لم يحدث أبداً أن ندمت على قرار اتخذته أو فعل قمت به، قدر ندمى الآن على أننى انضممت بمحض إرادتى إلى حشود المغفلين المثاليين الذين أعطوا أصواتهم للدكتور محمد مرسى، فى انتخابات الإعادة بينه وبين الفريق أحمد شفيق. كنت قد كتبت مقالاً بعد ظهور نتيجة الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية بعنوان «بين الكوليرا والطاعون».. وظهرت فى عدد من البرامج التليفزيونية تحدثت فيها عن المأزق الخطير الذى ساقنا إليه «لاعب» غامض تلاعب بنا جميعاً، ووضعنا أمام خيارين: إما مرشح جماعة الإخوان التى يحفل تاريخها بالخيانة لكل القيم الإنسانية والنضالية، وإما واحد من رموز نظام مبارك الذى فرحنا بخلعه وتوهمنا أننا تخلصنا من فساده. أيام طويلة قضيتها حائراً بين الخيارين، وكنت كثيراً أنتهى إلى خيار المقاطعة.. ولكننى كنت أعود فوراً إلى متاهة «مرسى أم شفيق؟» تحت ضغط الإحساس بأن المقاطعة ستصب فى صالح إعادة إنتاج نظام مبارك. وأعترف الآن أننى لم أحسم أمرى إلا بعد أن شاهدت أرفع وأنبل رموز القوى الوطنية يصطفون خلف «مرسى» فى ميدان التحرير، ورأيت مرسى وهو يقطع على نفسه عهوداً على مرأى ومسمع من الشعب المصرى كله، والمؤلم أننى صدقته وهو يقسم بأغلظ الأيمان ويتعهد تحت سماء الله وفى الميدان الذى سالت فيه أطهر الدماء دفاعاً عن حق المصريين فى الحرية والعدالة الاجتماعية، ودفاعاً عن حق مرسى وجماعته ومكتب إرشاده فى العيش بحرية وكرامة.. نعم صدقته وهو يقسم على أنه سيقيم دولة مدنية حديثة وسيعيد تشكيل اللجنة التأسيسية لإنتاج دستور عصرى لا يفرق بين مسلم ومسيحى، ويقيم التوازن بين السلطات الأساسية وصدقته وهو يشهد الله والشعب المصرى كله على أنه سيعين رئيساً للوزراء من القوى الليبرالية وأن وزارته لن تكون «إخوانية»، وصدقته وصوته يتهدج حزناً وألماً وهو يتعهد بالاقتصاص لكل شهداء الثورة. يومها حسمت أمرى وقررت أن أنتخب محمد مرسى رئيساً للجمهورية، وأعلنت ذلك فى مقال منشور على موقع «الوطن»، وفى برامج تليفزيونية عديدة، وما أن عرفت شقيقتى نادية التى تصغرنى خمسة عشر عاماً موقفى، حتى انتابتها حالة غضب هيستيرى ولأول مرة فى حياتى وحياتها أتعرض لهذا السيل الجارف من «شتائم» هذه الأخت الرائعة المهذبة والأكثر حناناً ورحمة بكل من تعرفهم أو يعرفونها، ظلت نادية تتوسل إلىّ باكية أن أتراجع عن قرارى، اتهمتنى بالجهل واضطراب الوعى بل وانعدام النخوة.. وعندما سألتها عن علاقة النخوة باختيارى لمحمد مرسى أخبرتنى بأنها تعرضت فى انتخابات مجلس الشعب عام 2005 لإهانات بالغة طالت عرضها من أعضاء جماعة الإخوان المسلمين لمجرد أنها تقوم بدعاية انتخابية لشقيقنا محمود، الذى كان أحد المرشحين المستقلين فى هذه الانتخابات ضد مرشح الحزب الوطنى وضد مرشح الإخوان أيضاً. آنذاك قلت لها: هذا موقف شخصى لا ينبغى أن ينسحب على اختياراتنا فى الحياة وفى السياسة، وخلال الشهور الماضية من حكم الإخوان تأكد لى أن أختى كانت على حق، وأن الموقف الشخصى الذى لم أدرك قيمته ودلالته كان هو ذاته التاريخ الأسود لهذه الجماعة التى استباحت دماءنا وأعراضنا، وتهدد الآن بتقديم آلاف «الشهداء» فى معركتها ضد الشعب المصرى كله. الآن أقر وأعترف أننى كنت مثالياً تافهاً، عندما تصورت أن رجلاً عاهد الشعب كله لن يجرؤ على الحنث بعهده.. ويكاد الألم يعتصر كيانى كله لأننى شريك أساسى فى كل قطرة دم سالت وسوف تسيل فى معركة ميليشيات خيرت الشاطر ضد الشعب.