«الوطن» ترصد رحلة «البوب» فى 4 سنوات: دخل مصر محمولاً على الأعناق وخرج مشفوعاً باللعنات يقف المئات فى ساحة الاستقبال بمطار القاهرة، ينتظرون طلوع شمس «مبشرهم»، يترقبون لحظة وصول «قدّيسهم الملهم»، يصطفّون لرؤية الظهور الأول له وجهاً لوجه بغير وسيط فضائى للتواصل عن بُعد.. أحدهم يرفع لافتة بيضاء: «أهلاً بزعيم الأمة»، وآخر يحمل صورته: «نعم.. رئيساً لمصر»، وثالث يرتدى قناعاً مرسوماً عليه الوجه المنتظر ويُمسك فى يده اليمنى لوحة مكتوباً عليها بالإنجليزية: «Hello Mr. Bradei». وبعد ساعات لم يشعر فيها الدراويش بالملل أو الضيق، تجلى الشيخ الكبير وخطى خطواته الأولى على أرض الوطن بعد فراق دام لأكثر من 20 عاماً.. «شد القلوع يا برادعى.. مفيش رجوع يا برادعى»، بهذا الهتاف بدأت الرحلة فى فبراير 2010، رحلة تحدٍّ وخوف، أمل ويأس، ثقة وشك، قوة وضعف، نصر وهزيمة، استمرت لنحو 4 سنوات، شهدت ثورتين، وعزل رئيسين، وتعيين رئيس مؤقت، وتشكيل وحل عدة حكومات، وتعطيل وإلغاء وصياغة عدة دساتير، وإجراء العديد من المعارك التصويتية حول تعديلات دستورية أو وثيقة كاملة للدستور أو برلمان أو رئيس، إضافة لتنظيم عشرات المليونيات والمسيرات والوقفات الاحتجاجية وسط مشهد سياسى شديد السيولة، إلى أن انتهت الرحلة بالعودة إلى المربع صفر، إلى أرض المطار مجدداً، لكن هذه المرة فى «صالة السفر» وليست «صالة الوصول»، مع ليلة فض اعتصام أنصار الرئيس المعزول، الليلة نفسها التى كتب فيها الدكتور محمد البرادعى، نائب رئيس الجمهورية السابق، استقالته من منصبه، واستقالته كذلك من كل شىء.. القصر، الحزب، الميدان، حتى الفضاء الإلكترونى، خلوته التى كان لا يمل منها، ليقرر بمحض إرادته الخروج من «كادر الصورة» تماماً، والعودة إلى حيث كان، فى منزله الكبير والهادئ بالعاصمة النمساوية، ليتوقف نداء «مفيش رجوع»، وتنتهى أسطورة «مكملين»، ويُسدل الستار على رحلة «فيينا-القاهرة» ذهاباً وعودة. 4 محطات فى 4 أعوام، مرت بها قافلة «البوب» ورفاقه، بمعدل محطة فى كل عام، لكل محطة معركة وخصم وهدف ونتيجة بمكسب وخسارة أو بكليهما معاً. المعركة الأولى كانت فى مواجهة الرئيس الأسبق حسنى مبارك، واستمرت من مطار القاهرة 2010 إلى ميدان التحرير 2011 الذى شهد اندلاع ثورة 25 يناير وصولاً لإعلان التنحى فى 11 فبراير، انتقادات عديدة وجّهها رئيس الهيئة الدولية للطاقة الذرية إلى نظام «مبارك» خلال العام الأول من الرحلة، النظام الذى وصفه بأنه «غير قابل للاستمرار»، واتهمه ب«الفساد والاستبداد»، ودعا الأحزاب والقوى السياسية لعدم المشاركة فى آخر انتخابات برلمانية فى عهده التى أسفرت عما عُرف ب«برلمان أحمد عز»، وعقب الانتخابات ومع زيادة الغضب وشعور الجميع بالخسارة، تحول «البرادعى» من «مؤذن فى مالطة» إلى «أيقونة التغيير» ورأس حربة لكل الذين يريدون الضغط على النظام أو إزاحته تماماً. جرت كرة الثلج بأسرع مما تصور أكثر المتفائلين، وانطلق القطار الذى لم يعد أحد قادراً على إيقافه، ومن منزله تأسست الجمعية الوطنية التى ترأسها وانطلقت حملة «مطالب التغيير» التى تضمنت 7 مطالب أبرزها مطلب تعديل الدستور، الحملة التى جمعت نحو مليون توقيع فى شهور قليلة دون أن يكترث بها النظام أو يستجيب لمطالبها تحت شعار «خليهم يتسلوا»، حتى انقلبت التسلية إلى «جد موجع»، واندلعت ثورة 25 يناير التى كتب «البرادعى» قبلها بيوم واحد، عبر حسابه الخاص على موقع التواصل الاجتماعى «تويتر»: «الشباب هم الأمل والنظام إلى زوال.. سننتصر». المعركة الأولى ضد نظام مبارك، التى خاضها الحائز على جائزة نوبل للسلام، كانت أصعب المعارك وأشرسها، بحسب وصف الدكتور أسامة الغزالى حرب، أستاذ العلوم السياسية، وأحد الذين شاركوا «البرادعى» فى العمل تحت مظلة «الوطنية للتغيير»، وأحد الذين رافقوه بالمسيرة التى انطلقت من مسجد الاستقامة بالجيزة فى جمعة الغضب 28 يناير، وقوبلت ب«خراطيم المياه»: «لم يكن أحد يتوقع أن يرحل مبارك فى ذلك الوقت وتحدث ثورة ويسقط النظام، لكن د. البرادعى توقّع ذلك وخاض المعركة بكل شجاعة وكان يراهن على ما سماه الكتلة الحرجة، وهو مفهوم علمى يشير إلى الكتلة الذرية التى إذا تجمعت وتفاعلت مع بعضها سيحدث الانفجار، أى الثورة، ويسقط النظام، وكان شباب الحركات الاحتجاجية هم قوام هذه الكتلة التى نجحت بالفعل فى تحريك المياه الراكدة وإشعال الثورة»، «الغزالى» أشار إلى القيمة الدولية ل«البرادعى» وحصوله على «نوبل» وعمله السابق رئيساً لوكالة دولية على مدار 3 فترات متعاقبة من 1997 حتى 2009، كلها عوامل أعطت له حصانة وجعلت منه الأصلح والأقدر على القيام بهذا الدور فى هذا التوقيت، فى مواجهة نظام استقر ل30 عاماً، ويملك العديد من الأدوات التى تمكنه من الإطاحة بخصومه: «كان من الصعب اعتقال البرادعى أو الضغط عليه أو ترهيبه بأى وسيلة، باستثناء بعض الأمور التافهة التى لا قيمة لها مثل ترويج شائعة أو فبركة صورة، وذلك لأنه جاء من الخارج ويتمتع بحصانة دولية وثقل عالمى حقيقى، وبالتالى استطاع أن يدير المعركة بقوة ونجاح، لا سيما أنه جاء فى ظل أجواء محتقنة وغضب اجتماعى متصاعد، وصولاً إلى الثورة، ثم إلى مساء 11 فبراير الذى أعلن فيه الرئيس الأسبق تنحيه عن حكم البلاد». بعد محطة «مبارك» انتقل «البرادعى» إلى محطته الثانية خلال الفترة الانتقالية التى أعقبت الثورة وأدارها المجلس العسكرى، المحطة التى شهدت معركة بدأها بإشادة، ثم تشكيك، ثم انتقاد وهجوم. «سقط النظام البائد بسقوط مبارك وحكومته. نحن على الطريق السليم. خالص تقديرى للمجلس الأعلى للقوات المسلحة على الاستجابة لمطلب الشعب»، تغريدته فى مارس 2011، التى أتبعها بتغريدة أخرى، قال فيها: «من الغد نبدأ معاً مرحلة البناء فى المدارس والجامعات والمصانع والمؤسسات. كلنا نعمل من أجل مصر»، لكن الرياح تأتى أحياناً بما لا تشتهى السفن، لتبدأ الخلافات مبكراً بين «البرادعى» والنظام الجديد مع الدعوة للاستفتاء على التعديلات الدستورية فى 19 مارس، وهو المسار السياسى الذى انتقده «رئيس جمهورية الضمير»، حسبما سماه أنصاره فى هذه الفترة، مطالباً ب«إلغاء الاستفتاء ووضع خارطة طريق واضحة ومتأنية هو السبيل