أن يجتمع الصيام والمذاكرة والامتحانات معاً مشقة لم يشعر بها سوى الذين فرضت عليهم الامتحانات فى الشهر الفضيل.. وهو ما رصدناه من خلال معايشة مع محمد مختار الطالب بالصف الثالث الثانوى.. ومنذ بداية شهر رمضان والعبء تضاعف عليه إذ بدأ محمد يومه بالسحور وذلك فى أول ليلة من شهر رمضان، ثم جلس على مكتبه الصغير فى غرفة منزله، بقرية باها محافظة بنى سويف، أمام مادة «الأحياء» وهى الأولى التى سيمتحنها فى اليوم الثالث من شهر رمضان، ليصلى الفجر، وينام ثم يستيقظ فى العاشرة صباحاً، يواصل المذاكرة حتى الثانية ظهراً يراوده الشعور بالإرهاق وعدم التركيز فيضطر لأخذ قسط من الراحة حتى الرابعة والنصف عصراً، ليستأنف المذاكرة فى عظل عدم شعوره بالتركيز بسبب العطش والجوع، بعد تناوله الإفطار مع أسرته المكونة من ستة أفراد (هو وأبيه وأمه وثلاث فتيات)، يختلف رمضان هذا العام مع محمد وزملائه من الطلبة الذين يتوقفون عن الطقوس الرمضانية المعتادة حتى صلاة التراويح وقيام الليل من أجل استثمار الوقت فى المذاكرة، وهو ما أفقد محمد الشعور بفرحة رمضان. ويُكمل محمد «هذا هو ما فعلته فى أولى ليالى شهر رمضان، وكان من المفترض أن تكون الامتحانات فى غير ذلك الشهر الفضيل حتى نستطيع المذاكرة بتركيز، فالوقت يضيع بسبب الإرهاق الذى نعانيه من الصوم وشدة الحر، والتقط أنفاسه وأضاف «أنا مستحيل أفطر حتى لو كنت مش هدخل الامتحان وبادعى ربنا يعدى الأيام دى على خير، كما أن زملائى سألوا شيخاً هل لهم رخصة الإفطار بسبب الامتحان، فأجابهم بأنه ليس لهم رخصة ولا يجوز الإفطار لهذا السبب، بعض زملائى يعانون أشد المعاناة فى اللجان بسبب الصيام أحدهم سقط مغشية عليه والآخر لجأ لطبيب أثناء اللجنة بسبب الإرهاق الشديد». وأبدى «محمد مختار» تخوّفه من أن يُصيبه ما أصاب زملائه، فعلى حد قوله فى غير رمضان «كنا نطلب مياه مرة واتنين وخمسة لكسر حدة الحر، فما بالك فى رمضان، بالإضافة إلى إجهاد المواصلات، لأكثر من ساعة والمشى على الأقدام فى ساعات الحر الشديدة، ويتابع «بركب مواصلات كتيرة من قرية باها إلى بنى سويف ومنها إلى المدرسة بالأباصيرى وبنضطر نمشى مسافة كبيرة أنا وزملائى من الموقف للمدرسة للوصول للجنة، وأضاف «طالب الثانوية العامة» أن الامتحان فى شهر رمضان أمرٌ غريب جداً وكان ينبغى لمن وضع «جدول الامتحانات» أن يراعى الطلاب، لأننا تأثرنا بالسلب من هذا القرار غير المدروس؛ لأن العبء مضاعف فى هذا الشهر الفضيل وهو ما يؤثر على تركيزنا ومن ثم نتيجة الامتحان، خاصة أن المدرسة التى يمتحنون بها بعيدة عن محل إقامته بحوالى 25 كيلومتراً تقريباً. وحث «محمد» على ضرورة مراعاة ذلك وعدم وضع «جدول الامتحانات» فى شهر رمضان لأن ذلك يُفسد حلاوة الشهر الفضيل، ويؤثر سلباً على طقوسنا الدينية المعتادة، وأيضا يفقدنا التركيز فى المذاكرة، أى أنها خسارة على جميع الجوانب. ويُضيف «ندخل اللجنة مفيش هدوء، مرهقين ويزداد التوتر بسبب طريقة المراقبين، بين الحين والآخر ينبهوننا بطريقة عشوائية فاضل ساعة، فاضل نص ساعة، فاضل ربع ساعة، وهذا يوترنا كثيراً». التفتيش أثناء الامتحانات