«إذا أصبح أمننا القومى فى خطر، فلا تحدثنى عن الحقوق والحريات».. عبارة ذاع صيتها ظلت منسوبة إلى ديفيد كاميرون، رئيس الوزراء البريطانى، حتى نفاها الأخير عن نفسه، لكن الواقع صار يؤكدها يوماً بعد آخر، ليس فى بريطانيا فحسب لكن فى كل دول العالم. تهديدات تتصاعد، وخطر يتنامى، ودائرة خوف تتسع لتشمل الجميع دون استثناء، من مشارق الأرض إلى مغاربها، ويدفع الجميع دون استثناء نحو ترسانة من القوانين والإجراءات التى تعلى من قيمة «الأمن» على قيمة «الحرية» تحت شعار واحد: «الحرب على الإرهاب».. 4 قوانين فى أربعة بلدان من أشد بلاد العالم تحرراً وأكثرها ديمقراطية، رصدتها «الوطن» فى الولاياتالمتحدةالأمريكية عاصمة الديمقراطية، وبريطانيا عاصمة الحرية، وفرنسا عاصمة الثقافة والفن، وألمانيا عاصمة حقوق الإنسان. اختلفت المسميات، واختلفت العواصم، لكن قوانين مكافحة «شبح الإرهاب»، الذى بات يهدد العالم كله، لم تختلف كثيراً. أمريكا فى أكبر دول العالم، الولاياتالمتحدةالأمريكية، صدر قانون مكافحة الإرهاب قبل 14 عاماً، وتحديداً عقب أحداث 11 سبتمبر 2001، القانون الذى عُرف باسم «يوس آى باتريوت أكت» ومعناه «القانون الوطنى لحماية أمريكا»، سمح لأول مرة لوكالات الأمن الأمريكية بمراقبة المكالمات الهاتفية وجمع الملفات الطبية، والرسائل الإلكترونية، ومتابعة الحسابات البنكية، وتفتيش المنازل فى غياب أصحابها حال الضرورة دون إذن قضائى، للكشف عما سماه القانون «المؤامرات الإرهابية»، والقبض على الأشخاص المشتبه فى قيامهم بهجمات إرهابية قبل وقوعها، وكذلك مراقبة المشتبه فى انتمائهم إلى جماعات إرهابية، والتنصت على المراسلات الخاصة والاتصالات الشخصية، كذلك يتيح القانون لسلطات الأمن الحصول على تسجيلات الاتصالات عن طريق البريد الإلكترونى من الشركات التى تقدم خدمات الإنترنت، وتتبع الأرصدة المالية التى يشتبه أنها تستهدف تمويل عمليات إرهابية. ووصف القانون الأمريكى مرتكبى الأعمال الإرهابية بأنهم «مقاتلون أعداء»، ونص على إلقاء «القبض الاحترازى» على المشتبه فيهم والمشكوك فى كونهم إرهابيين أو مساعدين للإرهاب؛ لمنع الاعتداءات قبل وقوعها، وإخضاع الأفراد المشكوك فى انتمائهم إلى منظمات إرهابية إلى مراقبة لصيقة، ومصادرة خصوصيتهم لضمان التعرف على «نواياهم الإجرامية» بحسب القانون، قبل وقوع تلك الجرائم المنتظرة، وإخضاع المراسلات الخاصة والاتصالات الشخصية للأفراد للمراقبة، وإعطاء الحق للسلطات الأمنية فى إنهاء الخصوصية احترازاً لوقوع أعمال إرهابية، وإعطاء المدعى العام الأمريكى سلطة احتجاز الأجانب المشكوك فى قيامهم بأنشطة إرهابية لمدة 7 أيام دون توجيه اتهام. وفى عام 2006 أقرت الولاياتالمتحدة قانوناً جديداً باسم «ميليترى كوميشن أكشن»، بعد اتهامات باستخدام التعذيب فى التحقيق مع المتهمين بالإرهاب، ويسمح القانون بالاستجوابات العنيفة للمتهمين بالإرهاب، وباللجوء إلى المحاكمات