رفض قانونيون وقضاة بيان الرئاسة الذى أُعلن عقب انتهاء اجتماع الرئيس محمد مرسى مع مجلس القضاء الأعلى، وأكدوا أن تفسير المادة الثانية من الإعلان الدستورى على أنها ستكون قاصرة فقط على تحصين قرارات الرئيس المتعلقة بأعمال السيادة فقط، لن ينهى الأزمة، وطالبوا بسحب الإعلان وما ترتب عليه من آثار. وأشاروا إلى أن أعمال السيادة نظرية مطبقة بالفعل فى أحكام القضاء والفقه ولا تحتاج إلى نص دستورى، وهى معروفة. وقال عصام الإسلامبولى المحامى، إن ما أعلنته مؤسسة الرئاسة لا قيمة له على الإطلاق، ولا يعد إلغاء للإعلان الدستورى أو تعديله، واصفاً بيان الرئاسة بأنه محاولة من الرئيس لإدخال الغش والتدليس على الشعب المصرى، من خلال توضيح وتفسير للإعلان الدستورى، مما يعنى بقاء الوضع كما هو عليه. وأكد الإسلامبولى أن كافة القوى الوطنية والمحامون ماضون فى طريقهم لإسقاط الإعلان. وقال المستشار محمد عيد سالم، نائب رئيس محكمة النقض والأمين العام لمجلس القضاء الأعلى السابق، إن تحصين الأعمال السيادية يتعلق بسلطة الحكم، وليس من بينها تحصين أى إجراء من الطعن عليه أمام القضاء حتى ولو كان لفترة مؤقتة. وتابع: «الإعلان الدستورى الذى أصدره رئيس الجمهورية يتعارض مع الإعلان الدستورى الذى حصل بموجبه الرئيس على شرعيته كرئيس للجمهورية، والأمر برمته سيكون متروكاً للقضاء لحسم ذلك الأمر». وأوضح أن إصرار الرئيس على الإعلان الدستورى، وتجاهل كل معارضيه، يمثل إهداراً لمشاعر المجتمع والقوى المختلفة ولدولة القانون. وأضاف أن البيان الرئاسى غير مُرضٍ وغير كافٍ، فالمسائل القانونية لا تؤخذ بالعفوية، مؤكداً أن نص الإعلان الدستورى الذى أمامنا لا يجوز الطعن عليه وما أصدره الرئيس مجرد بيان، وحتى لو كان مذكرة إيضاحية دون تعديل فى نص الإعلان المطاطى، فما هى الفائدة؟ خاصة أن القرارات لا تحتاج إلى تفسير وهى غير قابلة للطعن. ووجه الأمين العام لمجلس القضاء الأعلى السابق كلامه لرئيس الجمهورية قائلاً: «يا سيادة الرئيس، إما أن نكون دولة قانون أو لا نكون؟» وتابع: «هل الإصلاح أنه عندما ترى البلد منشقة تصر على تفسيرات وليس تغيرات؟». وقال الدكتور ثروت عبدالعال، أستاذ القانون الدستورى، إنه لا توجد أية قرارات محصنة من رقابة القضاء سوى ما يعرف بالقرارات السياسية أو أعمال السيادة، لافتاً إلى أن تلك القرارات أو الأعمال لا ينص عليها فى الدستور أو الإعلانات الدستورية، لأنها معروفة ومستقر عليها فى أحكام القضاء والفقه، وهى تلك الأعمال التى تصدر من السلطة التنفيذية ممثلة فى رئيس الجمهورية وتنظم علاقتها مع السلطة التشريعية، وكذلك علاقات الدولة بدول أخرى، فدعوة الناخبين للانتخاب فى أية استفتاءات أو انتخابات تعد عملاً من أعمال السيادة التى لا يختص القضاء برقابتها، وكذلك قرارات قطع العلاقات الدبلوماسية مع أى دولة أو توقيع الاتفاقيات الدولية أو استئناف العلاقات الدبلوماسية تعد عملاً من أعمال السيادة، وهذه كلها أعمال لم يتم النص عليها فى أى دستور أو إعلان دستورى وإنما جرى العرف على أنها أعمال محصنة من رقابة القضاء. وأضاف عبدالعال أن حل مجلس الشعب أو الشورى أو الجمعية التأسيسية من الدستور بأحكام