«العمل» تكشف تفاصيل توفير وظائف زراعية للمصريين باليونان وقبرص دون وسطاء    تحديث بيانات منتسبي جامعة الإسكندرية (صور)    الحكومة تبحث التوسع في برامج الحماية التأمينية والصحية للعمالة غير المنتظمة    لمدة 4 ساعات.. قطع المياه عن هضبة الأهرام بالجيزة اليوم    سكرتير عام البحر الأحمر يتفقد حلقة السمك بالميناء ومجمع خدمات الدهار    العدل الدولية: برنامج الأغذية أصبح عاجزا عن إيصال المساعدات إلى رفح الفلسطينية    مجلس النواب الأمريكي يعتزم فرض عقوبات على أعضاء المحكمة الجنائية الدولية بسبب الموقف من إسرائيل    الأمم المتحدة تحذر من انتشار اليأس والجوع بشكل كبير فى غزة    عمليات حزب الله دفعت 100 ألف مستوطن إسرائيلي للنزوح    إستونيا تستدعي القائم بأعمال السفير الروسي على خلفية حادث حدودي    الدفاع الروسية: 67 جنديا أوكرانيا استسلموا خلال أسبوع    نهائي دوري أبطال إفريقيا.. الأهلي يرتدي زيه التقليدي والترجي بالأزرق    عاجل.. برشلونة يلبي أولى طلبات فليك    القناة المجانية الناقلة لمباراة الأهلي والزمالك في نهائي دوري كرة اليد    عاجل:جدول امتحانات الثانوية الأزهرية 2024 للشعبتين علمي وأدبي.. كل ما تريد معرفته    الترقب لعيد الأضحى المبارك: البحث عن الأيام المتبقية    في ثاني أيام عرضه.. فيلم "تاني تاني" يحقق 81 ألف جنيه    بعد جائزة «كان».. طارق الشناوي يوجه رسالة لأسرة فيلم «رفعت عيني للسما»    بعد تلقيه الكيماوي.. محمد عبده يوجه رسالة لجمهوره    أعضاء القافلة الدعوية بالفيوم يؤكدون: أعمال الحج مبنية على حسن الاتباع والتسليم لله    «الرعاية الصحية» تشارك بمحاضرات علمية بالتعاون مع دول عربية ودول حوض البحر المتوسط (تفاصيل)    قوافل جامعة المنوفية تفحص 1153 مريضا بقريتي شرانيس ومنيل جويدة    «العدل الدولية» تحذر: الأوضاع الميدانية تدهورت في قطاع غزة    ضبط قضايا اتجار بالعملات الأجنبية بقيمة 11 مليون جنيه في 24 ساعة    بعد ظهورها بالشال الفلسطيني.. من هي بيلا حديد المتصدرة التريند؟    فيلم "شقو" يواصل الحفاظ على تصدره المركز الثاني في شباك التذاكر    متي يحل علينا وقفة عرفات وعيد الأضحى 2024؟    مبابي يختتم مسيرته مع باريس سان جيرمان في نهائي كأس فرنسا    المفتي يرد على مزاعم عدم وجود شواهد أثرية تؤكد وجود الرسل    أوقاف القليوبية تنظم قافلة دعوية كبرى وأخرى للواعظات بالخانكة    عائشة بن أحمد تكشف سبب هروبها من الزواج    محافظ أسيوط يتابع مستجدات ملف التصالح في مخالفات البناء    التنمية الصناعية تبحث مطالب مستثمري العاشر من رمضان    التعليم العالي: جهود مكثفة لتقديم تدريبات عملية لطلاب الجامعات بالمراكز البحثية    الأزهر للفتوى يوضح أسماء الكعبة المُشرَّفة وأصل التسمية    الأهلى يكشف حقيقة حضور إنفانتينو نهائى أفريقيا