العسكرية، وفى عام 2007 مررت الولاياتالمتحدة قانوناً يسمح باستخدام برنامج تحت اسم «بريزم» للتجسس الإلكترونى، وهو يسمح بالتنصت على محادثات الفيديو والصوت والصور والبريد الإلكترونى وكافة الاتصالات التى تتم عبر بروتوكول الإنترنت وعمليات نقل الملفات، فضلاً عن معلومات الدخول على الشبكات الاجتماعية وسائر الخدمات التى تتطلب كلمة مرور واسم مستخدم، ما يعنى السيطرة الكاملة على البيانات السرية للمستخدمين. وبررت حكومة «جورج بوش»، الرئيس الأمريكى حينذاك، القانون بالعمل على إيجاد منظومة متكاملة لمكافحة الجريمة الإرهابية وحماية البلاد. فرنسا فى عام 2006 أصدرت عاصمة الثقافة الأوروبية، فرنسا، قانوناً لمكافحة الإرهاب، وشهد القانون 14 تعديلاً خلال السنوات التسع الماضية، وينص على: جواز مراقبة الهواتف والإنترنت، وزرع كاميرات مراقبة فى الأماكن العامة، وملاحقة أى فرنسى يسافر للتدرب على أعمال إرهابية خارج البلاد حتى لو لم يرتكب أى عمل مسىء فى فرنسا، وحتى لو لم يمض شبابه على الأراضى الفرنسية، وذلك بتهمة تشكيل عصابة إجرامية تهدف لارتكاب عمل إرهابى، وهى جريمة تعاقب بالسجن عشر سنوات، وغرامة تبلغ 225 ألف يورو. شهد القانون الفرنسى تعديلاً فى نوفمبر 2014، قبل الهجوم على صحيفة شارلى إيبدو الساخرة، ونص التعديل على منع الفرنسيين من السفر للانضمام للجماعات الجهادية فى سوريا بعد انضمام مئات الفرنسيين لتنظيم «داعش»، ومصادرة جواز سفر وبطاقة هوية كل من أمضى بين 6 أشهر وعامين بها، ومنع المشتبه بانضمامهم لتنظيم «داعش» من دخول فرنسا، ومراقبة السلطات للمواقع الإلكترونية التى تدعو للتطرف، ومطالبة مديرها بمسح المحتويات المتشددة وحظر المواقع التى تدافع عن الإرهاب. وبعد 9 سنوات من العمل بالقانون القديم، خرج إلى النور فى مارس الماضى قانون جديد باسم «تعزيز مكافحة الإرهاب»، طرحته الحكومة الفرنسية ووافق عليه البرلمان، وينص القانون على جواز اختراق من وصفهم ب«الإرهابيين المحتملين» ومراقبتهم من خلال أذونات إدارية دون الحاجة إلى موافقة قضائية، «اللجوء إلى أجهزة لتسجيل كلام أشخاص وصورهم، أو لبرامج معلوماتية تلتقط البيانات المعلوماتية»، ما سيسمح لعناصر الاستخبارات بوضع ميكروفونات وكاميرات تجسس وغيرها أينما يرون ذلك ضرورياً، بما فى ذلك إقامة مراكز تتبع هواتف المشتركين التى تسمح باعتراض الاتصالات فى مربع معين، سواء من اتصالات مشتبه بهم أو المقربين منهم والتنصت عليهم، ويلزم القانون مشغلى خطوط الهاتف ومزودى الإنترنت بتسليم السلطات كل ما يمكن أن يجمعوه من بيانات. وفى دفاعه عن القانون الذى هاجمته أصوات فرنسية عديدة، قال رئيس الحكومة مانويل فالس: «فى مثل هذه الظروف التى تمر بها فرنسا والعالم لا بد من خطوات احترازية لحماية المواطنين الفرنسيين. فالإرهابيون المتطرفون ما زالوا يستخدمون وسائل التواصل الاجتماعى من أجل بث سمومهم وإعلاناتهم التى تشجع الشباب على الالتحاق