أمى الحبيبة، صاحبة التوب الأخضر والقلب الأخضر، حلقة الوصل ما بين الحياة والموت، عشر سنوات على رحيلك، وما زلت أسيرك، نعم هناك فرق بين أن تكون ابناً وأن تكون أسيراً بشكل طوعى، نعم أسير لكل فكرة وموقف ودرس تعلمته منك والأكثر وجعاً عندما تتوقف حياة الرجل لاستحالة العثور على ما أسميه بالأم الثانية. «زوجة اليوم وأم الغد» استحالة العثور على «صاحبة التوب الأخضر» ولكن يُمكن بفضل دعواتك أن نحصل على «التوب الأخضر» على القماشة العريضة التى يمكن أن تحمينا من برد وقسوة الفقد وغيابك يا ست الحبايب. لم أكن أدرى، وربما لم أكن أريد أن أدرى، أن مجرد الإشارة إلى فكرة كتابة «مقال عن الأم» سيشعرنى بهذا القدر من الوجع الدفين ويشرع أمامى فيضاً من الذكريات ويثير داخلى جرحاً مملوءاً بالملح.. جرحاً كنت أحسبه نائماً ساكناً، ويضىء عندى عالماً من النسيان والتناسى والتغافل، لعلى أنسى ما لا أريد أن أعترف به وأعيش معه.. ويجرح فكرى بالفقد الكبير، الذى كان يرفض داخلى فكرة «الرحيل». وها هو الآن يعلن عن نفسه.. ليكثف إحساسى باليتم والحزن الدفين.. إليكِ.. يا «ست الكل» و«ست الحبايب» و«ست الدنيا بأسرها».. أتعطش إلى تقبيل يديك وقدميكِ.. أتعطش إلى دعواتكِ.. إلى صوتكِ إلى رعايتكِ.. إلى من يهتم بى.. أتعطش إلى حديث عينيكِ، ودفء مشاعرك وفيض إحساسك، وهمسة أنفاسك وضحكة وجهك، أحلم بأن أراكِ.. أتعطش لحضورك ِ فى أعمق شئونى ونصحك الذى لا يكل ولا يمل من التكرار.. فالخوف على كان همك الأكبر. وها أنا الآن أعى مقدار الخسارة وحجم الألم وقوة الفقد وقسوة الرحيل وجبروت ما يسمى بالموت.. فهل رحلت حقاً يا أمى؟؟؟ ولماذا الرجفة والرعشة وقشعريرة الجسد أمام «اسمك» الذى يطرق الأبواب؟؟؟ لم أكن أعنى بالتفاصيل المملة التى كنت أعتبرها مملة. لم أتعود ولم أعترف بواقع الألم إلا بعد أن تجرعت مرارته وذقت لوعته وكابدت أوجاعه برحيلك يا أمى يا أغلى الناس، حسبت الفقد حدثاً يمر وينتهى ويغلفه النسيان لكن تفاصيله المتشابكة المتجددة بألف شكل يومى ومرارة يشوبها ابتسامة المحكوم عليه بالإعدام، فلا مفر من مفارقة (الأمل) الأمل فى رؤياك مرة ثانية. صدقينى يا أمى كلما اتسعت المسافة بيننا وتوغل الزمن فى محاولة النسيان «نزداد التصاقاً بك» وبحضورك بيننا فى الماضى وفى المستقبل.. أعرف أو أحاول أن أعرف أنه لا يشعر بلهيب النار إلا من يلامسها ولا يعى الألم إلا من ذاق قسوته. لكن ماذا أستطيع أن أفعل؟ والعين لا تتوقف عن رؤياكِ، والأذن لا تستطيع أن تتوقف عن سماعكِ؟ وكيف أستطيع أن أنام دون أتذكرك؟ وقد انغرست بخاصرتى سكين الغياب وأجبرتنى على استحالة النسيان.. والسؤال هل نحن أحياء؟ هل أنا حى؟ هل أبى حى؟ هل أخى؟ هل أختى؟ هل نحن أحياء؟؟؟ أحياء أم أموات؟؟ أحياء بعدك أم أشخاص بلا ذاكرة وبلا حياء.. هل يجب أن نحيا بعدك كما كان ونحن معك؟ هل الوجع أكبر من مقدرتنا؟ أم نحن أكبر من محاولة النسيان؟؟؟ أن الأمان الذى لا يحققه إلا أنتِ.. قد كان والظل الحنون والسند والحب الكبير.. قد كان والدعوة الحلوة والقلب الكبير.. قد كان والسؤال ومحاولة السؤال وهموم السؤال وحب السؤال.. قد كان فمن كان يسأل ويحاول أن يفهم لأنه يخاف علينا.. قد كان ذهبت يا أمى وتركتِنا بلا سؤااااااااااااااااال فمن يسأل علينا بعدك يا أمى؟؟؟ يا أمى الحبيبة وما زال فى العمق ذكراكِ «يا صاحبة التوب الأخضر».