بداهةً لا يحتاج الإسلام لتجليةٍ، فقيمته فيه.. فى كتابه المبين، وفى هدايته وأحكامه، وفى مبادئه وقيمه وتعاليمه.. ولا يحتاج المسلمون الأسوياء، صحاح الفهم والعقيدة، إلى تجلية وجه الإسلام لهم، فهم بسوائهم ونور الله الساعى بين أيديهم، على هداية وعلى معرفة بالإسلام، ليسوا بحاجة إلى تجليته وبيانه لهم، وإنما تقصد هذه الدعوة بالتجلية، إلى غير المسلمين، الذين التبست وتلتبس الأمور لديهم، وتهتز صورة الإسلام والمسلمين فى عيونهم، من واقع الممارسات الشاذة البشعة الشنيعة التى يمارسها من ينسبون أنفسهم كذباً للإسلام، ويُعْمِلُون تحت رايته المنتحلة بغير حق يُعْمِلُون القتل والذبح وقطع الرقاب، ويحصدون الأرواح بالقنابل والألغام والمتفجرات، وينشرون التدمير والخراب هنا وهناك، يركزون أساساً على مهاجمة المسلمين، مع أنهم ينتحلون الإسلام، ويطاردون الإنسانية والإنسان فى شتى البقاع والقارات، وشتى الدول والأوطان، لا يستثنون سوى إسرائيل والدول التى تمولهم وتسلحهم، وتؤازرهم من وراء الكواليس، فأدت جرائمهم الإرهابية إلى انقلاب العالم على الإسلام وعلى المسلمين، والتحريض ضدهم وضد مساجدهم ودور عبادتهم، وطردهم من البلدان التى هاجروا إليها واستقروا فيها، حتى من حصل منهم على جنسياتها، وإغلاق أبواب الدول وأبواب العمل وأبواب الرزق فى وجوههم، والمؤسف أن تجرى هذه التداعيات لأنهم مسلمون، تحت فهم التبس حول الإسلام ذاته، حتى ظن الناس الظنون بالإسلام، وصنّفوه أنه دين قتل وذبح وتدمير وتخريب وإهلاك، ما دام هذا هو صنيع من ينتسبون إليه وينتحلون التدين به! دين العالمين دين السماحة والسلام نزل الإسلام نوراً للعالمين، وهداية للضالِّين، ورسالة إلى الناس كافة، بغير تفرقة، ولا عصبية ولا تمييز.. يتجه إليهم على سنن المحبة والعدالة والمساواة، يخاطب العالمين بغاية هداية الدنيا ورشاد الناس.. كل الناس.. إليهم عامة اتجه خطاب القرآن المجيد: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ» (الحجرات: 13).. وحامل الرسالة رسول إلى الناس كافة، بدعوةٍ مفتوحة للعالمين، خطابها بالحكمة والموعظة الحسنة، وغايتها اجتذاب وتأليف القلوب، لهداية الإنسانية كافة، وعمار الحياة. النبوة المحمدية نبوة للعالمين.. للدنيا بأسرها.. تدعو إلى «رب العالمين» لا رب أقوام ولا أجناس.. يأمره ربه بأن ينقل هذا المعنى الهادى البشير إلى الناس كافة، فيقول له: «قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّى رَسُولُ اللّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً» (الأعراف: 158)، ويؤكد سبحانه وتعالى هذا المعنى فيقول: «وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ كَافَّةً لِّلنَّاسِ بَشِيراً وَنَذِيراً» (سبأ: 28)، أرسله إليهم سبحانه وتعالى «بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ» (التوبة: 33)، وأوحى إليه بخطاب يتسع للإنسانية كلها بغير تمييز ولا بغى ولا عدوان «قُولُواْ آمَنَّا بِاللّهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ وَالأسْبَاطِ وَمَا أُوتِىَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِىَ النَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمْ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ» (البقرة: 136، وآل عمران: 84). لا يفرق الإسلام بين جنس وجنس، أو بين لون ولون، أو بين شعب وشعب، الإنسانية أسرة واحدة، يتجه إليها كافة، بخطاب واحد قوامه الحكمة والموعظة الحسنة، هو دين حىّ لحاضر حىّ ولمستقبل أكثر حياة.. لا يعيش على القسر والإرغام، وإنما على الهداية والبيان والإقناع، آيته القرآن معجزة الإسلام إلى الدنيا، ونبوة هداية تخاطب الوجدان والعقل والضمير، تدعو إلى الفهم بالتأمل والتفكير.. الإسلام دين الإنسانية، لا يحتقر الحياة ولا يزدريها «تَبَارَكَ الَّذِى بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ■ الَّذِى خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ» (الملك: 1 و2)، قَدَّسً الروح الإنسانية، وقَدَّسَها أيضاً فى الحيوان والطير.. فحياة النفس حياة للناس جميعاً.. وفى حديث الهادى البشير عليه الصلاة والسلام: «لزوال الدنيا أهون على الله من قتل نفس بغير حق»، واسم «الإسلام» منحوت من لفظ «السلام»، وتحيته هى السلام، والسلام مهجة وروح الإسلام، وتحية الله للمؤمنين تحية سلام «تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلامٌ وَأَعَدَّ لَهُمْ أَجْراً كَرِيماً» (الأحزاب: 44).. الدين محبة قوامه الرحمة والإسماح، وكان رسول الإسلام رحمةً مهداة، يقول له الحق عز وجل: «وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ» (الأنبياء: 107). الإسلام لا يخاصم الدنيا، ولا يخاصم الديانات الأخرى، بل هو يجمع ويؤلف بالهداية والمحبة، وبالعقل والعلم والتفكير.. المؤمنون به هم «الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِى خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ» (آل عمران: 191). هذه الصورة الإسلامية صورة للمحبة لا للكراهية، جاذبة لا طاردة، ترفض سلطان الكهانة، وترفض الخوف الذليل من السلطة الدنيوية.. العلم مع العقل هو روح الإسلام وحياة المسلمين، بهما انفتحت للمسلمين أبواب المعرفة، وتفتحت لهم القلوب، فانتشر الإسلام فى ربوع الدنيا، وأقبل عليه الناس.. بلغ تعداد المسلمين فى الولاياتالمتحدة طبقاً لإحصاء دائرة المعارف البريطانية أكثر من سبعة ملايين برغم ما أعقب حادثة مركز التجارة العالمى من حملات تشويه وكراهية وتحريض، وبلغ فى فرنسا نحو ستة ملايين، وفى ألمانيا زاد على الأربعة ملايين، وبلغ فى بلدان الاتحاد السوفيتى خمسة عشر مليوناً، وزاد على المليون فى بريطانيا، ودعنا من آسيا التى بلغ التعداد فيها قرابة المليار، ومن أفريقيا التى زاد فيها على النصف مليار. كان هذا الانتشار بنور الهداية وسلامة اليقين، لا بالقتل والذبح ولا بحد السيف، فمنذ غادر المسلمون الأندلس من عدة قرون، لم تقترب أى قوات إسلامية من البقاع الأوروبية، ومع ذلك انتشر الإسلام فيها هذا الانتشار الواسع، لا لشىء إلاَّ نور الهداية وعمار الإسلام ومبادئه وقيمه النبيلة. الخطر القادم هذه الصورة تنقلب الآن، وتنقلب أوروبا وغيرها على الإسلام وعلى المسلمين، بجرائر الممارسات البشعة التى يرتكبها أناس خاصموا البشرية وخاصموا الإسلام، وأعملوا فى الناس قتلاً وذبحاً وإهلاكاً، وفى العمران نسفاً وتدميراً وتخريباً. ومن المؤسف أنهم ينتحلون لأنفسهم الإسلام، ويدعون أنهم يعبِّرون عنه، مع أن معظم جرائمهم تقع على مسلمين، وفى جوامع ومساجد وديار المسلمين، وتحصد أرواح المسلمين، ولا تقترب بتاتاً من إسرائيل، ولا من أحباب إسرائيل، بينما تلاحق من آنٍ لآخر أى دولة تسعى لشىء من الإنصاف، أو تتعاون مع مصر وتدعم حقها المشروع فى الحياة وفى الدفاع عن نفسها. لا تحتاج الدعاية السوداء ضد الإسلام والمسلمين لشىءٍ أكثر مما تفعله وترتكبه هذه الكيانات الإرهابية التى تنسب نفسها كذباً إلى الإسلام، ومن الغريب أنه مجند فى صفوفها مغامرون لا ينتسبون للإسلام ولا يدينون به، ومع ذلك انتظموا تحت راية تنسب نفسها إليه، والأغرب أن تأتى لهذه الكيانات الإرهابية أموال وأسلحة من دول تدعى الانتصار للحرية، ومن دول أخرى محسوبة فى الصف الإسلامى، دون أن تدرك هذه أو تلك، أن الدائرة سوف تدور عليها، لأن الإرهاب لا دين ولا وطن ولا أخلاق ولا قيم ولا مبادئ ولا عهود له!!! بدأت فيما نرى موجات الكراهية فى أوروبا للإسلام والمسلمين، وتعقبهم وتعقب مساجدهم ودور عبادتهم وتجمعاتهم، وغلق أبواب العمل والرزق فى وجوههم، والحث على إغلاق الحدود إزاءهم، وافتعال الأسباب لطردهم وإجلائهم! مما قد يقود إلى مواجهة وحروب بين الأديان، وهذه طامة الطامات!! لست أريد أن أصب الزيت على النار ببيان مواضع وأماكن ونوع وتاريخ الهجمات الشرسة فى الفترة الأخيرة على الإسلام ومساجد المسلمين، ولكن القارئ المتابع يستطيع أن يتعرف عليها وعلى شراسة اتجاهاتها مما ينشر بالصحف والمواقع، وأن يقدر مدى الخسارة الفادحة التى لحقت بالإسلام وبالمسلمين فى أوروبا والولاياتالمتحدة من جراء الإرهاب الأسود الذى يتشح كذباً وزوراً بالإسلام، والإسلام برىء منه! على أن ذلك كله يجرى تحت «صورة مشوهة» للإسلام، تسبب فيها ورسم معالمها هذه الكيانات الإرهابية الضالة التى تنسب نفسها كذباً للإسلام. ظنى أن «تجلية وجه الإسلام» صار مهمة تاريخية، فقد تقدم المسلمون وأشرقوا على الدنيا وتبوّأوا مكانةً سامقةً بالصورة الحقيقية الصحيحة للإسلام، ولكنهم صاروا الآن مهددين فى حيواتهم ومصائرهم وأرزاقهم وأعمالهم ومصالحهم بصورة «مشوهة» لا تنتمى حقيقةً للإسلام، ولا تنتسب إلى مبادئه وقيمه، الأمر الذى يضع قضية «تجلية الإسلام» فى مقدمة القضايا الواجب النهوض بها درءاً عن الإسلام والمسلمين، وإعلاناً لحقيقة الوجه الصبوح للإسلام فى نظر العالمين.