د. جمال زهران لعل أهم إنجاز للشعب المصري في هذه الانتخابات الرئاسية هو وقف تنامي القوي المضادة للثورة، وتجسد ذلك في السقوط المدوي لرمز هذه القوي، وواجهة النظام السابق الذي ثار ضده هذا الشعب، وهو أحمد شفيق. فلم يكن متصوراً أن يأتي أحد رموز النظام السابق ليجلس مكان حسني مبارك وكأن الثورة لم تحدث بعد. كما لم يكن متصوراً من الأصل أن يترشح أحمد شفيق وغيره من رموز العهد البائد المستبد والفاسد وهو عهد حسني مبارك المخلوع الذي استمر رئيسا للبلاد ثلاثين عاما، وكاد أن يورث السلطة لنجله بعد أن جعل نجليه من أغنياء مصر والمنطقة العربية وثرواتهما وحدهما تعدت 002 مليار جنيه »53 مليار دولار« في أقل التقديرات بالطرق غير المشروعة. ولو حدث ان أصبح »شفيق« باعتباره أحد رموز النظام السابق رئيسا للبلاد، لتكرر نموذج رومانيا، ولتفجرت أعمال عنف في البلاد يمكن أن تكون مقدمة لحرب أهلية واسعة النطاق، بسبب إصرار القوي الرسمية في الدولة علي دعمه وتهيئة أسباب إنجاحه وليس نجاحه. إلا أن الشعب المصري لقن الجميع درسا جديداً، مؤكداً من جديد فشل كل المحاولات لغسيل أدمغته، مهما حاولت القوي المضادة لثورة الشعب من خلال وسائل إعلامها المزيفة للوعي. وفي المقابل، ليس د. محمد مرسي، هو الرئيس المثالي، ولكنه رئيس بإرادة الشعب بعد أن قهر النظام السابق وأسقط شفيق. وقد سبق طوال الأسابيع الماضية أن دعوت للمقاطعة الشاملة لهذه الانتخابات بعدم الذهاب، بينما اجتهد آخرون بخيار »مبطلون« للأصوات، واتهمنا ممثلو كل من حملة شفيق ومرسي، بأن المقاطعة والإبطال تخدم الطرف الآخر، فأدركنا اننا الخيار الوطني الثوري الذي لا يعمل سوي للصالح العام. فقد كان غرضنا الأساسي هو نزع شرعية الرئيس القادم بحيث لا ينجح إلا بأصوات قليلة حتي يكون في حاجة للشعب، وتستمر الحالة الثورية علي عكس حصول هذا المرشح أو ذاك علي أغلبية كاسحة يمكن أن تؤدي إلي اجتثاث الثورة والثوار. وجاء موقف المقاطعة الذي نجح تماما سواء بعدم المشاركة من الأصل، أو بالذهاب مع ابطال الأصوات، متسقا مع رفض كل من المرشحين »شفيق، ومرسي«. والحمد لله ان جاءت إرادة الشعب ضد النظام السابق، ليتأكد ان الشعب في غالبيته مازال يقدر ثورته ويخلص لها برفض النظام السابق، وتعامل مع الواقعة مؤقتا بانتخاب د. محمد مرسي، ليكون البديل المؤقت للنظام السابق إلي ان ينتهي ذلك النظام للأبد بإذن الله. ويؤكد موقف الشعب المصري بعد الإعلان السريع لنتائج الفرز الأولية بفوز د. مرسي، ليؤكد حقيقتين: الأولي: توافق يقترب من الاجماع بانتصار الشعب ضد نظام مبارك ممثلا في شفيق ومجلسه العسكري الداعم له. الثانية: الاختلاف حول نجاح د. مرسي، باعتباره رمزا من رموز الاخوان، ورئيس حزب الحرية والعدالة، حيث ان الاجماع بشأن إسقاط النظام السابق ونجاح الثورة عليه، لا يقابله الاجماع علي نجاح مرسي كبديل للنظام السابق. ومن ثم فإن الحقيقة الثانية تعكس حالة الاختلاف إلي حد الشقاق والانقسام في صفوف الشعب المصري إزاء بديل الاخوان المسلمون، ويفرض هذا الوضع تحديات جسيمة علي الرئيس محمد مرسي، في مقدمتها الوعي بهذا الانقسام الشعبي حول شخصه باعتباره رمزاً للاخوان المسلمين في هذه المرحلة، الأمر الذي يقوده إلي خيارات التصرف والتحرك والمبادرة بسلوكيات قومية وخيارات واضحة تترجم متطلبات الثورة. علي العكس من ذلك لو انطلق الرئيس الجديد من أن الاخوان وانصارهم هم الذين أتوا به، ومن ثم سيعمل من أجلهم فقط حفاظا علي استمرارية التأييد والمناصرة، دون ان يعمل لصالح الشعب كله والوطن حتي لو كان ذلك غير متوافق مع جماعة الاخوان وأنصارها، فإن الرئيس مرسي يكون قد حفر »قبره« الشعبي بنفسه وعزل نفسه عن الشعب، وهو ما يعد مقدمة للتخلص منه في أقرب وقت. علي الجانب الآخر فإن القوي الثورية ستقف منه موقفا متشدداً حتي يضع أجندة الثورة في مقدمة جدول أعماله، ويترجم بذلك ما كان يقوله في دعايته الانتخابية انه مرشح الثورة الذي يقهر الفلول باسم الثورة، ومن ثم فإن التحدي المهم في هذا السياق يتركز في مدي قيام د. مرسي »الرئيس الجديد« بتبني جدول أعمال الثورة لخلق حالة التوحد بينه وبين الثورة في كيان واحد، فتصبح شرعيته الجديدة هي شرعية الثورة بعد حالة الاختلاف عليه طوال الفترة القادمة. وفي ضوء ما سبق، يمكن القول بأن نجاح د. مرسي الحقيقي ليس في وصوله لكرسي الرئاسة، ولكن في إثبات دائم بأنه أحد القوي الأساسية للثورة من خلال انتمائه للجماعة المشاركة في الثورة، وعليه أن يبذل كل جهده من احتضان القوي الثورية والاستجابة لمتطلباتها وبسرعة حتي تترسخ حالة من المطأنينة المشتركة، من خلالها يتم توظيف كل الجهود المشتركة وتوجيهها نحو هدف واحد وهو الهدف الرئيسي للثورة »إسقاط النظام«. فلا يجب ان ننسي شعار: »الشعب يريد إسقاط النظام«، ولم يكن يريد عزل حسني مبارك فحسب، وعلينا ان نتذكر ان حسني مبارك ونظامه لايزالون يعملون ويوظفون المليارات التي نهبوها من الشعب في ضرب الثورة. فإما ان يسقط نظام مبارك وتنتصر الثورة بالضربة القاضية، وإما فالقوي المضادة سيكون لها الغلبة من خلال أدواتها التي تعمل بلا كلل طوال 61 شهراً متصلة، ولعل التعبئة من رموز الحزب الوطني المنحل ونظام مبارك الجالسين حاليا والمعزولين حول شفيق، يثبت أن هؤلاء يحتاجون إلي الاجتثاث من الجذور وليس من السطح، حتي لا يكون لهم وجود أبدي. وأخيرا ليس أمام د. محمد مرسي من خيارات سوي الالتحام بقوي الثورة الشركاء، وإلا فإنه سيدفع الثمن امتدادا لحل البرلمان »مجلس الشعب«، ولن نكون سعداء بذلك، بل سعادتنا في انتصار ثروتنا، ومازال الحوار مستمرا ومتصلا.