على مدار السنوات القليلة الماضية التى تبعت اندلاع الانتفاضة السورية فى وجه الرئيس السورى بشار الأسد وتحولها إلى حرب أهلية، ثم منطقة حرب تسودها الفوضى وصراعات المصالح، كانت إسرائيل هى الحاضر الغائب فى الأزمة، ففى الوقت الذى لم تكن هناك تداعيات مباشرة على إسرائيل طوال سنوات الحرب، فإن «تل أبيب» كانت تستغل الأزمة لتفعل ما يحلو لها فى المنطقة، بداية من قصف مواقع عسكرية تابعة للنظام السورى، وحتى محاولة تصدير فكرة أن الفوضى فى سوريا تهدد أمن إسرائيل القومى. بعد توقيع الاتفاق النووى بين إيرانوالولاياتالمتحدة والدول الكبرى، حوَّل بنيامين نتنياهو وجه إسرائيل تجاه روسيا بعد أن أيقن أن «واشنطن» لن تتخذ تحركاً جدياً فى سوريا بسبب الاتفاق النووى الإيرانى، وهو ما دفع رئيس الوزراء الإسرائيلى إلى التوجه إلى «موسكو» قبل عدة أيام، لبحث التعزيزات العسكرية الروسية الأخيرة فى سوريا. وقالت صحيفة «إسرائيل هيوم» الإسرائيلية، إن «مسئولاً إسرائيلياً أكد أن (نتنياهو) عرض على روسيا المخاطر المتزايدة تجاه إسرائيل بسبب تدفق الأسلحة إلى حلقة الصراع فى سوريا، إضافة إلى تدفق الأسلحة إلى أيدى (حزب الله) اللبنانى، وهى أسلحة روسية الصنع فى الأساس». إسرائيل تخشى أسلحة «حزب الله» و«نتنياهو» توجه إلى «موسكو» ل«انعدام الثقة» فى «أوباما» وبحسب الصحيفة الإسرائيلية، فإن مصادر إسرائيلية أكدت أن هدف «نتنياهو» الأساسى من الزيارة كان إطلاع «بوتين» على أن «تل أبيب» لن ترتضى أبداً أى وضع يقيد حرية عملها فى سوريا إن استلزم الأمر، لافتة فى الوقت ذاته إلى أن إسرائيل تسعى إلى تجنب أى احتكاك مع القوات الروسية على الأرض فى سوريا. وبحسب المصادر نفسها، فإن «إصابة أى جندى روسى على الأراضى السورية عرضاً فى غارات إسرائيلية، قد تكون له نتائج كارثية»، مشيرة إلى أنه على الرغم من التوتر فى العلاقات بين الولاياتالمتحدة وإسرائيل، فإن الجانبين على اتصال دائم فيما يتعلق بالتعزيزات العسكرية الروسية فى سوريا. ولفتت «إسرائيل هيوم» إلى أن اللقاء بين الاثنين هو لقاء «غير اعتيادى». مؤشرات التدخل العسكرى الروسى فى سوريا بسبب التعزيزات العسكرية، دفعت «تل أبيب» إلى إعلان أنها تنوى إعادة تقييم كيفية التعامل مع تداعيات القتال فى سوريا مع الوضع فى الاعتبار عدم المخاطرة بالدخول فى اشتباك مباشر مع «موسكو»، حيث لفت عاموس جلعاد، مستشار وزير الدفاع الإسرائيلى، ل«رويترز»، إلى أنه «من المبكر جداً معرفة مدى التدخل العسكرى الروسى فى سوريا وما إذا كان قد يؤثر على إسرائيل عسكرياً أم لا»، فيما قال عاموس يادلين، مدير معهد دراسات الأمن القومى بجامعة «تل أبيب» الإسرائيلية: «لا أعتقد أن هناك أى سبب للجانبين ليصطدما، وأقترح ألا نهاجم أى موقع على الأرض فى سوريا ما لم نحصل على صورة ممتازة من هناك». وبحسب صحيفة «هآرتس» الإسرائيلية، فإن زيارة «نتنياهو» إلى «موسكو» يجب أن ينظر إليها فى سياق أوسع أيضاً، حيث إنها تشير إلى مدى انعدام ثقة «نتنياهو» فى الرئيس الأمريكى باراك أوباما بعد الاتفاق النووى، لافتة إلى أن وسائل الإعلام الإسرائيلية كانت أول من كشف عن الوجود العسكرى الروسى فى سوريا، وهو ما يعنى أن «نتنياهو» يدعم نشر تلك الأخبار بهدف الضغط على «واشنطن» وإجبارها على التدخل. ونقلت «هآرتس» عن مصادر أمنية إسرائيلية، قولها إن «إسرائيل أرادت أن توصل رسالة إلى موسكو مفادها أنها لن تتدخل إلا فى حالة تخطى الخطوط الحمراء بالنسبة لإسرائيل، وهى محاولة نقل أسلحة متقدمة من سوريا إلى (حزب الله) فى لبنان». من جانبه، قال محلل الشئون الدفاعية الإسرائيلى، رون بن يشاى، إن «الوجود الروسى فى سوريا يفرض العديد من الفرص والتهديدات فى الوقت ذاته، حيث إنه يمكن لإسرائيل استغلال هذا الوجود لتعويض الغياب الأمريكى عن المنطقة»، أما بالنسبة ل«موسكو»، فإن طلب «نتنياهو» لقاء «بوتين» فى حد ذاته يدل على مدى أهمية نفوذ روسيا وتراجع النفوذ الأمريكى فى الوقت الحالى، فى حين أن المخاطر بالنسبة ل«تل أبيب» تتركز فى حصول «حزب الله» على أسلحة متطورة، إضافة إلى تعزيز النفوذ الإيرانى فى المنطقة بناء على التعاون الروسى الإيرانى والعلاقات الوثيقة بينهما.