بالجهاديين فى العراقوسوريا، وكل واحد من اثنين يلتحقون بالجماعات المتطرفة من دون معرفة أجهزة الاستخبارات بهم، لذلك نحن بحاجة لإجراءات مشددة وسنوفر نحو 2680 فرصة عمل فى الأجهزة الأمنية والدفاع من أجل مراقبة المتطرفين الفرنسيين الذين تجاوز عددهم فى سورياوالعراق 1450، قتل منهم 89 فرنسياً حتى الآن». موضحاً أن هذا القانون سيتيح حماية البلاد والشعب الفرنسى، بل وإنقاذ العديد من المتطرفين الفرنسيين، بحسب قوله، لأنه سيعطى صلاحيات استثنائية وجديدة لرجال شرطة الحدود والمطارات والموانئ الفرنسية، مع الإبقاء على انتشار 7 آلاف عسكرى بشكل دائم على الأراضى الفرنسية قابلة للزيادة، فى حالة حصول أى طارئ. ألمانيا فى أواخر عام 2011 أصدرت ألمانيا قانوناً لمكافحة الإرهاب على غرار الولاياتالمتحدةالأمريكية، سمح لأجهزة الاستخبارات بالحصول على معلومات شخصية عن عملاء شركات الاتصالات والخطوط الجوية والبنوك، ممن يشتبه فى تورطهم بأعمال إرهابية، حسب القانون، وتوسيع صلاحيات أجهزة الشرطة والأمن والاستخبارات العسكرية والعامة، وتعزيز تعاونها المشترك، وتنظيم تبادل المعلومات بينها. ووسعت الإجراءات من صلاحيات هيئة الاستخبارات الألمانية «بى إن دى» وسمحت لها بالتدخل فى القضايا الأمنية الداخلية وجمع المعلومات حول المدنيين، وتبادلها مع الاستخبارات العسكرية «إم آى دى» مع شرطة الحدود، ونص القانون فى إحدى مواده على: «يجوز للسلطات الألمانية إخضاع الأشخاص العاملين فى المواقع الاقتصادية والمشاريع المهمة للاختبارات الأمنية، بهدف التأكد من عدم انتمائهم أو عملهم مع المنظمات الإرهابية والمتطرفة، وشطب امتيازات الجمعيات الدينية من القانون بهدف منع تأسيس المنظمات المتطرفة». وشهد القانون عدة تعديلات، أبرزها خلال العامين الماضيين، مع تصاعد تنظيم الدولة الإسلامية المعروف ب«داعش»، وانتشار ظاهرة «المقاتلين الأجانب»، وأدخل القانون بيانات إضافية فى الجوازات والهويات الشخصية، بما فيها البصمة ومعلومات بيولوجية عن اليدين والوجه، ووضع المزيد من المعلومات تحت تصرف السلطات الأمنية، مثل الحالة الاجتماعية وتحسين إجراءات الكشف عن الشخصية أثناء منح تأشيرات الدخول من قبَل السفارات والقنصليات الألمانية، وتحسين الرقابة على الحدود وتسهيل قرارات حظر المنظمات والجمعيات والروابط الأجنبية المتطرفة، وتعزيز الأمن الجوى بهدف إحباط محاولات اختطاف الطائرات بانتداب رجال شرطة للقيام بمهام أمنية فى الطائرات. ونص القانون على أنه «يحق للسلطات الألمانية ترحيل الناشطين فى المنظمات الإرهابية المتطرفة ممن يرتكبون الجنايات فى ألمانيا أو يدعمون العمل الإرهابى فى الخارج، وسحب التأشيرات الممنوحة وحق اللجوء السياسى من الإرهابيين والمتطرفين الذين نجحوا بطريقة أو أخرى فى الحصول عليه». 