له شكلاً غريبا لم نعتاده من قبل، فى بداية الامتحان يدخل علينا رجل الأمن يقوم بتفتيشنا تفتيش ذاتى، هذا بخلاف التفتيش مرة واثنتين قبل دخول اللجنة من قبل الشرطة والأمن الداخلى على السلالم، نحن لم نتعود على ذلك من قبل، وهو الأمر الذى يزيد من توترنا ويشتت انتباهنا ويفقدنا القدرة على التركيز، ينبغى مراعاة ظروف الطالب أثناء تأدية الامتحانات وأن هذه الإجراءات المبالغ فيها لن تثمر شيئ، ويتابع قائلا: «أحياناً ببقى مركز وبحل مسألة فبلاقى واحد يقومنى ويقولى هنفتشك ويفضل يقلب فى الديسك فبكون نسيت المعلومة اللى بكتبها وده بيأثر عليَّا بالسلب». وناشد محمد مختار المسئولين بوزارة التربية والتعليم مراعاة ذلك وعدم تكراره ومراعاة المواد التى سيمتحنونها فى شهر رمضان أثناء التصحيح وأيضاً فى مادة اللغة العربية التى يراها، من وجهة نظره، صعبة وطويلة والوقت غير كاف لحلها، على حد قوله. والتقط مختار عبدالجواد، 55 سنة، مُوجِه تاريخ بمنطقة بنى سويف الأزهرية، من ابنه أطراف الحديث «تعد الثانوية العامة هى المؤهل الرئيسى لتحديد مصير الطالب للجامعة فهى مرحلة مهمة جداً وكان ينبغى دراسة أى قرار يُتخذ من شأنه أن يُعرقل مسيرة الطالب مما يؤثر على مستقبله، فالامتحانات فى نهار رمضان شىء مجهد جداً على الكبير فما بالك بالصغير ولابد فى المستقبل ألا يضعوا جدول الامتحانات فى شهر رمضان، لأن ذلك يؤثر بالسلب على أبنائنا الطلاب». ويتساءل والد محمد، لماذا لم يضعوا الجدول فى غير رمضان فكان عليهم بدء الامتحان فى أول شهر 6 وعالجوا الأمر ولابد من محاسبة من أخذ قراراً جعل أبناءنا يمتحنون فى رمضان، فأنا خائف على ابنى كما أن الملايين يخافون على أبنائهم، ففى مثل هذا الجو الحار كيف يستطيع الطالب أن يصوم أكثر من ست عشرة ساعة متصلة دون ماء أو غذاء يعطيه طاقة طوال النهار؟ فهذا شىء لا يرضى أحداً على الإطلاق». ويتابع «أنا بادفع دم قلبى فى الدروس الخصوصية ومُجبر على ذلك لأن المدارس وللأسف غير مؤهلة للدراسة، والمدرسين يُشجعوا ويُحرضوا الطلاب على عدم الحضور حتى يأخذوا عندهم دروساً خصوصية كما أن معامل المدرسة لا تعمل ولو كانت المدرسة تُقدم شيئاً كنت وفرت الأموال الباهظة التى نصرفها على الدروس الخصوصية، فينبغى أن يتوحد الجميع لوقف ذلك، فأنا أستطيع وغيرى لا يستطيع وأعرف بيوتاً تحرم نفسها من متع الحياة من أجل تعليم أبنائهم ثم يأتى قرار غير مدروس يُدمر ما بنيناه رغم أننى أعلمه لكى ينال شهادته وأعلم أنه لن يجد عملاً وأخته خير مثالٍ على ذلك تخرجت ولم تجد عملاً لأن أصحاب الوسايط أخذوا مكانها». واختتم حديثه «نقوم بواجبنا، وإن أجرى إلا على الله». والدة محمد، مدرسة، تقول: «ابنى متفوق جداً والحمد لله وتعبنا على تربيته لأننا وفرنا له كل ما يُريد وهيأنا له كل سبل الراحة لكى يكون مواطناً صالحاً ينفع المجتمع، ولابد أن تراعى الدولة ذلك وتوفر لهم أيضاً الرعاية الكاملة ولابد أن تكون هناك وقفة حازمة من قبل وزير التربية والتعليم ورئيس الوزراء بأن يرأفوا بالطلاب فى التصحيح لأن الامتحانات هذا العام كان أغلبها صعباً ولم نرها من قبل».