أمام الترجى بالقاهرة    أبرزها قانون المنشآت الصحية.. تعرف على ما ناقشه «النواب» خلال أسبوع    مدير جمعية الإغاثة الطبية بغزة: لا توجد مستشفيات تعمل فى شمال القطاع    اكتشاف فيروس إنفلونزا الطيور H5N1 في الأبقار.. تحذيرات وتحديات    وزارة الداخلية تواصل فعاليات مبادرة "كلنا واحد.. معك في كل مكان" وتوجه قافلة إنسانية وطبية بجنوب سيناء    أول جمعة بعد الإعدادية.. الحياة تدب في شواطئ عروس البحر المتوسط- صور    بالأسماء.. إصابة 10 عمال في حريق مطعم بالشرقية    الإفتاء: الترجي والحلف بالنبي وآل البيت والكعبة جائز شرعًا في هذه الحالة    "العد التنازلي".. تاريخ عيد الاضحي 2024 في السعودية وموعد يوم عرفة 1445    الشرطة الإسبانية تعلن جنسيات ضحايا حادث انهيار مبنى في مايوركا    وزير الري: إفريقيا قدمت رؤية مشتركة لتحقيق مستقبل آمن للمياه    تعشق البطيخ؟- احذر تناوله في هذا الوقت    الإسكان تتابع جهود قطاع المرافق لتعظيم الاستفادة من الحماة المنتجة من محطات معالجة الصرف الصحي    أبرزها التشكيك في الأديان.. «الأزهر العالمي للفلك» و«الثقافي القبطي» يناقشان مجموعة من القضايا    الأكاديمية العسكرية المصرية تنظم زيارة لطلبة الكلية البحرية لمستشفى أهل مصر لعلاج الحروق    مران صباحي ل«سلة الأهلي» قبل مواجهة الفتح المغربي في بطولة ال«BAL»    الإسكان: تشغيل 50 كم من مشروع ازدواج طريق «سيوة / مطروح» بطول 300 كم    رئيس الأركان يتفقد أحد الأنشطة التدريبية بالقوات البحرية    "التروسيكل وقع في المخر".. 9 مصابين إثر حادث بالصف    "تائه وكأنه ناشئ".. إبراهيم سعيد ينتقد أداء عبدالله السعيد في لقاء فيوتشر    النشرة المرورية.. سيولة فى حركة السيارات على محاور القاهرة والجيزة    حظك اليوم برج العقرب 24_5_2024 مهنيا وعاطفيا..تصل لمناصب عليا    خالد جلال: جوميز ركز على الكونفدرالية فقط.. وهذه نصيحتي لفتوح    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.




نشر في الوطن يوم 23 - 01 - 2016

يعتقد مرتزقة «25 يناير» أننى أكرهها ولا أعترف بها وأراها جزءاً من مؤامرة كونية حقيرة يسمونها «الربيع العربى».. لأننى من «أبناء مبارك» الذين أكلوا على موائده، ولحم أكتافهم من خيره!. لن يضيرنى، ولم أكن لأخجل من إعلان انتمائى لمبارك والتباهى بأننى «ابن عصره وأوانه»، وفى تاريخ الرجل ما يشفع له: «اللى يشوف بلوة مرسى تهون عليه بلوة مبارك»، فكل أخطاء مبارك تهون إلى جوار حقيقة أن «مرسى أول رئيس مدنى منتخب.. خائن». لكننى لست كذلك: لا كنت ولا سأكون، والشواهد كثيرة، ومثبتة بسلسلة مقالات كتبتها فى جريدة «المصرى اليوم»، بدءاً من العام 2006 وحتى اندلاع المظاهرات فى ذلك اليوم المشئوم. كتبت مهاجماً مبارك بشكل شخصى، ومهاجماً نظام حكمه ورؤوس هذا النظام، وكان خطابى