600 مواطن ألمانى يحاربون فى صفوف «داعش» بسورياوالعراق، و100 عنصر موجودون على الأراضى الألمانية، بحسب بيان أصدرته وزارة الداخلية فى ألمانيا، مطلع العام الحالى، ما دفع الحكومة لتشديد إجراءاتها السابقة، وأدخلت تعديلات على القانون لملاحقة كل من يعلن من خلال مواقع التواصل الاجتماعى عن نيته الانضمام للقتال فى صفوف «داعش»، وحق السلطات الأمنية مراقبة هاتفه وقنوات تواصله وإلقاء القبض عليه فى المطار قبل مغادرة البلاد. القانون الألمانى لمكافحة الإرهاب الذى صدر منذ نحو 14 عاماً، وتعديلاته التى شددت من الإجراءات، إضافة إلى تشديد عقوبات قانون العقوبات الألمانى، لم تكن خطوات كافية لرجال الاستخبارات والحكومة، واعتبروها لا تمنع وقوع الهجمات الإرهابية أو تكافح التطرف الداخلى، وعلت أصوات تطالب بالتنصت على الأماكن التى يعيش فيها الناس لأنه ليس من الممكن مكافحة الإرهاب وكشفه «ما لم يجر التعرف على ما يدور فى أذهان الناس»، حسب تصريح أحد المسئولين الأمنيين فى ألمانيا. بريطانيا لأعوام طويلة ظلت بريطانيا، أقدم ديمقراطية على مستوى العالم، عازفة عن تطبيق قانون خاص بمكافحة الإرهاب على أراضيها، إلى أن دخلت إلى قائمة الدول العاملة بالقانون فى أواخر العام الماضى 2014، حين أعلنت الحكومة البريطانية عن تبنيها لمشروع قانون لمكافحة الإرهاب، خاصة فى ظل صعود «داعش» وانضمام العديد من البريطانيين المتشددين إلى التنظيم، وفى 2 يوليو الماضى أعلنت ألمانيا البدء فى تطبيق قانون سمته «قانون الأمن ومكافحة الإرهاب»، الذى يصفه خبراء أمنيون بأنه الأكثر صرامة فى مكافحة الإرهاب على مستوى العالم. وينص على فرض حق التدخل أو التصرف على الهيئات العامة والتعليمية فى حال ملاحظتها أشخاصاً ينحون باتجاه التطرف، بغية منعهم من التورط فى أعمال متطرفة لاحقاً. ويهدف قانون الأمن ومكافحة الإرهاب البريطانى، بحسب نصه، إلى تجفيف منابع الإرهاب والتطرف بالقضاء على العوامل والأسباب التى تغذى وتعيد إنتاج المتطرفين، ويعطى الدولة حق مصادرة جوازات سفر من تعتبرهم «إرهابيين محتملين»، حسب القانون، قبل سفرهم إلى العراق أو سوريا أو أى منطقة أخرى يعرف عنها انتشار الإرهاب بها، كما ينص على حق الدولة فى مصادرة جوازات سفر المسافرين داخل بريطانيا لأول مرة، كما ورد بالقانون البريطانى أن من تعتبرهم الدولة متهمين بالإرهاب عرضة للتتبع من قبَل السلطات، دون صدور أحكام قضائية ضدهم، وتحديد المسافات التى يقطعونها داخل البلاد. كذلك يمنح القانون الجديد سلطة المراقبة الإلكترونية والمصادرة المؤقتة لجواز سفر أى شخص شارك فى أعمال إرهابية داخل أو خارج بريطانيا، كما يلزم المساجد والمدارس والجامعات بالإبلاغ عن المشتبهين بصلتهم بالتطرف والإرهاب. ونص القانون على ما سماه «الإرهاب الإلكترونى»، مشيراً إلى إمكانية فرض قيود على الإنترنت وتتبع حسابات بعض الأشخاص حال الاشتباه فيهم، فيما ألزم الجهات التى توفر خدمات الإنترنت والهاتف المحمول بحفظ المعلومات عن الأشخاص الذين يستخدمون مواقع معينة وتسليمها للسلطات الأمنية حال