الوحيد للانتقال بمصر إلى نظام ديمقراطى حقيقى»، وأضاف: «أنصاف الحلول هى عودة إلى الوراء»، عقب الاستفتاء عاد «البوب» إلى مقعده قبل الثورة فى صفوف المعارضين، موجهاً انتقادات عديدة لقيادة المجلس العسكرى والمسار الذى اختاره الذى وصفه بأنه «عبثى ويختزل الثورة ويقود البلاد للطريق الخاطئ»، ومع اقتراب الانتخابات الرئاسية الأولى بعد الثورة فى 2012 التى شهدت 13 متنافساً، بعضهم من الثورة وبعضهم من أعدائها، أعلن انسحابه من السباق، قائلاً: «ضميرى لن يسمح لى بالترشح للرئاسة أو أى منصب رسمى آخر إلا فى إطار نظام ديمقراطى حقيقى يأخذ من الديمقراطية جوهرها وليس فقط شكلها»، ثم أعلن مقاطعته للانتخابات وعدم مشاركته بالتصويت لصالح أى من المرشحين سواء فى الجولة الأولى أو جولة الإعادة. «الانسحاب أحد الخيارات القريبة جداً للبرادعى حين يشعر بعدم الراحة أو عدم الاطمئنان أو أن اللعبة لا تسير وفق القواعد التى يراها صحيحة، قد يكون ذلك جائزاً على المستوى الشخصى أو الأخلاقى، لكنه غير جائز على المستوى السياسى»، يقول الدكتور عمرو الشوبكى، الخبير بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، مشيراً إلى أن «البرادعى» تعامل بحسن نية فى أوقات كثيرة، لكنه وقع فى خطيئة «الفعل السلبى»، وهى لجوؤه المتكرر إلى الانسحاب أو الدعوة للمقاطعة أو الخروج من المشهد السياسى بالكامل، دون أن يطرح بديلاً واقعياً سواء للسلطة أو الجماهير أو حتى أنصاره: «آراء د. البرادعى كانت مثالية فى كثير من الأحيان، وقد تكون بالفعل صحيحة، لكنها غالباً تكون بعيدة عن الواقع، وهذه إشكالية كبرى فى الفكر السياسى، فالنظرية التى لا تناسب واقعها تصبح غير مجدية، حتى وإن كانت صحيحة على المستوى النظرى»، «الشوبكى» أضاف أن «البرادعى» كان عليه أن يسارع بتأسيس حزب سياسى مبكراً بعد 25 يناير، ويعمل على بناء قواعد جماهير فى الشارع، وتشكيل تنظيم شبابى قوى ومتماسك، وإعداد كوادر وقيادات مستقبلية، وألا يكتفى بدوره كمفكر أو مستشار لخدمة جميع الأطراف، دون أن يكون جزءاً من العملية السياسية أو خصيماً لطرف بعينه، متابعاً: «د. البرادعى أخطأ أنه أقدم على الأمرين، يريد أن يكون مفكراً خارج السياق والواقع السياسى والاجتماعى، ويريد أن يكون فاعلاً سياسياً، وهذا خلق له ارتباكاً، ليس له فحسب، لكن لكل أنصاره أو القوى المدنية التى عملت إلى جواره». مع إعلان فوز «مرسى» رئيساً للجمهورية بدأت المحطة الثالثة ل«الثائر المنسحب»، وكانت البداية طيبة بين الطرفين، ودعا رئيس «الأهل والعشيرة» آنذاك، المرشح الذى انسحب من السباق لاجتماع ثنائى بقصر الاتحادية الرئاسى، لتأكيد حسن النوايا، لكن النوايا تكشفت تماماً مع إصدار الإعلان الدستورى الذى وصفه «البرادعى» بأنه «إعلان استبدادى، يقول مرسى من خلاله: أنا ربكم الأعلى»، كان الإعلان أول مسمار فى «نعش الجماعة»، وكان أيضاً صافرة الانطلاق لبدء معركة ثالثة جديدة يخوضها «الرجل المتلعثم» ضد ثالث الأنظمة فى أقل من 3 سنوات منذ هبوط طائرته إلى مطار القاهرة. بدأ يدعو للخروج فى مظاهرات