض المستوردين للتهرب من الرسوم، وسعيا لحفظ موارد الخزانة العامة من الجمارك. ومن بين هذه القيود مطالبة "المركزي" للبنوك بالحصول على تأمين نقدي بنسبة 100%، بدلا من 50% على عمليات الاستيراد التي تتم لحساب الشركات التجارية، أو الجهات الحكومية، وأن ترسل مستندات العمليات الاستيرادية من بنك لبنك ولا دخل للعميل فى ذلك. كما أصدرت وزارة الصناعة قرارا بإنشاء سجل للشركات التي تستورد منها مصر سلعا وأدوات من الخارج، وفي نهاية يناير، أصدر الرئيس عبدالفتاح السيسي قرارا بزيادة الرسوم الجمركية، بين 500 ل600 مجموعة سلعية. وعقد البنك المركزي الأسبوع الماضي، اجتماعات مع مكاتب صرافة، لمحاولة وضع سقف لسعر الدولار في السوق الموازية. وقال جنينة: "هذا أول اجتماع من نوعه، واعتراف بوجود السوق السوداء، ومحاولة إخضاعها لآلية محددة وسقف معين لسعر الدولار لا تتجاوزه، هذه الخطوة ستضمن للمركزي أن احتياجات نحو 30% من الشركات من الدولار، والتي تأتي من السوق السوداء ستكون بسعر محدد. ويسمح البنك رسميا لمكاتب الصرافة ببيع الدولار بفارق 15 قرشا، فوق أو دون سعر البيع الرسمي، لكن من المعروف أن مكاتب الصرافة تطلب سعرا أعلى للدولار عندما يكون شحيحا. وتصدى المحافظ السابق للبنك المركزي هشام رامز بشكل مباشر للسوق السوداء، وتحدث علنا عن سحقها وأغلق عشرات من مكاتب الصرافة التي تبيع بأسعار غير رسمية، لكن مصرفيين وتجارا قالوا إن المحافظ الحالي طارق عامر الذي خلف رامز في نوفمبر الماضي، يتبنى نهجا مختلفا، إذ يحاول العمل مع مكاتب الصرافة للسيطرة على السوق. وقال مدير لأحد مكاتب الصرافة، اطلع على تفاصيل اجتماع البنك المركزي مع مكاتب الصرافة الكبرى يوم الأحد الماضي: "اتفقوا على خفض سعر الدولار (بالسوق السوداء) إلى حوالي 8.6 جنيه". وأضاف جنينة ل"رويترز" اليوم: "خطوة رفع سقف الإيداع للدولار، كانت هي بداية خفض العملة المحلية". ورفع البنك المركزي المصري في يناير، الحد الأقصى للإيداع النقدي بالعملات الأجنبية إلى 250 ألف دولار شهريا، من 50 ألفا وبدون حد أقصى للإيداع اليومي وذلك لتغطية واردات بعض السلع والمنتجات الأساسية. وذكر البنك أن السقف الجديد البالغ 250 ألف دولار أو ما يعادله بالعملات الأجنبية، يسري فقط على "الأشخاص الاعتبارية"، بغرض تلبية الاحتياجات لتغطية واردات بعض السلع والمنتجات الأساسية، ولا ينطبق على "الأفراد الطبيعيين". وقال جنينة: "لا تنسى خطوات رفع الفائدة لشهادات الاستثمار، التي كان الهدف منها سحب السيولة من السوق، إلى جانب اتفاق وزارة التموين مع بعض المتاجر على خفض أسعار السلع لفترة محددة، وهي خطوات لحماية الطبقة الفقيرة من رفع أسعار الكهرباء والمياه وخفض قيمة الجنيه". وبدأت الحكومة في الربع الأخير من 2015، توفير السلع الأساسية للمواطنين بأسعار مخفضة، من خلال سيارات تابعة لوزارة التموين والقوات المسلحة وبعض المتاجر التابعة لهما. وبلغ إجمالي واردات مصر في 2015 نحو 80 مليار دولار، وهو ما يمثل عبئا كبيرا على البنك المركزي لتوفير الدولار اللازم لتمويل عمليات الاستيراد، وسط شح الموارد الدولارية للبلد الذي يقطنه أكثر من 90 مليون نسمة. وبلغ عجز الميزان التجاري لمصر نحو 10 مليارات دولار في الربع الأول من السنة المالية 2015-2016 التي بدأت في الأول من يوليو. وعدلت المجموعة المالية هيرميس في مذكرة بحثية أمس الأحد، توقعاتها لموعد خفض الجنيه المصري من الربع الأول من 2016، إلى ما بعد ذلك، ليصل بنهاية العام إلى 9 جنيهات. وقال جنينة: "أتوقع أن يكون التخفيض خلال النصف الأول من العام، لدينا كلمة الرئيس وبرنامج رئيس الوزراء هذا الشهر أمام مجلس النواب، قد تكون هذه هي الخطوة الأخيرة ونخفض بعدها ونلجأ لتمويل دولاري من الخارج".