لا تكاد تمر مناقشة أو حوار عن الاقتصاد المصرى وآفاقه إلا ويتم ذكر تركيا كشريك استراتيجى، لكن ما طبيعة الشراكة مع تركيا؟ وما أبعادها؟ وهل يمكن أن تحقق هذه الشراكة ما يأمله المصريون وخاصة الحكومة الحالية؟ إذا نظرنا سريعاً إلى تركيا سنجد أن إجمالى الناتج المحلى لعام 2011 بلغ نحو 760 مليار دولار، وبذلك يكون متوسط دخل الفرد السنوى 14.400 دولار سنوياً، طبقاً للتقارير الرسمية لعام 2011. وقد شهد الاقتصاد التركى نمواً كبيراً فى السنوات السابقة تراوح ما بين 6 و8% سنوياً، وانخفض عجز الموازنة لما دون 2% من الناتج المحلى الإجمالى. وإذا أردنا أن نربط هذه المؤشرات بوضع مصر، فيكفى أن نعرف أن إجمالى الناتج المحلى فى مصر فى نفس الفترة 230 مليار دولار، ودخل الفرد فى المتوسط 6500 دولار سنويا، وبذلك فحجم الاقتصاد التركى يمثل نحو 3 أضعاف حجم الاقتصاد المصرى. إذا نظرنا للعلاقات الاقتصادية المصرية التركية، سنجد أن تركيا صدّرت لمصر ما قيمته 2.2 مليار دولار فى عام 2010، أهمها منتجات حديد وصلب وسيارات، بينما صدّرت مصر لتركيا ما قيمته 0.9 مليار دولار، أهمها منتجات زراعية ومواد خام وبترولية، ولذلك فإن الميزان التجارى يميل إلى كفة تركيا. أما إذا نظرنا للاستثمارات التركية المباشرة فى مصر، فتبلغ 1.5 مليار دولار فقط حتى نهاية 2010، وعلى الرغم من ذلك فإن الكثير من الآمال معقودة على تركيا، خاصة بعد زيارة رئيس الوزراء التركى لمصر الأسبوع الماضى بصحبة عدد كبير من الوزراء ورجال الأعمال، ويرجع ذلك للأسباب الآتية: كانت تركيا ولا تزال نموذجا ناجحا لتطبيق المشروع الإسلامى. ترابط العلاقات الاقتصادية والتجارية بين رجال أعمال التيار الإسلامى فى مصر والشركات التركية، تجعل تركيا مرجعيتهم الاقتصادية. دعم تركيا للثورة المصرية والتحول الديمقراطى، خاصة بعد صعود التيار الإسلامى للحكم. أدت تلك الأسباب إلى ارتفاع توقعات نتائج الشراكة المصرية التركية، ولكن ما أبعاد هذه الشراكة الاقتصادية؟ هناك بعدان: 1. البعد الأول: البعد الحكومى؛ دعم الحكومة التركية للاقتصاد المصرى واضح، سواء فى دعم مادى أو دعم فنى أو معنوى، على مستوى الدعم المادى أودعت تركيا مليار دولار فى البنك المركزى المصرى مؤخراً، ولكن لا يتوقع تكرار مثل هذا الدعم نظرا لعدم قدرة الحكومة على التوسع فى مثل هذا النوع من الدعم. أما الدعم الفنى والمعنوى، فهو مكثف فى شكل تبادل خبرات وبرامج تنمية، ولكن الحكومة التركية تعتمد على قدرة الحكومة المصرية فى تطبيق هذه البرامج بشكل جيد. 2. البعد الثانى: البعد الاستثمارى؛ زيارة عدد كبير من المستثمرين الأتراك لمصر يعكس اهتمامهم بالسوق المصرية، ولكن يجب ألا نضخم من هذا الاهتمام، فعلى المدى القصير يركز المستثمرون الأتراك على فتح الأسواق المصرية وإيجاد مستوردين ووكلاء مصريين لمنتجاتهم دون الاستثمار المباشر فى مصر. ويهدف ذلك للاستفادة من السوق الاستهلاكية المصرية الكبيرة، فى وقت تمر أوروبا بأزمة اقتصادية طاحنة. أما على المدى البعيد، فسيقوم المستثمرون الأتراك بضخ استثمارات فى مصر ولكن بعد الوصول لحالة من الاستقرار الأمنى والاقتصادى. وحتى نصل إلى هذه المرحلة، فإن الأتراك فى مرحلة استقراء للسوق، وهذا أمر طبيعى ومتوقع من مستثمرين هدفهم المكسب والربح فى نهاية المطاف. وبناء على ما سبق، فإنه بلا شك هناك شراكة استراتيجية بين مصر وتركيا وآمال على هذه الشراكة، لكن لا يجب أن نضخم أو نبالغ فى حجم الدعم التركى وأثره على الاقتصاد المصرى.