ضد الإعلان «غير الدستورى»، ثم دعا للتصويت ب«لا» على الدستور الذى أعده الإخوان، حتى ظهرت «استمارة تمرد» التى وضعت المسمار الأخير فى النعش ومهدت لثورة 30 يونيو. قبل أيام من الثورة الثانية، طالب «البرادعى» الرئيس الإخوانى بتقديم استقالته لتجنيب البلاد صداماً محتملاً، وتوقع نزول القوات المسلحة إلى الشوارع لحماية الأمن القومى والانحياز إلى مطالب الجماهير حال خروج مظاهرات ضخمة، الأمر الذى سيلقى ترحيباً شعبياً واسعاً. معركة ثالثة قادها بنفس أدوات المعركتين السابقتين، «تغريدات تويتر»، دعوات للتظاهر، تنسيق مع القوى الشبابية والسياسية من خلال جبهة الإنقاذ التى تشكلت لمواجهة الإخوان، على طريقة الجمعية الوطنية للتغيير فى مواجهة نظام «مبارك». الأدوات واحدة، والنتيجة أيضاً جاءت واحدة، لم تختلف إلا فى مسمى بيان «العزل» بدلاً من بيان «التنحى»، ليضحى الرئيسين خلف القضبان، فيما يدخل «البوب» إلى القصر الرئاسى لأول مرة فى منصب رسمى، كنائب رئيس الجمهورية للعلاقات الخارجية. «الإخوان ارتكبوا جرائم سياسية عجّلت بسقوط نظامهم، بالطبع البرادعى لعب دوراً قوياً فى معارضتهم هو وفريق جبهة الإنقاذ، لكن السبب الحقيقى وراء سقوط مرسى وجماعته هو الفشل فى إدارة البلاد والرغبة فى السيطرة على مقاليد البلاد والتمكين، فى الوقت الذى كان المواطن لا يشعر بأى تحسن فى حياته، بل الأزمات تزداد يومياً والمعيشة تختنق يوماً بعد آخر»، قال الدكتور وحيد عبدالمجيد، أستاذ العلوم السياسية، أحد قيادات «الإنقاذ» ومتحدثها الرسمى لفترة طويلة، مضيفاً: «البرادعى كان راغباً فى توافق عام، لكن الإخوان ساروا فى طريق آخر منذ وصولهم للرئاسة، ورفضوا الاتفاق مع أى طرف، وعملوا على خدمة مصالحهم فقط»، مواقف موفّقة اتخذها «البرادعى» خلال مشواره، وأخرى لم يحالفها التوفيق، وأخطأ فى تقديرها، بحسب «عبدالمجيد»: «كان صائباً فى مواجهة مبارك، ثم الإخوان، مروراً بأخطاء المجلس العسكرى التى انتقدها خلال المرحلة الانتقالية، لكنه فى كل مرة لم يكن مستعداً للإجابة على سؤال: ماذا بعد؟.. ولم يطرح ما يطمئن الجماهير ويكسب ثقتهم، بل على العكس كان يلجأ كثيراً للاختفاء فجأة أو الانسحاب دون ترتيب أو تشاور مع أحد، وهذا خطأ كبير». مرحلة جديدة ورابعة بدأها أستاذ القانون الدولى من داخل «عباءة الدولة» هذه المرة، العباءة التى عاد إليها بعد قرابة 35 عاماً، منذ أن استقال من عمله فى وزارة الخارجية أواخر السبعينات تزامناً مع استقالة إسماعيل فهمى، وزير الخارجية آنذاك، اعتراضاً على اتفاقية كامب ديفيد، ثلاثة عقود ونصف عمل خلالها «البرادعى» فى عدة مراكز وهيئات دولية أبرزها هيئة الطاقة الذرية، حتى عاد مجدداً بعد 3 معارك خاضها فى أعوام التغيير، لأداء مهمة مشابهة لمهمته السابقة بعد أن تخطى ال70 عاماً من خلال القصر الرئاسى بعد 30 يونيو، لكنه لم يدم طويلاً فى منصبه الجديد، فترة قصيرة قضاها بين 14 يوليو 2013، يوم إلقاء اليمين الدستورية نائباً لرئيس الجمهورية المستشار عدلى منصور، حتى اليوم نفسه من الشهر التالى، 14 أغسطس، حين