فى هذه المقالات سافراً ومباشراً وعدائياً إلى حد أننى كثيراً ما كنت أنام خائفاً، موسوساً، بينما كان هؤلاء المرتزقة يتسكعون فى شوارع وحوارى القاهرة، أو يقزقزون حكاياتهم التافهة وأوهامهم الثورية على مقاهى وسط البلد، أو يتدربون فى صربيا وأمريكا اللاتينية على إسقاط الدولة!. لم يكن لى مغنم شخصى: لا ساومت، ولا «لعبت» بذيلى. لا نفخت جيباً ولا صعدت سلماً. كنت فقط، ومن موقعى ككاتب صغير، أجتهد مدافعاً عن البلد الذى أتشرف بالانتماء إليه، وعن المواطن الذى أحمل جينات فقره وصبره وخياله المبدع. لم أترك لمرتزقة 25 يناير ثغرة يهاجموننى منها، ولم يعثروا فى سيرتى (المهنية والشخصية) على شاردة أو واردة يتكئون عليها حين هاجمت «ثورتهم المجيدة» وأسهبت فى فضحها وفضحهم، وكان بينهم من يهدد بمقاضاتى ويتوعدنى بالسجن والملاحقة، لكن أحداً منهم لم يجرؤ على ذلك.. وهو ما كان يثبت لى دائماً أننى على صواب، وأنهم على خطأ. ولأنهم مغرضون ومزيفون وأصحاب أجندات، وإناؤهم ينضح بما فيهم، انتابتهم حيرة وتملكهم غيظ: كيف تهاجم مبارك.. وتهاجم الثورة التى أطاحت بمبارك فى الوقت نفسه؟!. وكانت إجابتى: «مصر». كيف تشيد بشباب هذه الثورة فى أيامها الأولى ثم تنقلب عليها وعليهم بعد ذلك: تصفها بأنها «مؤامرة»، وتصفهم بأنهم «مرتزقة»؟!. وكانت إجابتى: «مصر». هاجمت مبارك ونظامه لأن الفساد (السياسى والاقتصادى).. «أصبح للركب» كما قال رجله القوى زكريا عزمى، ولأننى تصورت أن مصر ذاهبة إلى مجهول. وهاجمت «25 يناير» ومرتزقتها لأن الأيام أثبتت لى ولكثيرين غيرى، وبأسرع مما ظن أكثرنا تشاؤماً، أنها مؤامرة.. صوتاً وفكراً وصورة.
فى الأيام الأولى ل«25 يناير»، عندما كنت خارجاً من يأس وإحباط ثلاثين عاماً، كتبت:
(كان زملاء وأصدقاء وقراء عاديون يسألوننى: لماذا لم تعد تكتب؟. فأقول: لا أجد موضوعاً «يستفزنى». ثم إننى أصبحت مقتنعاً تماماً بأن السمكة تفسد من رأسها. أصبحت مقتنعاً بأن إصلاح ماسورة مجارى فى نجع صغير على حافة جغرافية مصر لا بد أن يبدأ بإزاحة حسنى مبارك واقتلاع نظامه، وكنت أندهش لأن 99% من مقالات الرأى تتجاهل فساد الجذر وتبحث فى فساد الفروع. كنت أنظر فى وجوه المصريين فأرى صور «موتى» تتعقب نعوشاً خاوية، ثم ما إن يصطدم كتف أحدهم بكتف الآخر حتى يندلع الشر فى عينيه ويخرج أسوأ ما فيه. كنت أراقب وأترقب ولا أرى أملاً أو جدوى من الكتابة بعد أن تبين لى أننا نكتب لندخل «مداراً طبقياً» جديداً: نحمل فقراءنا على أكتافنا فى البداية، ونضغط بهم على نخبة الحكم (سياسيون أو رجال أعمال أو كلاهما)، ثم نساومهم، ثم نبتزهم، ثم نرفع الغطاء لكى لا ينفجروا فى وجوهنا. كنت أتحسر وأنا أرى نظام حسنى مبارك «يشفط» نخاع المصريين وهم لا يُحركون ساكناً. كنت أقشعر وأتساءل فى أسى: متى يثور المصريون، وماذا لديهم ليخسروه؟).