قضائية لا يعد من أعمال السيادة، ولكن بموجب الإعلان الدستورى الصادر مؤخراً تم تحصين تلك الجهات من الحل، إضافة إلى تحصين قرارات رئيس الجمهورية والقوانين التى يصدرها والتى سبق أن أصدرها من رقابة القضاء. وأوضح عبدالعال أن هناك نوعين من القرارات التى يصدرها رئيس الجمهورية، الأول: قرارات إدارية تخضع لرقابة القضاء، والثانى: قرارات سياسية وهى التى لا تخضع لرقابة القضاء، وهى لا تحتاج للنص عليها فى الإعلان الدستورى، كما يطالب مجلس الأعلى للقضاء فى بيانه. من جانبه، قال المستشار الدكتور مجدى الجارحى، نائب رئيس مجلس الدولة، إن نظرية أعمال السيادة قائمة وموجودة بالفعل فى الفقه والقضاء ويتم تطبيقها منذ عهود طويلة ولا تحتاج إلى النص عليها دستورياً؛ لأن القضاء يطبقها بضوابطها وحدودها المتعارف عليها. وأشار إلى أن دستور 1971 لم ينص على مثل هذا الحظر وبالتالى فلا حاجة لهذا القول الآن من قِبل مؤسسة الرئاسة، مؤكداً أن تحصين مجلسى الشعب والشورى والجمعية التأسيسية من الحل يُعتبر تعطيلاً للقضاء وتدخلاً فى عمل السلطة القضائية بما يمثل جريمة يعاقب عليها القانون، وقال إن السبيل الوحيد للخروج من المأزق الذى وضعنا فيه رئيس الجمهورية هو سحب الإعلان الدستورى وما يترتب عليه من آثار. وذكر الجارحى بعض الأحكام التى أعمل فيها القضاء نظرية أعمال السيادة، منها قضية كانت تطالب بعودة رئيس الجمهورية للحكم، وأخرى تطالب بقطع العلاقات الدبلوماسية مع الدنمارك بعد إساءتها للرسول الكريم برسوم مسيئة، وقضايا كانت تطالب بإلغاء قرارات لرئيس الجمهورية السابق بدعوة الناخبين للانتخاب. وانتقد الدكتور سمير صبرى، المحامى بالنقض عضو اتحاد المحامين الدولى، ذهاب مجلس القضاء الأعلى إلى رئيس الجمهورية ممثل السلطة التنفيذية فى مكتبه بقصر الاتحادية، مؤكداً أن ذلك إهانة للسلطة القضائية المستقلة. وأضاف أن القرارات السيادية هى التى تمس مصالح الدولة السيادية الاقتصادية والخاصة بالأمن القومى، كصدور قرارات تتعلق بالحرب أو التموين أو زيادة أسعار السلع الاستراتيجية، وينص عليها فى قرار بقانون وليس مادة دستورية، حيث إنها قرارات إدارية ويجوز الطعن عليها. فى السياق ذاته، قال الدكتور عماد الفقى، أستاذ القانون الجنائى، إن القرارات السيادية بطبيعتها محصنة من رقابة القضاء، مؤكداً أن نظرية القرارات السيادية بدأ يقل نطاقها مع مرور الزمن، موضحاً أن القضاء فى جميع دول العالم بدأ يحد فى هذا الشأن. وأضاف الفقى أن القرارات السيادية متعلقة بحالة الطوارئ، وطبقاً للإعلان الدستورى الصادر فى 30 مارس لا تجوز رقابة القضاء عليه، ولكنه يراقب القرارات والتصرفات التى تصدر من السلطة التنفيذية أو رئيس الجمهورية استناداً وتأسيساً على حالة الطوارئ. وأكد أن السلطة القضائية هى المنوط بها وصف القرار الذى يصدر عن رئيس الجمهورية سواء كان سيادياً أو غير سيادى، وليس من حق الرئيس وصف ما يصدره من قرارات، فإذا اعتبرها القضاء بعد فحصها ودراستها وبحثها أنها سيادية يقضى بانتفاء ولايته من النظر فى هذا القرار، والعكس، موضحاً أنه لا يوجد حصر دستورى أو قانونى لأعمال السيادة وإنما السلطة القضائية هى المنوطة بتقديرها.