طلبها. ظهور تلك القانونين، وتطبيقها فى أكثر بلدان العالم ديمقراطية وحقوق إنسان، أثار موجة كبيرة من الغضب فى أوروبا، وتعالت أصوات العديد من السياسيين والحقوقيين لتعبر عن رفضها لتلك الإجراءات التى وصفوها ب«الاستثنائية» و«غير الدستورية»، حالة الجدل نفسها التى ثارت فى مصر حول مشروع قانون مكافحة الإرهاب، الذى رحب به البعض، فيما انتقده آخرون واعتبروا أنه تعسف بحقوق الرأى والنشر والتعبير وتداول المعلومات. قال جمال عيد، رئيس الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان، أحد الحقوقيين الذين انتقدوا مشروع القانون، قال إن مكافحة الإرهاب يجب أن تجرى دون إهدار الحقوق والحريات التى ينص عليها الدستور والمواثيق العالمية: «العالم عاوز يحارب الإرهاب، ماشى، لكن الحرب يجب أن تنطلق من أساس أن الإرهاب نفسه خطر على حقوق الإنسان، وبالتالى حماية الفرد وحقوقه هو هدف هذه الحرب، وليس اشتراك الأمن مع الإرهاب فى العسف بالحقوق والحريات». «عيد» قال إن بعض البلدان الديمقراطية لديها بالفعل قوانين لمكافحة الإرهاب، وإجراءات مشددة، لكن تلك الإجراءات لحماية المواطنين وليس للتنكيل بهم، ووصم كل معارض أو صوت مخالف بأنه «إرهابى». واستنكر المحامى الحقوقى القول بأن القانون المصرى الأقل تشدداً بين القوانين سالفة الذكر، مشيراً إلى المادة 33 من مشروع قانون «مكافحة الإرهاب»، قائلاً: «هذه المادة على سبيل المثال لا توجد فى أى دولة ديمقراطية فى العالم، وتستدعى معاقبة الذى اقترحها»، وتنص المادة على: «يعاقب بالحبس الذى لا تقل مدته عن سنتين، كل من تعمد نشر أخبار أو بيانات غير حقيقية عن أى عمليات إرهابية بما يخالف البيانات الرسمية الصادرة عن الجهات المعنية، وذلك دون إخلال بالعقوبات التأديبية المقررة فى هذا الشأن»، وأضاف «عيد»: «هذه المادة هى الأسوأ وتكبل الإعلام وتصادر حتى موضوعات الرأى». قانونياً، اتفق المحامى عصام الإسلامبولى، مع الرأى السابق، رجل القانون أشار إلى أن القوانين وحدها لا تكفى، والإجراءات الأمنية لن تلحق الهزيمة بالجماعات الإرهابية التى باتت تهدد العالم: «المشكلة ليست فى القوانين، ولكن فى تطبيقاتها، والقانون وحده لن يقضى على الإرهاب، لكن لا بد من وجود حل أشمل من مجرد صدور قانون، يتضمن محاور سياسية واقتصادية واجتماعية، ونشر ثقافات التسامح وقبول الآخر والتكاتف فى مواجهة هذا الخطر»، مضيفاً فى الوقت نفسه أنه ينبغى أن يشعر المواطن بأنه شريك فى مواجهة الإرهاب، بدليل أنه فى حادث الأقصر جاء إحباط تفجير معبد الكرنك من خلال بلاغ أحد المواطنين، واستطاع هذا المواطن أن يمنع كارثة كبيرة، بسبب أن المواطن ساعد فى وأد الجريمة قبل حدوثها. «الإسلامبولى» قال إن العالم يدعى أنه يحارب الإرهاب، لكن الحقيقة أن الإرهاب فى تزايد مستمر، والإجراءات الغاضبة أو الاستثنائية قد تؤدى أحياناً إلى زيادة الإرهاب وانتشاره بصورة أكبر: «كثيرون يطالبون بالحزم