بعد الثورة الشعبية الإيرانية الشريفة (1979)، التى أطاحت بشاه إيران المستبد، أملا فى بناء «إيران» أكثر تحرّرا وتحضّرا وديمقراطية وتصديرا للعلم، قفزت التيارات الدينية على الثورة، كالعادة، وجاء «آية الله الخومينى» ليركل بقدمه الديمقراطيةَ، التى أجلسته على الكرسى! مثل منديل ورقى بالٍ أدى وظيفته، وما عاد له إلا صندوق القمامة، بعد توسّله، لُفظت الديمقراطية، وحلّ محلها حكمُ الفرد، والتحدثُ باسم الله، والتغلغل المتسارع فى مفاصل الدولة من مؤسسات حيوية وإعلام وتعليم وقضاء وجيش وشرطة، والتصفية الجسدية للانتفاضات الشعبية التى ثارت على القمع، ثم دهسُ القانونُ بالقدم، بعد إقصاء المعارضة، بل اعتقالها وتعذيبها وقتلها فى أحد أشهر وأبشع سجون التاريخ: سجن «إيفين»، الذى لا تقلُّ شهرتُه عن «الباستيل» الفرنسىّ، و«بوغريب» العراقى و«باجرام» الأفغانى، ومعتقل «جوانتانامو» الأمريكىّ فى كوبا. أما جلاّدو إيفين، فهم الإسلاميون الذين ذاقوا الويل على يد رجال «الساواك»، بذات السجن، فى عهد محمد رضا بهلوى، شاه إيران. وحينما ترفّق بهم القدر وتمكّنوا من السلطة، خرجوا ليذيقوا الويل مضاعفاً، لمعارضى الخمينى من المدنيين والليبراليين والثوار، أو مَن يفكر فى لفظ كلمة: «لا»! وجاء الحرسُ الثورى الإيرانى (شىء ما يشبه: «قانون حماية الثورة»، بمصطلحات أيامنا)، وشرعوا فى اعتقال كل من تُسوّل له نفسُه «الأمّارةُ بالسوء»، أن يمارس حقَّه المفطور فى التفكير والتعبير والاعتراض. لدرجة اعتقال الصِّبية الصغار فى المدارس إذا ما اعترضوا على المعلمين الجدد، الذين بدلا من أن يقوموا بشرح المناهج من رياضيات وعلوم وتاريخ، راحوا يشرحون مزايا ثورة الخمينى ووجوب طاعته التى هى من طاعة الله. وامتلأت عنابر سجن إيفين بمئات الآلاف من المواطنين يُجلدون بالسياط، ويُذبحون ويشنقون على مدار الساعة منذ بداية الثمانينات وحتى اختفى تماماً صوتُ آخر معارضٍ لحكم الملالى. الطريف فى الأمر أن الجلاد القاتل من الحرس الثورى كان يقتل مجاهراً بأنه يُسدى معروفاً وجوديّا وتربويّا ونفسيّا للمقتول! كانوا يشنقون الناس فى الشوارع قائلين: إننا نخدمهم بقتلهم؛ كيلا يرتكبوا مزيداً من الآثام لأنهم أعداءُ الله، ما داموا يعارضون آية الله الخمينى. وذلك عملاً بأحد شعارات الإمام التى كانت تملأ شوارع وميادين طهران وغيرها من المدن الإيرانية. نصّ الشعار يقول: «لو سُمح للكافر بالاستمرار فى الحياة، لأصبحتِ المعاناةُ النفسية لهذا الكافر أسوأ كثيراً. أما لو قتل المرءُ ذلك الكافر، يكون قد حال دون ارتكابه مزيداً من الخطايا، وبهذا يكون الموتُ نعمةً كبرى له»! بينما للزعيم مصطفى كامل رأىٌ آخر حين قال: «قولوا للشعوب إنها ما خلقت لتعيش عيشة الأغنام بل لتحيا وتعمل وتستثمر الأرض». ومثله قال جورج واشنطن: «إذا سُلبت حرية التعبير، نُقادُ صُمّاً بُكماً، كما يُقادُ الخروفُ إلى المذبح». أما نابليون فيقول: «إذا اندفعتِ الشعوبُ، لا يوقفها أحدٌ».