زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نيتانياهو الأخيرة لروسيا أثارت العديد من التساؤلات داخل إسرائيل عن مغزى الزيارة وتوقيتها وماذا تريد تل أبيب من موسكو. فالزيارة جاءت عقب الوجود العسكرى الروسى فى سوريا خاصة فى الشمال بالقرب من اللاذقية ونشر طائرات قتالية متطورة من طراز سوخوى وهو ما تتابعه الدولة العبرية ووسائل إعلامها عن كثب ، فقبل حوالى شهر كشفت صحيفة يديعوت احرونوت أن هناك طائرات روسية في شمال سوريا. وبعد ذلك ببضعة ايام بدأت وسائل الإعلام الأمريكية تتحدث عن هذا الامر. وسارعت إسرائيل إلى نشر هذه التطورات لدفع الولاياتالمتحدة للتدخل .. بعدها أعلن مكتب نتانياهو أنه سيحذر الروس من تأثير وجود أسلحة متطورة في سوريا سوف تصل حتما إلى أيدى حزب الله وبالاضافة إلى الرغبة في تقليل خطر الصدام بين الطائرات الحربية الإسرائيلية والروسية في سماء سوريا أو لبنان كما جاء فى وسائل الاعلام فانه يمكن رؤية زيارة نيتانياهو في السياق الاوسع على خلفية العلاقات المتوترة بين موسكو وواشنطن. ورغم أن نيتانياهو قال في الاسبوع الماضى إن المحللين قد اخطأوا حينما حذروا من انهيار العلاقات بين إسرائيل والولاياتالمتحدة عقب الخلاف حول توقيع الاتفاق النووي الإيراني، فان زيارته الأخيرة لموسكو قد تفسر على أنها "لدغة "إسرائيلية لواشنطن . وتعكس الزيارة عدم ثقة نيتانياهو بقدرة ونوايا الولاياتالمتحدة تجاه الحفاظ على مصالح إسرائيل الامنية. وإذا كان رئيس الوزراء الاسرائيلى يعتقد أن أوباما لم يدافع عن إسرائيل بما يكفي في اتفاق فيينا فانه يشك فيه فيما يتعلق بالملف السورى ولا يمكن لهذه الزيارة أن تكون بشرى جيدة لواشنطن، لا سيما أنها قادت حملة تنديدات وعقوبات ضد موسكو بسبب تدخلها في اوكرانيا في الصيف الماضى . نيتانياهو ذهب إلى موسكو رغم أنه، خلافا لأوباما، لا توجد لديه ادوات يضغط بواسطتها على المصالح الروسية في سوريا. ويبدو أن نيتانياهو يعتقد أنه قادر على التأثير . موضوع آخر يهم إسرائيل يتعلق بمصير مئات الآلاف من الدروز في جبل الدروز في جنوبسوريا قريبا من حدودها مع الاردن وقد توجهت إسرائيل فى الفترة الماضية للولايات المتحدة وطلبت مساعدة الدروز في إسرائيل وهضبة الجولان بسبب قلقهم على أبناء الطائفة في سوريا. ويمكن أن يكون قد تم تقديم طلب شبيه لبوتين ومنذ عدة أسابيع قال وزير الدفاع الإسرائيلي، موشيه يعلون، في لقاء مع مندوبى وسائل الإعلام الإسرائيلية حول التطورات الأمنية الأخيرة في المنطقة،أن إسرائيل تشترط على الجماعات التى تحارب ضد الحكومة السورية عدم الاعتداء على الدروز هناك مقابل تقديم العون الإسرائيلي لهم. وأوضح يعلون أن ملف الدروز هو ملف حساس بالنسبة لإسرائيل، وقد أوصل الجيش الإسرائيلي هذه الرسائل إلى الجماعات المسلحة على الحدود السورية- الإسرائيلية واعترف يعلون في هذا اللقاء إنه ليس سرا أن الجماعات المسلحة فى سوريا تتلقى مساعدات وصفها بالإنسانية من قبل إسرائيل وتل أبيب في نهاية المطاف كما تقول صحيفة هاآرتس هي لاعب ثانوى في الدراما السورية. والتدخل الروسي المتزايد هو استراتيجية أوسع. وفي مقال نشر هذا الاسبوع للباحث الإسرائيلى الدكتور ديما ادامسكي في مجلة " فورين أفيرز" وصف سياسة روسيا الحالية في المنطقة على أنها تكرار لعملية التدخل السوفييتي لصالح مصر في حرب الاستنزاف قبل 45 سنة. ادامسكي، الباحث في مركز الابحاث الاستراتيجية في هرتزيليا، كتب أن العملية اعتبرت في حينه نجاحا كبيرا لأن ارسال القوات والمستشارين ساعد مصر وعمل على ردع إسرائيل. أما التدخل الروسي في الشرق الاوسط فيهدف إلى تحقيق مكانة اقليمية موازية لمكانة الولاياتالمتحدة، اضافة إلى اهداف ثانوية مثل انشاء منطقة عازلة ضد الارهابيين الذين قد يلحقون الضرر بالاراضي الروسية من الجنوب -فالكرملين يعتبر داعش تهديدا للأمن القومي الروسي - وتوقيع اتفاقات اقتصادية كبيرة، بما فيها صفقات السلاح. وكتب الباحث ادامسكي أن روسيا تعتقد أن الربيع العربى الذي اندلع قبل خمس سنوات هو نتيجة للسياسة الأمريكية الخاطئة في الشرق الاوسط. والزلزال الذى اصاب العالم العربي يضر المصالح الروسية في المنطقة، لا سيما عندما سقط نظام القذافي في ليبيا وتعريض الاسد في سوريا للخطر. كل ذلك شجع روسيا على العمل سياسيا وعسكريا في الآونة الاخيرة في المنطقة. واضافة إلى المساعدة التي قدمتها موسكو للاسد، فهي تسعى فى الآونة الأخيرة إلى تحسين العلاقة مع الدول السنية مصر، الاردن، السعودية ودول الخليج .. وما حدث من جانب موسكو يراه المحلل السياسى الإسرائيلى عاموس هارئيل محاولة روسية لتعزيز الوجود فى سوريا وليس محاربة داعش فقط وانه من اجل الدفاع عن المعسكر الذي يتم بناؤه سينشر الروس ايضا اسلحة مضادة للطائرات وقوات برية صغيرة إضافة إلى الدبابات، والقاذفات والوحدات الخاصة، وهو أمر مشابه لما حدث من روسيا في الحرب في اوكرانيا