يقول الكثيرون منا مصطلحات، وراؤها الكثير من القصص والحكايات القديمة، أو قد تكون رموزًا لوقائع قديمة، نقلت إلينا من خلال امتزاج الثقافات واللغات، وكان أكثر من اهتم بالبحث في أصول وتاريخ المصطلحات، هو الروائي يوسف زيدان، في كتابه "التقاط الألماس من كلام الناس"، ومن هذا الكتاب اقتبسنا قصص وحكايات، عن بعض مصطلحاتنا اليومية. - مفروس: ترجع هذه الكلمة إلى اللغة العبرية والسريانية، وهما الأقدم زمنا من اللغة العربية، حيث ترجع إلى الجماعة الدينية اليهودية "الفريسين"، والمفرد فريسي "بتشديد الراء وكسرها"، وهم طبقة من رجال الدين اليهودي، يتعمقون في ظاهر الشريعة الموسوية، بشكل يجعلهم غافلين عن المعاني الحقيقية. وتميز "الفريسين" بمجادلتهم للسيد المسيح، وإطالتهم في مناكفته، ولم يعترفوا به، لأنه جاء بمعجزة عندما شفى رجل أعمى، حين وضع على عينيه بعض تراب الأرض، واعترض "الفريسين" على ذلك، وقالوا إن المسيح فعل ذلك بعمل شيطاني، لأنه فعل ذلك في يوم السبت، وهو "اليوم الذي لا ينبغي فيه فعل أي عمل حسب الشريعة الموسوية، وهكذا كان "الفريسين" يدققون في التفاصيل الفرعية وتغيب عنهم المعاني الكامنة. واستخدم المسيحيون، وصف "الفريسي" على الشخص المتحذلق المتمسك بظاهر النص، كما يصف المسلمون هذا الشخص بأنه "حنبلي"، لأنه متشدد في التفاصيل، ومن اللغة العبرية والسريانية، دخلت الكلمة إلى اللغة العربية، وانتقلت إلى لغتنا، نظرا لامتزاج الطبقات الثقافية وتداخلها في كلام أهل المحروسة. - أراري: تطلق على الشخص العالم بالأسرار في شيء ما، وترجع قصة هذه الكلمة إلى حكام المماليك ثم العثمانيون ثم أسرة محمد علي الكبير، حينما كان يأخذ الفلاحين من قراهم إلى حيث العمل في السخرة أو للخدمة العسكرية الجبرية في المناطق النائية مثل السودان. وكانت أكبر عملية "سخرة"، حفر قناة السويس، التي لقي فيها عشرات الآلاف من المصريين حتفهم، وكانت "السخرة" تتم بالتقاط الناس القادرين على العمل من بيوتهم أو قراهم، ويستثنى منهم من كان خبيرًا في الزراعة والفلاحة، خشية أن تتأثر المحاصيل التي ينتجها الفلاحون. وحصدت "السخرة" أرواح الرجال، إلا من كان مسموحًا له بالبقاء في الأرض، وكان يعرف بين الناس بأنه مرتبط بالأرض فهو "قار - قرّارّ - قراري - أراري". - الميري: في زمن الفراعنة كانت مصر مطمعًا للأمم المجاورة، لأنها مزرعة القمح الكبرى في العالم القديم، وحرص الأقوياء على استغلالها، وحين صارت منطقة تابعة لروما وبيزنطة من بعدها، كانوا يجلبون منها القمح إلى عاصمة الإمبراطورية. وعرفت عملية نقل القمح من مصر وإرساله إلى القسطنطينية قديما، باسم عملية "نقل الميرة"، وهي على الأرجح كلمة فارسية قديمة تعني القمح. وكان المصريون في عهد الرومان، ليسوا أكثر من مزارعي قمح، يزرعونه ويحصدونه في الجرون، ثم ينقل إلى جرون مركزية، حتى تأتي المراكب فتأخذه أيادي الأباطرة، وكان المصري، الذي لا يحصل على قمح يتقوت به، قبل انتقال المحصول إلى ما وراء البحر، يقضي عاما جائعا. ولأن نقل القمح "الميرة"، كان يتم تحت إشراف جنود الحماية الرومانية، ارتبط الجيش في أذهان المصريين ب"الميرة"، وصار من يرتدي زيًا رسميًا للجيش، يقال إنه يرتدى الميري، وأضاف الناس تعبير "الملكي"، إشارة إلى الزي المدني، وصار زي الناس، إما "ملكي" أو "ميري". - أكاديمية: يعود أصل كلمة "أكاديمية" إلى التاريخ اليوناني، حيث الفيلسوف اليوناني "أفلاطون"، الذي بدأ أشهر عملية تدريس نظامية في التاريخ، حيث أنشأ مدرسة، كانت تسمى بالأكاديمية، لأنها كانت في الأصل حديقة باسم بطل أسطوري يوناني قديم، اسمه "أكاديموس"، وكانت الدراسة الفلسفية في أكاديمية أفلاطون، دراسة نظامية لها أصول، منها مثلا إنه لا يقبل فيها إلا الذين تلقوا قبل التحاقهم، قدرا من العلم، بخاصة علم الرياضيات، ونقشت عبارة على باب المدرسة تقول: "لا يدخل علينا، من كان جاهلاّ بالهندسة".