أصدرت المبادرة المصرية للحقوق الشخصية، اليوم، تحليلا للمواد الخاصة بحقوق العمال في مسودة الدستور، المعروض للاستفتاء غدا. ووفقا للتحليل الذي صدر بعنوان "الانتقاص بدلا من الحماية مسودة الدستور وحقوق العمال"، فإن الدستور الجديد يهدر حقوق العمال في نيل حياة كريمة أو تحقيق العدالة الاجتماعية، التي قامت من أجلها ثورة يناير في المقام الأول. وقالت فاطمة رمضان، مسؤولة ملف حقوق العمال بالمبادرة المصرية، في بيان لها اليوم: "لا يعكس مشروع الدستور ضعف ضمانات الحقوق الاقتصادية والاجتماعية وفي القلب منها حقوق العمال فحسب، بل يظهر كذلك تفريطا واسعا في حقوق كانت مكفولة بالفعل للعمال في دستور 1971". وأضافت أن تحليلها للمواد المقترحة في مسودة الدستور كشف عن اعتداء واضح على حق العمال في تأسيس نقاباتهم بحرية، وكذلك حق غيرهم من الفلاحين والصيادين والحرفيين والمهنيين، بقصر التعددية على الأحزاب والجمعيات واستبعاد النقابات، بما يناقض نص المادة 52 من المسودة نفسها، التي تنص على حرية إنشاء النقابات والاتحادات والتعاونيات، كما تجيز المادة حل النقابات بحكم قضائي، وهو ما يهدد الحرية النقابية ويمثل تعديا على معناها، بما يمثل ردة عما كان في دستور 1971، الذي قصر الحل فقط على مجالس الإدارات دون النقابات نفسها، إذ أن الحق في حل النقابة يخص أصحابها من العمال وجمعيتهم العمومية، وليس لأي سلطة أو جهة أخري أيا كانت. وتابعت أنه لم يرد في المسودة على الإطلاق ذكر الالتزام بالحق في تأسيس النقابات بحرية، بموجب الاتفاقيات الدولية التي وقعت عليها مصر، والتي تلزم الحكومة بعدم إعاقة ذلك الحق. وأوضحت رمضان أن الدولة والقائمين على صياغة المسودة كانوا حريصين على الإبقاء على اتحاد عمال مصر كما هو، ببنيته النقابية الهرمية التي تعاني الكثير من المشاكل، والتي أدت إلى تحول الاتحاد لأن يصبح ممثلا للدولة وليس للعمال، وجعلت مهمته تنفيذ سياساتها العمالية وليس العكس. وأضافت أن التحليل يشير إلى تقييد مسودة الدستور لحق العمال في ممارسة الإضراب السلمي، فضلا عن إجازة عمل الأطفال حتى في سن التعليم الإلزامي، طبقا لما ورد في المادة 70. وأكدت أنه في الوقت الذي لم تضمن مسودة الدستور حق العمل ولا حق الحفاظ عليه، نجدها من ناحية أخرى تفتح الباب واسعا أمام تقنين العمل الجبري، رغم محاولات القضاء عليه في العالم كله، وبالمخالفة للاتفاقيات الدولية التي تجرمه، ومنها الاتفاقية رقم 105 لسنة 1957 الخاصة بإلغاء العمل الجبري، التي تنص في مادتها الثانية على حظر العمل الجبري كأسلوب لحشد الأيدي العاملة لاستخدامها لأغراض التنمية الصناعية. وانتقدت المبادرة المصرية للحقوق الشخصية غياب أي ضمانات حقيقية في مسودة الدستور لوضع حد أدنى للأجور، على الرغم من المطالبات العمالية منذ سنوات، إذ أن مشروع الدستور يتحدث في المادة 14 عن حد أدنى يكفل حياة كريمة لكل مواطن، دون ذكر مقومات الحياة الكريمة التي يقصدها، كما أن المسودة قصرت تطبيق الحد الأقصى على أجهزة الدولة فقط، بينما سمحت بالاستثناء بناء على قانون، يهيئ الوضع لاستمرار منظومة الفساد القائمة ويزيد من الفجوة في الأجور، خاصة أن هذا القانون لم يضع نسبة بين الحدين الأدنى والأقصى، ولم يربط الأجور بالأسعار، بما يجعل الحد الأدنى عاجزا عن تغطية الاحتياجات الأساسية للعمال وأسرهم. ورأت المبادرة أن مسودة الدستور المطروحة لا تقدم الحد الأدنى من الحماية للعمال والمهنيين والفلاحين والصيادين بعد ثورة 25 يناير، بل إنها بالعكس تنتقص أكثر من حقوقهم وحرياتهم مقارنة بدستور 1971 الملغي، وهو ما يلقي بظلال من الشك حول مستقبل العدالة الاجتماعية في مصر ما بعد الثورة.