حمل حقيبة صغيرة على ظهره، بها ما يكفى لمبيت ليلة أو ليلتين على الأكثر، ودّعته أمه بأعلى صوتها قبل أن تفقده من كثرة الصراخ «خد بالك من نفسك يا ابنى»، ربتت على كتفه بعد أن أعطته ما يحتاج من نقود تكفى مشوار السفر من طنطا إلى القاهرة، أغلقت بابها وانطلق «أحمد» فرحاً بعد موافقة أمه على زيارة أخته وخالته بالقاهرة، استقل مواصلاته كما حفظها من قبل، قضى يومه مع أخته ثم جاء الدور على خالته بمدينة نصر، معرفة «أحمد» بالقاهرة تتوقف عند ميدان التحرير حيث كان يعتصم مع أصحابه، لذا كان من السهل أن يضل طريقه عندما رفض سائق الميكروباص إنزاله حيث حفظ بسبب خوفه من الاشتباكات والمسيرات فتوقفت محطته قبل نهايتها. نزل الطفل ذو ال15 عاماً، لا يعرف أين هو أو كيف يذهب إلى منزل خالته، قصد أحد المارة ليسأله، وبعد «وصفة» طويلة وجد نفسه يمر بزحام لا ينتهى، ومعركة ضارية بين طرفين «جنب كله بدقن وفيه رجالة كبار، وآخر أغلبه شباب» وهو بين هؤلاء ما زال يسأل: «ازاى أروح مدينة نصر». القدر وسوء الحظ قادا أحمد رفعت السعيد إلى أن يذهب بقدميه إلى الاتحادية دون قصد، كلما حاول الهروب فى شوارع جانبية وجد بها اشتباكات ودماء «ملقتش مفر من إنى أدخل فى الزحمة عشان الطوب مايجيش فىّ لحد ما أشوف شارع مفتوح اقدر امشى منه من الجحيم اللى هناك». والدة «أحمد» بدأت تشعر بالقلق، ابنها غادر منزل شقيقته منذ أكثر من ساعتين، بدأت فى الاتصال به، يجيبها مرة ويتجاهلها مرات، حاول إخفاء الأمر عليها «أنا تُهت بس باسأل وهاوصل لخالتى».. ما زال يسأل الشباب عن طريق للهروب، وخالته يئست من وصف طريق لمنزلها لأنها لا تعلم أين هو، أخبره رجل مسن «الوصفة الأخيرة» لمدينة نصر، بحسن نية بدأ الشاب فى التحرك، عبر آمناً فى منطقة وجدها خالية من الاشتباكات، ولكنها فخ صنعه «الإخوان» للقبض على كل من يأتى من «جانب الأعداء» على حد وصفهم، قال عنها «أحمد»: «مكان فيه خيم وناس قاعدة ع الرصيف وعربية أمن مركزى على مرمى البصر، كلها مؤشرات حسستنى بالأمان، مشيت ومجرد ما عديت من الزحمة لقيت حد بيمسكنى ويسحبنى لشارع جانبى قبل ما حد يشوفه» وبدأت معركة أخرى حاول الصغير تحملها ولكن دون جدوى. يلتقط «أحمد» أنفاسه ليتذكر أصعب ساعات عاشها فى حياته «مش عارف أبدأ منين، من أول ما مسكونى كأنى جاسوس أو يهودى وهم يهتفون الله أكبر، أم من أول قلم أو شلوت أصابانى بصدمة من رجل مسن لا أكاد أرى وجهه من لحيته، ومن بعدها مابقتش قادر أعد أو أعرف منين جتلى الضربة، مجموعة من الشباب شاركت الرجل فى الجهاد على جسمى، ضرب وسحل فى الأرض وماحدش بيسمعنى، حلفتلهم أكتر من مرة إنى ماعملتش حاجة أنا تايه مش أكتر، ولا حياة لمن تنادى، حاولت حماية وجهى من السحل فغطيته بحقيبتى، وفجأة لم يعد الضرب بالأيدى والأرجل فقط، جاء أحدهم بمطواة أصابنى فى رأسى وآخر بشومة ومدّونى على رجلى وضهرى، لحد ما لقيت نفسى بتسلم لعربية الأمن المركزى اللى معرفش أنا وصلتلها ازاى من كتر السحل والضرب». بدأ «أحمد» مشواراً آخر لا يتحمله صغر سنه، سيارة أمن مركزى مكتظة بالشباب المسحول.. «حمدت ربنا إن حالتى رغم الدم اللى نازل من رأسى وجسمى اللى مش عارف أقف عليه أحسن من اللى حوالىّ»، وصل إلى معسكر الجبل الأحمر وبعد «تشريفة» الضرب على «القفا» بدأ المجندون فى رش المياه عليهم «الجو كان تلج وكل واحد فى جسمه ألم وجرح لا يحتمل، وعشان نتحرك بسرعة رشونا بالميه الساقعة، ومن بعدها بدأت رحلتنا بين نيابة مصر الجديدة أو غرفة الحجز أو العودة مرة أخرى للجبل الأحمر، رحلة لا يتوقف فيها ضرب القفا وعدم الرحمة بآثار الضرب على أجسادنا، إلى أن جاءت محامية وأمرت بالإفراج عنى لعدم وجود تهمة ضدى». تلتقط الأم أطراف الحديث محاولة إظهار كلماتها من أحبال صوتية دمرها الصراخ على ابنها.. «لفيت على ابنى فى كل حتة، شوية يقولولى راح سجن طرة، وبعد ما رحت هناك المأمور أكد لى ان ماحدش جه، ومن نيابة مصر الجديدة لسؤال الضباط بالجبل الأحمر رحلة صرخت فيها فى وش كل واحد أقولهم ابنى طفل ملوش ذنب ازاى يتقبض عليه، وبعد لف 4 أيام خرج وأخدته فى حضنى». يعتزم «أحمد» تقديم بلاغ ضد هشام قنديل ومحمد مرسى وخيرت الشاطر ومحمد بديع.. «مش هاسيب حقى من الإخوان والمسئولين، أنا اتضربت واتحبست بسبب شوية دقون، وهاقدم تقرير الطب الشرعى بحالتى لتأكيد ظلمهم لى». أخبار متعلقة: «الوطن» ترصد حكايات أسرى «الاتحادية» «شادى» طالب الإعلام المصاب ب106 طلقات خرطوش: نزلت بسبب الاعتداء على السيدات حسين.. مهندس أصيب فى الأحداث: الإخوان هم «المستفيد الوحيد» من الفتنة الحالية رامى .. طبيب يسارى شارك فى علاج المصابين فاعتقله «الإخوان» أملاً فى اعتراف ضد «صباحى» «عبد الحكيم»: ضربونى بالشوم وهتفوا: «مرسى وراه رجالة» وعندما توسلت لطبيبة أن تعالج كتفى ركلتني