قال الدكتور جودة عبدالخالق، وزير التموين الأسبق، إن مصر فى حاجة إلى ثورة على السياسة الاحتكارية التى توغّلت فى جميع قطاعات الاقتصاد مثل الخلايا السرطانية، وبشكل خاص فى السلع الأساسية والاستراتيجية، وعلى رأسها الحديد والأسمنت، ومنتجات الألبان، والسلع الغذائية. وأوضح «عبدالخالق» فى تصريحات ل«الوطن»، أن أسباب تمدُّد الاحتكار فى مفاصل الدولة يعود إلى ضعف قانون حماية المنافسة ومنع الممارسات الاحتكارية، وهو القانون المناط به حماية المواطن المتضرر من سياسات الاحتكار، ومن ثم ضعف جهاز حماية المنافسة. وأضاف «عبدالخالق» أن أحد أسباب ضعف الجهاز يرجع أيضاً إلى غياب الكفاءات والخبرات المدرّبة عن تتبع الاحتكار ومراقبته والحد منه، لكن هناك مشكلة تواجه الجهاز فى التحقيق بالقضايا، وهى محدودية الموارد وتعدُّد الاحتياجات، مما يتطلب ضرورة وضع أولويات للقضايا التى يتم دراستها، مؤكداً أن عدد الفنيين المتخصصين فى دراسة قضايا الاحتكار لدى جهاز حماية المنافسة 15 فقط، وهو عدد محدود للغاية، إذا ما قارنّاه بعدد القضايا فى 28 محافظة، بالإضافة إلى الخلل فى منظومة التجارة الداخلية، وتعدُّد حلقات تداول السلعة الواحدة حتى تصل إلى المستهلك، مشيراً إلى أن ذلك أحد أسباب ارتفاع أسعار السلع والخضراوات خلال الفترة الأخيرة، إضافة إلى غياب دور الدولة والعشوائية المنتشرة فى الأسواق. وطالب وزير التموين الأسبق بتدخل حقيقى للدولة بعيداً عن «الشو الإعلامى» للسيطرة على الأسعار، لكن بطريقة ذكية، وليس من خلال مطرقة، لكن من خلال فكر وآليات وإرادة وجرأة، والتفاهم مع التجار فى الغرف التجارية، لتعلقه بأمن المجتمع، وأبرز نقاط الضعف فى دور حماية المنافسة بطء الإجراءات فى إصدار الأحكام، حيث يقوم الجهاز بجمع الاستدلالات والمعلومات فقط، وعرضها على مجلس الإدارة، ثم على النيابة فى حالة موافقة مجلس الإدارة، وعادة ما تستغرق النيابة وقتاً طويلاً جداً فى التحقيق بالقضية، واتخاذ قرار مناسب، ربما يستغرق عامين، ثم تحويلها إلى المحكمة، وهو بدوره يستغرق عامين آخرين، وبالتالى عندما يصدر الحكم قد تكون الشركة أنهت نشاطها، وأفلست وخرجت من السوق، لذلك فإن الشركات تلجأ عادة إلى التصالح مع المحتكر، رغم ما يترتب على ذلك من إضرار بالمنافسة فى السوق. وأشار «عبدالخالق» إلى أن التصريحات غير المسئولة التى تطلقها الحكومة حول اتباعها نظام الاقتصاد الحر، الذى يختصر دور الدولة فى تطبيق القوانين ومراقبة الأوضاع داخل السوق، لافتاً إلى أن هذا يعنى أن الحكومة لا تتدخل بشكل مباشر فى عملية تحديد ووضع أسعار السلع، وهى مجرد مراقب لهذه العملية، وكل ما عليها هو التأكد من أن الأسعار المحدّدة هى أسعار موضوعة طبقاً لقوى العرض والطلب، وتترك المواطن تحت رحمة مافيا الاحتكار وتسيطر على أغلب السلع الاستراتيجية. وزير التموين الأسبق: الأسمنت والألبان والسيراميك سلع محفزة للاحتكار وتابع أن مواطن الاحتكار فى مصر متعدّدة، على رأسها الصناعات الطبية والدوائية والغذائية، ومواد البناء، قطاع الاتصالات، وغيرها. وأكد أن تغليظ العقوبة والغرامة التى يسددها المحتكر تعد أحد الأسباب الرادعة لمنع الاحتكار أو على الأقل الحد منه، لأنه لا توجد دولة فى العالم لديها القدرة على منع الاحتكار بشكل كامل، وعندما يقارن المحتكر الغرامة التى سيدفعها نتيجة جريمة الاحتكار سيجدها ضئيلة جداً، مقارنة بالمكاسب والأرباح الخيالية التى يحصل عليها، بالإضافة إلى تحرير السوق، وتشجيع صغار التجار على الاستيراد المباشر، وتفعيل نظام المنافسة، خاصة مع اعتمادنا على الواردات فى معظم حاجاتنا، وبالتالى زيادة قوة احتكار كبار الموردين والوكلاء المعتمدين، وطالب بإعادة هيكلة السوق بالأنظمة والتشريعات وتقديم تسهيلات أكثر لزيادة القاعدة، سواء الوكلاء أو محلات التجزئة أو الشركات والمؤسسات، وتفعيل دور الجمعيات التعاونية، والتركيز على زيادة التصنيع المحلى لزيادة العرض بأكثر من طريقة بالسوق. وقال «عبدالخالق»: «يجب إدخال تعديلات على قانون الاحتكار، مثل تسريع عمليات اتخاذ القرار، ومنح الجهاز دوراً فى ما يتعلق بعمليات الاندماج والاستحواذ فى الشركات التى تتم بعيداً عن أعين الدولة، وتفعيل القانون الحالى وتطبيقه واستخدامه بالشكل الكافى، وأيضاً تشديد الغرامات، التى تتراوح بين 100 ألف إلى 300 مليون، وهو رقم غير عادل، لأنه يساوى بين شركات كبيرة وصغيرة، مما قد يؤدى إلى ظلم الشركات ذات رأس المال المحدود، وربما إغلاقها فى حال توقيع غرامة كبيرة تفوق قدراتها، فمن العدالة أن تكون الغرامة نسبية، نسبة من الإيرادات، وقد نحتاج فيما بعد إلى تغليظ الغرامات مرة أخرى، وكذلك التسريع فى عمليات اتخاذ إقرار من الجهاز بشكل سريع».