بصدر جريح وخاطر منكسر وبال مهموم يجوب فى شوارع مصر الجديدة، يتحسس الخُطا بنظرات مُتفحصة، بعزم ضعيف، يدفع عربة خشبية هى كل رأسماله تحتوى على عدة جرائد قديمة و«نجفة متهالكة»، «روبابيكيا.. بيكيا» نداء يردده «صبحى بيومى عيد» مُتحاملاً على نفسه ومُلتقطاً أنفاسه، متجاهلاً آلامه التى يصارعها منذ شهور طويلة، بالقرب من قصر الاتحادية يعيش الرجل الأربعينى فى عالم آخر منفصلاً عن التظاهر والضرب والهتاف: «عالم البحث عن لقمة العيش».. الاشتباكات والأحداث الدائرة منذ أيام فى شوارع الحى الراقى يقف أمامها صبحى رافضاً شراء الأشياء والبضائع المشكوك بأنها مسروقة: «مش بحب أشترى حاجة من الشباب ربما تكون مسروقة من محلات الناس، لأنى معرفهمشى»، إيمان «جامع الروبابيكيا» يسبق قناعته: «اللى ييجى من عند ربنا أحسن.. وهوه عنده كتير»، ابن منطقة المطرية المريض كان منذ أيام تحت رحمة ربنا ثم أطباء قسم الأمراض الصدرية: «عامل عملية تقشير على الرئة.. ولسه خارج من المستشفى بقالى 7 أيام ولازم أنزل الشغل عشان أعرف أجيب لقمتى»، لديه 5 أبناء.. يخشى عليهم من أحوال البلد وغدر الزمان: «ماقدرش أقول على اللى بيحصل غير إنه قلة أدب ومفيش حد غلطان من الفريقين لأن الاتنين مصريين.. ومينفعش اللى بيحصل ده». «أنا بسرح عادى كل يوم سواء الدنيا هادية أو لأ.. ومليش فى السياسية خالص»، يقولها «صبحى» وهو متكئ على ذراع العربة الخشبية، مؤكداً أنه منذ ثلاثة عقود يعمل بالمنطقة وله زبائنه من سكانها الراقين: «بيتصلوا بيا لو اتأخرت وماجتش»، يشكو جامع الروبابيكيا قلة الدخل بسبب الثورة: «الحال واقف من أيام الثورة وبقالى سنة ونص مادفعتش نور ولا مياه وهعمل إيه يعنى.. كفاية أكفى نفسى وعيالى أكل بس»، صوته الخافت لم يمنعه من طلب كشك أو مشروع يُغنيه عن مهنة الروبابيكيا ومخاطرها وقلة دخلها: «بجرى على معاش السادات.. وربك يسهل».