وكتبت، عندما كنت مخدوعاً ككثيرين غيرى:
(كانت أياماً مشهودة. الموت يتفشى بين حشود المتظاهرين. من لم يقضِ قنصاً دهسته سيارة. مئات العيون والصدور فُقئت وانتهكت، لكن الغناء لا يتزعزع: «الشعب يريد إسقاط النظام». المشاعر تتبدل بين ساعة وأخرى: من ذهول إلى فرح، ومن ترقب إلى إحباط، ومن زهو إلى شك.. وما من يوم يمر بلا بكاء. بكينا كثيراً، نحن الجالسون فى بيوتنا نربى أبناءنا ونحمى مكتسباتنا ونتفرج على «صورة الثورة» من عين سحرية فى باب ب«ست سكات» وشنكل بسلسلة وثلاثة ترابيس. بكينا بحرقة وحرية كأننا نستعيد عزيزاً أخذوه منا عنوة وأمام أعيننا. كنت أبكى. ومن وراء غلالة الدموع أراقب الحشد فى الميدان فلا أرى أحداً بعينه، ولا أسمع أحداً بعينه. تتسع زاوية الكاميرا فتبدو تلك الألوف المؤلفة كجدارية، يتلاصق حصاها (أجساد البشر) وقد اصطف دوائر غير مكتملة، تسدها حيناً ضمادة جرح، وحيناً يسدها غناء المتظاهرين.. وفى المركز دائماً رهط يصلى. وبعيداً، إنما بحذر، تستقر دبابة مثل قط أليف يقاوم النعاس، ويتمسح فى ابتسامة تحت خوذة. وإذ تضيق الزاوية تسفر الوجوه عن هوية واحدة، لا مكان فيها لدين أو مذهب أو طائفة، ولا صوت يعلو فوق صوت «الشعب.. يريد.. إسقاط النظام»).
وكتبت من بين أنقاض، وأدخنة الخراب تحجب الرؤية:
(مصر تحترق ونحن نمصمص ونجز على أسناننا ولا نفعل شيئاً. مصر تحترق والمصريون غارقون فى عسل الثورة. كراهيتنا لنظام مبارك تمنعنا من القول بأن هذه الثورة فشلت. مصر تحترق أمام عيوننا ولا أحد فينا قادر أو راغب أو مهتم بإطفائها. كل واحد مشغول ب«حصته» من الكعكة.
وحين أفقت من غيبوبتى، أخذت نفساً عميقاً وكتبت بلا مواربة:
(الآن.. أسمعك وأنت توسوس فى أعماقك: «ولا يوم من أيامك يا مبارك». أسمعك توسوس بها وأنت تربط حجراً حول وسطك، وتهرول ك«عبيط القرية»: من طابور عيش إلى طابور حرية إلى طابور عدالة اجتماعية. أسمعك توسوس بها وأنت حزين، قابع مثل «قمقم تحت بحر الضياع»: كهرباؤك مقطوعة، وطريقك مسدود، و«سيناؤك» منتهكة، و«طماطمك منجة»، وتليفزيونك «عبدالمقصود»، وفضاؤك «وجدى غنيم»، وزبالتك تحت سريرك، والبلطجية فوقه.. بينما رئيسك وحكومتك و«حريتك وعدالتك» و«نور» سلفييك مشغولون عنك بتغيير هويتك: من الجهاد فى سبيل «المادة الثانية» إلى فبركة صور إلهام شاهين!. أسمعك توسوس بها، لكنك لا تريد أن تقولها صريحة، مدوية، لأن كلمة «ثورة» أصبحت سيفاً على رقبتك، حتى إنك لا تريد أن تسأل نفسك من الذى سماها «ثورة»: شباب ال«فيس بوك» الذين نزلوا إلى الميدان ب«ثأر خالد سعيد»، أم نخبتك التى تأكل على كل الموائد ولحم أكتافها من نظام مبارك، أم قناة «الجزيرة» وعاصمتها «قطر»، أم «الإخوان» الذين يجلسون على ضفة النهر منذ ثمانية عقود فى انتظار الجثة؟. من الذى سماها، ولماذا سميت «ثورة»: مجازاً أم نفاقاً أم انسياقاً أم حفاظاً على مكاسب قديمة أم قفزاً على مغانم جديدة.. أم لأنها فى ظاهرها وجوهرها.. مؤامرة؟).


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.