فى تقدير القادة العسكريين الروس أن العملية العسكرية الروسية فى سوريا، التى تواصلت على امتداد الأيام الماضية، تضرب عشرات الأهداف لتنظيمات داعش وجبهة النصرة، التنظيم السورى الذى يتبع القاعدة، وجيش الفتح الذى يتشكل من تحالف «داعش» وبعض التنظيمات المتطرفة فى مناطق حمص وحماة وسط سوريا وجسر الشغور ومعرة النعمان شمالاً فى منطقتى حلب وإدلب، سوف تستمر أربعة أشهر على الأقل، يمكن أن تتعرض خلالها العملية لمخاطر عديدة فى غيبة توافق المجتمع الدولى على صحة العملية العسكرية الروسية ومشروعيتها، التى لا تزال موضع خلاف عميق مع واشنطن وبعض القوى الغربية، ويترصدها أعداء كثيرون يتمنون لها الفشل، ويخطط بعضهم كى تتحول إلى مستنقع يستنزف القدرة الروسية على أمل أن يتكرر فى سوريا ما حدث للقوات الروسية فى أفغانستان خلال الثمانينات. ويعتقد معظم المراقبين أنه كلما طال أمد المعركة وغاصت القوات الروسية فى عمق الأزمة السورية زادت المخاطر، لأن الاقتصاد الروسى الذى يعانى من انخفاض أسعار البترول والعقوبات الدولية لن يقدر على تحمل أعباء عملية عسكرية خارج الحدود تطول أكثر من اللازم، فضلاً عن أن دوائر أمريكية عديدة تعتقد أن الصدام سوف يقع بالضرورة وفى وقت قريب بين الروس وغالبية الشعب السورى التى تتشكل من السنة، وتشكو تسلط العلويين على حكم دمشق وسيطرة أسرة الأسد التى طالت إلى أكثر من أربعين عاماً، ناهيك عن جماعات سورية مسلحة عديدة تعمل على المسرح السورى وترتبط بأجهزة مخابرات دولية وعالمية، تطالب واشنطن الآن بتسليحها بالصواريخ المحمولة على الأكتاف لضرب الطائرات الروسية، بدعوى أن القصف الجوى الروسى يتوجه فى الأغلب إلى منظمات المعارضة المعتدلة الوثيقة الصلة بواشنطن وتناصب حكم بشار الأسد العداء، وبرغم أن الرئيس الأمريكى أوباما أعلن قبل يومين أن الولاياتالمتحدة لن تدخل فى مجابهة عسكرية مباشرة مع القوات الروسية على الأرض السورية، فإن دوائر أمريكية عديدة تحبذ تسليح عدد من جماعات المعارضة السورية بصواريخ أرض جو، وترى فى ذلك أقصر الطرق لهزيمة الرئيس الروسى بوتين وتكبيد الروس خسائر ضخمة، على حين تطالب جماعات أخرى بمساندة العملية الروسية، واعتبار بوتين حليفاً قوياً فى الحرب على «داعش» وشريكاً يمكن الاعتماد عليه، خاصة أن الرئيس الروسى بوتين قَبِل أن يعمل فى إطار التحالف الغربى، كما أن سياسات الرئيس أوباما فى مواجهة «داعش» حققت فشلاً ذريعاً، سواء فى العراق الذى لا تزال «داعش» تحتل أربع محافظات من أراضيه رغم مليارات الدولارات التى أنفقت على تجهيز وتسليح الجيش العراقى، أو فى سوريا بعد انهيار خطط أوباما لتدريب خمسة آلاف معارض سورى على الحرب على «داعش»، لكن الأفواج الأولى من هذه القوات سلمت أسلحتها وتجهيزاتها العسكرية إلى جبهة النصرة فور وصولها إلى الأرض السورية. ومع التغيير الذى طرأ أخيراً على رئاسة أركان القوات الأمريكية، ثمة خطة أمريكية جديدة ذات هدفين، أولهما تصعيب مهمة الروس فى سوريا ومحاولة إفشالهم، والامتناع عن تقديم أى معلومات مباشرة لهم تتعلق بأوضاع «داعش»، رغم أن الحكومة العراقية وافقت أخيراً على إنشاء مكتب اتصال لتبادل المعلومات مع سوريا وروسيا وإيران حول أوضاع «داعش» فى المنطقة، أما الهدف الثانى فيخلص فى ضرورة الإسراع بتسليح الأكراد السوريين عن طريق العراق وبصورة مباشرة، بعد أن نجحوا فى طرد قوات «داعش» من مدينة كوبانى على الحدود التركية السورية، إضافة إلى تكثيف غارات التحالف الغربى الجوية ضد «داعش»، وتشديد ضغوط أوروبا على موسكو لإلزامها بقصر عملياتها العسكرية فى سوريا على «داعش»، لا تتجاوزها إلى