والسرعة وتحقيق العدالة الناجزة فى التقاضى، لكن لا بد أن تكون العدالة أيضاً عادلة إلى جانب كونها ناجزة، وعدم الإخلال بدرجات التقاضى أو إهدار حقوق المواطن حتى لو كان متهماً، فهذه قيم ينبغى الحفاظ عليها، وينبغى الحفاظ على الدستور وتطبيق القانون، لأن هذا هو الذى يحقق العدل الحقيقى»، لافتاً إلى أنه لا بد من النظر للمنظومة القضائية كلها من قانون الإجراءات الجنائية والعقوبات والطوارئ والسلطة القضائية والمحاماة، بالإضافة إلى القوانين الأخرى التى ينبغى إعادة النظر فيها، وتطوير مفاهيمها، فى إطار الدستور، وتابع: «النظر للتعديلات على أنها انتقام من بعض المتهمين على حساب المبادئ الدستورية أمر خطير جداً». وجهة نظر حقوقية وقانونية مقابلة، عبر عنها فريق آخر من المؤيدين لقوانين مكافحة الإرهاب فى العالم ومصر، والمنادين باتخاذ إجراءات قانونية مشددة واستثنائية لمواجهة خطر يحدق بالبلاد والشعوب. الدكتور نبيل حلمى، أستاذ القانون الدولى، قال إن الإرهاب أصبح الخطر الأول الذى يهدد الدول والأنظمة والدساتير وحقوق وحريات المواطنين فى كل مكان بالأرض، وبالتالى يحق للحكومات اتخاذ كافة تدابيرها التشريعية أو الأمنية لمواجهة هذا الخطر: «أصبحت هناك صور متعددة للإرهاب ووسائل مختلفة عن الماضى، فالإرهاب جريمة منظمة يختلف من وقت لآخر، ومن مكان لآخر، وهو قبل عدة سنوات يختلف عن اليوم، اليوم تحول من مجرد عمليات إلى حرب حقيقية وواسعة يتم فيها استخدام كافة الوسائل العسكرية والتكنولوجيا الحديثة لتدمير البلاد». «حلمى» أشاد بالقانون المصرى لمكافحة الإرهاب، معتبراً أنه يواجه الحالة الحالية المتعثرة التى تمر بها البلاد، وكل دول العالم حين تشعر بالخطر من ظاهرة ما يحق لها إصدار قانون لمواجهة تلك الظاهرة، فإذا ارتفعت درجة الخطر شددت الدولة من قوانينها وإجراءاتها، وحدث ذلك فى أوروبا بعد موجة الإرهاب الذى تعرضت له، وفى الولاياتالمتحدة منذ أحداث 11 سبتمبر: «نحن الآن نتعرض لإرهاب خسيس أكثر وحشية، وفى أعتى صوره، تساقطت أمامه أنظمة ودول مجاورة، وبالتالى نحتاج لتشديدات قانونية رادعة»، خبير القانون الدولى أكد أنه لكل دولة الحق فى سن تشريعاتها المناسبة، وتشديد العقوبات فى ظل تنامى الإرهاب، رافضاً دعوات الخلط بين الحرب على الإرهاب، وتهديد الحقوق والحريات الشخصية: «لا يوجد تعارض بين الأمن وحقوق الإنسان، بل إن مواجهة الإرهاب هى ضمانة لحماية حقوق الإنسان وتحصينها من هؤلاء الذين لا يعرفون إلا القتل والدماء والدمار. الذين يتحدثون عن حقوق الإنسان، ألا تطبق أكثر الدول ديمقراطية قوانين مشددة لمكافحة الإرهاب تحد أحياناً من بعض الحريات العامة كإعلان حالة الطوارئ، ألا تعتبر تلك الإجراءات حفاظاً على حقوق عموم المواطنين وفى مقدمتها الحق فى الحياة؟»، مختتماً وجهة نظره بعبارة: «هناك بعض الإجراءات قد تكون استثنائية فى الوقت الطبيعى. لكنها تكون طبيعية فى الوقت الاستثنائى».