بين الجموع يقف ساكناً، تمسك يمناه بكيس صغير يحتوى على «بلى زجاجى» وباليسرى عشرات «النبل»، يبيع النبلة بغرض قتالى، فهى سبيل المتظاهرين فى قنص قوات الأمن فى المواجهة التى بدأت بذكرى احتفال ولم تنتهِ إلا وهى إعادة لما تم قبل عام فى «محمد محمود». «عبيله واديله» ينادى بها على بضاعته الرائجة فى ذلك الشارع المضاء بلون شاحب أصفر، مضفياً إثارة على المشهد، «المصرى» هكذا يلقبونه، موجود منذ لحظات الاحتفال الأولى قبل أيام، وقتها كان يحمل ألعاباً نارية و«مزامير» لزوم البهجة، قبل أن ينقلب «الفرح» إلى «مأتم»؛ بسقوط «جابر صلاح» -أول شهيد للأحداث- غارقاً فى دمائه، دخان الغاز يتصاعد فيما تزكم الأنوف رائحة الخل وتغطى الوجوه قطرات «الخميرة»، المعركة انتقلت قبل ساعات إلى شارع قصر العينى، يجرى صوبه شاب عشرينى طالباً 20 «بلية» بعدما نفد رصيده بعد مرور نحو ساعة من بدء «المعركة» التى وصلت لحالة من الهدنة بين طرفى الرحى على غير اتفاق، يناغش «المصرى» أحد زبائنه «تلاعبنى عليهم» فيعقب «هنبقى نلعب لما نخلص من القرف ده»، قبل أن يذوب مع رفاق «الثورة»، الصيحات تتعالى تزامناً مع الطرق على أعمدة الإنارة بقطع الحجارة ملهبين حماس الحضور كطبول الحرب، فيما تبدأ قوات الشرطة فى التقدم فينادى «المصرى»: «كمين»، ينتقل على أثرها الجمع إلى الخلف مكونين حائط صد أمام مجمع التحرير. بائع «النبل» شارك فى كل أحداث الثورة، «البائع المتجول» مهنته التى اعتادها قبل 10 سنوات ظل فيها بائعاً للملابس على «فرشة» بالعتبة، غير أن الحال بعد يناير قد تغير، فصار الميدان قبلته، باع الشاى والمأكولات، الأعلام و«الكمامات»، قبل أن يجد فى «النبلة» مراده مع «محمد محمود 2»، لا يجد الشاب الثلاثينى ضرراً فى بيع سلاح قد يتسبب فى جرح رجال الشرطة «أصلهم بيضربونا ببلى الخرطوش فعلى الأقل نرد ببلى النبلة.. ولا هو حلال عليهم وحرام علينا»، يحلو ل«المصرى» أن يتحدث عن مرات وجوده فى التحرير، يهتف إلى جواره شاب ضد الرئيس فيعلق: «والله أنا كنت بقول للناس انتخبوه بس حاسس إن مفيش حاجة اتغيرت»، الأعداد تبدأ فى التزايد رغم سدول الليل، زميله الذى يبيع الكمامات يجلس إلى جواره يعد الجرحى من المتظاهرين، فيما يفخر «المصرى» بجرحى الشرطة المتساقطين بفعل بضاعته.