أى من المنظمات الإرهابية الأخرى التى تحارب بشار الأسد وفى مقدمتها جبهة النصرة وجيش الفتح، مع أن الروس يمدون غصن الزيتون إلى الجيش السورى الحر، أحد تنظيمات المعارضة السورية المسلحة القريب من الولاياتالمتحدة، ويعدونه بأن يكون جزءاً من حل المشكلة السورية. والواضح أن الروس فى حربهم السورية يلتزمون الحذر البالغ، فهم لا يشاركون فى أى عمليات برية وتقتصر عملياتهم على القصف الجوى تماماً مثل الأمريكيين، ويحرصون على إخطار واشنطن وإسرائيل وحلف الناتو بأهداف عملياتهم العسكرية قبل التنفيذ، تجنباً للوقوع فى أى خطأ يؤدى إلى صدام عسكرى مباشر مع أى من هذه الجهات الثلاث، لكن السؤال المهم، هل ينجح الروس فيما فشل فيه الأمريكيون ويتمكنون من اقتلاع «داعش» رغم أن عملياتهم العسكرية تقتصر على القصف الجوى شأنهم شأن التحالف الغربى؟! التقارير الواردة من المراصد السورية فى الداخل، تؤكد أن القصف الروسى لمدينة الرقة السورية وسط بادية الشام التى اتخذتها «داعش» عاصمة للخلافة، أدى إلى تهريب أسر وعوائل معظم قادة «داعش» إلى مدينة الموصل العراقية، وأربك قوات «داعش» التى قللت من حجم دورياتها فى المدينة، كما قتلت 12 قيادياً من أعضاء التنظيم، كذلك لقيت «داعش» هزيمة قوية فى معارك منطقة دير الزور بسبب المساندة الجوية الروسية للجيش السورى، لكن الوقت لا يزال مبكراً للحديث عن سقوط «داعش»، رغم أن العملية الروسية دفعت التحالف الغربى إلى زيادة عملياته الجوية ضد «داعش»، الأمر الذى زاد من زحام المجال الجوى السورى بسبب ضيقه وكثرة الطائرات المشاركة فى العمليات، لكن الروس يعرفون جيداً من تجربتهم فى الحرب الأفغانية أن القصف الجوى وحده لا يكفى لحسم المعركة على الأرض، وربما يكمن تفوقهم فى أنهم يعملون بتنسيق كامل مع قوات الجيش السورى التى تشارك فى تحديد أهداف القصف الجوى الروسى وتقود العمليات البرية على الأرض، بينما يفتقد الأمريكيون وجود قوة عسكرية منظمة على الأرض تشارك فى الحرب البرية، ويعتمدون على بعض جماعات المعارضة المسلحة التى لا يرقى أداؤها العسكرى إلى أداء الجيش السورى! وبرغم أن واشنطن تمارس من خلال عدد من حلفائها ضغوطاً قوية على الروس لإلزامهم بقصر عملياتهم العسكرية على منظمة «داعش» دون أى من المنظمات المتطرفة الأخرى التى تحارب بشار الأسد، فإن الروس يواصلون عملياتهم ويعلنون عن خططهم لتكثيف هذه العمليات، لا يفرقون بين «داعش» وجبهة النصرة وجيش الفتح باعتبارها جميعاً منظمات إرهابية، والواضح أن الرئيس الروسى بوتين قد حقق بتدخله العسكرى فى سوريا بعض المكاسب المهمة، وجعل من الصعوبة بمكان تسوية الأزمة السورية فى غيبة موسكو، وربط بين الأزمتين السورية والأوكرانية بما يمكنه من تحقيق توازن دولى أفضل، لكن المخاطر المحدقة بالموقف الروسى لا تزال خطيرة وكثيرة، سواء ما يتعلق منها باحتمالات الصدام الروسى مع قوات التحالف الغربى فى هذا المجال الجوى المحدود المزدحم بالعمليات العسكرية، أو فى سعى جماعات الإرهاب إلى الرد على الروس بتكثيف عملياتهم الإرهابية فوق الأرض الروسية، وتعريض قواتهم لعمليات استنزاف على الأرض السورية، خاصة إذا طال أمد النزاع وغابت الدبلوماسية طويلاً، وأصر الطرفان أوباما وبوتين على رفض الحلول الوسط، واندفعت بعض القوى الإقليمية مثل إيران إلى المشاركة فى العملية العسكرية دون حساب دقيق لتصب المزيد من الزيت على النار، هنا سوف تصبح الفوضى هى سيدة الموقف، وربما يكون المستفيد من ذلك جماعات الإرهاب وعلى رأسها «داعش»، لكن المجتمع الدولى بأكمله سوف يخسر فرصة مواتية لتحقيق توافق دولى يمكنه من هزيمة جماعات الإرهاب.