تتكئ على ذراع ابنتها، لا تخشى المشهد لكنها تتلفت يميناً ويساراً فلم تتوقع أن ترى يوماً هذه الحشود حول القصر الجمهورى، فقد كان آخر عهدها بالثورات ثورة يوليو 1952 حين استمعت إلى صوت السادات يأتيها عبر الراديو «اجتازت مصر فترة عصيبة فى تاريخها الأخير» فى ذات الشرفة التى رأت منها حشود الاتحادية «حسه إنى هاسمع صوت السادات تانى بيقول نفس الجملة»، السيدة «قدرية علام» تخطت الثمانين لكن أناقتها ورقيها لم يغادرا الثلاثين. أول مرة لها فى وسط «الثورجية».. شعور جميل تصفه السيدة الثمانينية «حفيدى ثورى من يوم 25 يناير وهو فى الميدان كنت بقوله ارجع مافيش فايدة، النهارده عرفت إنه فى فايدة أكيد»، ابنتها التى شارفت على الستين تسير إلى جوارها معتدة بنفسها فخورة بابنها فى «التحرير» وبأمها الثمانينية التى يتابعها كثيرون أثناء تجوالها فى ميدان الاتحادية «ماما النهارده لما نزلت إدت دفعة لشباب كتير»، تتذكر مقولة والدتها هذا الصباح وهى تعد لها طعام الإفطار «اعملى حسابك يا سعاد إننا هننزل النهارده الاتحادية الولاد اللى ماتوا قدام البيت صعبوا عليّا أوى»، شرفتها المطلة على ميدان روكسى فى شقتها الإيجار القديم لم تغلقها كغيرها ممن أغلقوا شرفاتهم خوفاً وذعراً فى يوم «الأربعاء الأسود».. «قعدت اصرخ فى اللى هاجمين على الولاد الصغيرين وأقولهم سيبوهم حرام عليكو ما كنتش عارفة القسوة دى جايبينها منين عشان إيه.. قالولى دول الإخوان المسلمين، فرديت عليهم قلت لهم دول الإخوان «المسلحين» عشان كده قررت آجى النهارده»، لم يكن قرارها المفاجئ صباح الجمعة فقط من أجل من قتلوا فى ذلك اليوم ورأتهم بعينيها أمام منزلها «والدى الله يرحمه كان وكيل محكمة النقض، مستشار قديم يعنى، واللى بيحصل فى القضا مزعلنى أوى وبيخلينى أندم على أيام فاروق».