يوم ملبد بالغيوم، استيقظت فيه «سعاد» من نومها مقررة أن تقص شعرها المميز بطوله بين شقيقاتها، مرتدية سترتها الممزقة فوق العباءة الملونة، وشالاً يحمى جسدها النحيل من برد الشتاء، وفى يدها أكياس «مناديل»، لم تشغل بالها بنظرات الناس لفتاة لم تتعدّ ال16 عاماً، اختارت أن تشبه الرجال بعد تقصير شعرها، حتى لا تتعرض لمواقف تحرش فى الشارع، كما اعتادت من قبل. تعمل بائعة مناديل للإنفاق على والدها المريض وشقيقاتها الثلاث منذ أن كانت فى العاشرة من عمرها، تعرضت سعاد أحمد معروف، لواقعة تحرش كادت أن تسلب شرف العائلة «اللى ملناش غيره» -وفق قولها- أثناء بيعها «المناديل» بقريتها البسيطة بالجيزة، فاستطاعت «سعاد» أن تحمى نفسها بمحض الصدفة ب«موس» لا يفارق جيبها، وتخرج من الحادثة سليمة، فتقول: «تعرضت لأكتر من موقف تحرش من رجالة ناقصة، وفى كل مرة تحصل لما ببقى فى الشارع ببيع المناديل للناس، ومن يوم ما نزلت الشارع زى اخواتى عشان أشتغل وأصرف على أبويا المريض من بعد ما أمى ماتت، بقيت أشيل أى حاجة أدافع بيها عن نفسى»، وتقول: «الناس شايفانى ضعيفة، والحتة عندنا مفيهاش أمان، والناس اللى فيها وحشة، عشان كده فكرت إنى أحلق شعرى فى الأول وأبويا رفض عشان مش هيجيلى عرسان، فقصرته زى الرجالة عشان الناس تشوفنى ولد لما أبيع فى حتة معرفهاش». تعيش «سعاد» فى حجرة بقرية الودى بالجيزة، مع والدها المريض وشقيقاتها، تعانى من إيجارها الباهظ تارة ومحاولات صاحب العمارة طرد أسرتها تارة أخرى، لكنها تحاول أن تسدد 230 جنيهاً شهرياً: «مبقاش فيه رحمة، وانا الكبيرة وبعدى 3 بنات غيرى، بصرف عليهم بعرق جبينى». قرار قص شعرها كان الأكثر صواباً، بعد نزولها الشوارع ل«أكل العيش»، وحيرة المارة فى شكلها: «كنت الأول بلبس طرحة بس بردوا كانوا بيضايقونى، لكن لما قصيت شعرى وبلبس لبس الولاد ناس كتير بتشك إنى ولد، ومش كتير بيبصوا ليا زى الأول، وطلعت برة مكان بيتى وبقيت أشتغل فى شوارع بعيدة عشان محدش يعرفنى ولا يتحرش بيا».