أعتقد أنه عادة ما ترتبط الثورات برمز، بما فيها الثورة الإيرانية التى ارتبطت ب«الخومينى» و«أعداد القتلى والموتى»، يمكنك أن تشعر بذلك أثناء ركوبك لنموذج قطار الثورة الإيرانية الهائل الذى تصل عرباته إلى 20 أو 30 عربة، بنوافذه المحطمة ورائحة الدخان المنبعثة منه، وحولك طول الطريق أشجار التيوليب المزينة بملصقات وصور الشهداء، لتصل إلى النصب التذكارى فى «قم» فى إيران وسط حشد هائل يماثل محكمة الثورة التى شهدها هذا المكان. لم تعرف الثورة الإيرانية الرحمة، فكانت جميع المحاكم لا تعرف سوى جملة «الموت»، وأن كان الأمر لم يكن خاصا بالثورة فقط، فالحقيقة إن إيران لم تشهد أيضا الكثير من الرحمة قبل الثورة فى حكم الشاه، إذ إن الحرس الإمبراطورى للشاه كانوا يذبحون الجماهير أيضا، فمازلت أتذكر محكمة أخرى كانت فى طهران، حيث كان هناك رجل يصرخ فى أحد الجلادين من جهاز الأمن «السافاك» سيىء السمعة قائلا: «لقد قتلت ابنتى، وهى عاجزة عن الحركة حتى تفحمت»، ليرد عليه الجلاد بهدوء: «ابنتك شنقت نفسها بعد سبعة أشهر من السجن». حتى القتلة، كانت لديهم بعض الأسرار لنا، فعلى سبيل المثال كانت لديهم علاقات ودية مع عملاء بريطانيين ونظرائهم من السافاك.وإن كنت أعتقد أن الأمر لا يختلف كثيرا عن علاقاتنا مع القائمين على التعذيب فى باكستان أو أمريكا. من السهل أن ننسى أن العرض الأكبر فى المدينة، لم يكن هذه المحاكمات، ولا بقايا الكارثة الوحشية، وإنما الرجل المندد الذى كان ظاهرا على الصفحات الأولى فى اليوم التالى للثورة فى اللحظات الأخيرة بعد الاستيلاء على السفارة الأمريكية من قبل الطلاب الإيرانيين فى اتباعهم خطا الإمام الخومينى. قضى «الطلاب» الإيرانيون سنوات معا ضد تحركات الدبلوماسية الأمريكية، فضلا عن تجريمهم المسؤولين الذين كانت لهم اتصالات سواء فى الماضى أو الحاضر مع وكالة الاستخبارات الأمريكية، ونظام الشاه الذى كان يرثى مسابقات رعاة البقر على شرف أسلافه من آل بهلوى ويرحب بالمشروع الاستعمارى البريطانى، إذ إنه يعيش فى رفاهية، وسط حمامه المرصعة صنابيره بالذهب، كل ذلك أغضب الملايين من الفقراء فى دولته بمن فيهم آية الله الخومينى الذى تم وصفه بأنه من «الأحياء الفقيرة». نعم، بطبيعة الحال، كان قيام الثورة الإيرانية أمرا خطيرا، فهى أول ثورة إسلامية فى عصرنا، وخاصة بعد إعلان الخومينى نفسه القائد الأعلى للثورة الإيرانية وحاميها، وبينما بقى الخومينى كما هو، إلا أن الثورة التى خلقها أصبحت كائنا غريبا، تصيبه الوحشية ذات مرة، والسذاجة مرة أخرى، أحيانا تكون استفزازية وخطيرة. الاختبار الحقيقى لإيران، هو كيف ستنأى بنفسها بعيدا عن شبح النظام الإيرانى القديم، وإن كان هذا ليس معناه أن الفرس حمقى، ولكن الاستمرار فى بناء دولة حديثة وقوية يتطلب أكثر من مجرد شهادة فى الفقه الإسلامى. فربما تكون الثورة الإيرانية نجحت إلى حد ما، إلا أنها فشلت فيما يتعلق بشأنها الخارجى، إذ اعتادت إما أن تقلل أو تبالغ فى عدائها الخارجى، على الرغم من ابتسام الحظ والثروة لها، بعدما استطاعت الولاياتالمتحدةالأمريكية أن تدمر دون قصد ألد أعداء الملالى الإيرانيين «طالبان السود» و«صدام حسين». المصدر : صحيفة «الإندبندنت» البريطانية ترجمة : عُلا عبدالله