قرر أن يستقل الطائرة ليعود من حيث جاء قبل 4 أعوام، بعد فض اعتصام رابعة العدوية بالقوة على خلاف رغبته فى إيجاد حل سلمى: «لقد أصبح من الصعب علىّ أن أستمر فى حمل مسئولية قرارات لا أتفق معها وأخشى عواقبها ولا أستطيع تحمل مسئولية قطرة واحدة من الدماء»، كلمات جاءت فى ذيل استقالته التى كتبها بعد ساعات قليلة من الفض، وغادر بعدها البلاد بتذكرة ذهاب دون عودة. «البرادعى أجرى اتصالات مع أطراف عديدة داخلية وخارجية للوصول لاتفاق مع الإخوان بدلاً من استخدام العنف، وتحدث معى فى هذا الأمر، لكن كان هناك صعوبة فى ذلك، التنظيم لم يكن مستعداً على الإطلاق لأى مبادرة على أساس ثورة 30 يونيو وخارطة الطريق التى تم إعلانها فى 3 يوليو»، روى الدكتور كمال الهلباوى، القيادى الإخوانى المنشق، عضو المجلس القومى لحقوق الإنسان، فى شهادته حول تلك الفترة، مؤكداً أن «صدام القوة» كان أمراً لا مفر منه، ليس لرغبة السلطة الجديدة فى ذلك، بل لرغبة قيادات الإخوان فى استغلال الورقة الأخيرة بين أيديهم لإشاعة الفوضى والخوف وتحريض المجتمع الدولى ضد مصر، لأنهم تعاملوا بمنطق «إحنا أو الطوفان»، على حسب وصفه، الأمر نفسه أكده الكاتب الصحفى عمار على حسن، الخبير بمركز الأهرام: «الدكتور البرادعى اتصل بى، وسألنى عن رأيى فى المفاوضات مع الإخوان حول فض الاعتصام بطريقة سلمية والوصول لتوافق، قلت له إن هذا المسار صعب تحققه، والإخوان يناورون ليس أكثر، والقرار النهائى فى يد المرشد والشاطر، ولن يقررا أبداً فض الاعتصام سلمياً، لأنهم يريدون الضغط به على النظام سواء فى حال السماح باستمراره، أو فى حال اللجوء لفضه بالقوة»، مضيفاً: «البرادعى كان حسن النية، لكن مثل هذه المعارك لا تقاد بحسن نية، وهو على كل الأحوال ليس شيطاناً وليس نبياً، إنسان يصيب ويخطئ». انتهت المحطة الرابعة قبل عامين، ومعها انتهت رحلة «الرجل الغريب» الذى جاء غريباً، وعارض غريباً، ورحل غريباً، الرجل الذى خرج من كل المعارك خاسراً، حتى ولو انتصرت قضيته.. دعا ل«25 يناير» واندلعت الثورة وسقط رأس النظام، بينما ظل هو محلاً لاتهامات «التخوين والعمالة» من فريق، و«الضعف والتخاذل» من فريق آخر، وظل بعيداً عن دائرة السلطة التى ضمت عشرات غيره. ثم هاجم الإخوان ووقّع على استمارة تمرد وشارك فى «30 يونيو» وترتيبات «3 يوليو» وكان أحد الذين ألقوا بيان خارطة الطريق، لكنه بعد شهر يتيم من العمل بالرئاسة عاد وحيداً وعادت إليه الاتهامات نفسها تلاحقه من الفريقين.. «حليف الإخوان»، «حليف العسكر»، «عميل أمريكا»، «المتخاذل»، «الساذج»، «المناضل السائح»، «تويتر مان»، سلسلة لا تنتهى من الاتهامات يسوقها كثيرون من بينهم بعض هؤلاء الذين شاركوه الرحلة، لا يكترث هو، لا يهتم، ربما لعدم وجود الحجة، أو لعدم جدواها فى رأيه، يكفيه أن يسجل موقفاً بتغريدة أو استقالة أو تصريح فى ندوة تستضيفها إحدى جامعات أوروبا أو المراكز الدولية، يعود بعدها إلى منزله ليقضى وقتاً سعيداً بين أحفاده، أو فى قراءة كتاب جديد، أو فى الاستمتاع بموسيقى الجاز التى يفضلها عن سواها.