مع دقات جرس الانتهاء من اليوم الدراسى، تقفز الطفلة ذات الخمسة أعوام نحو السبورة تاركة الكتب التى كانت مشغولة بها، بعد أن غالبتها السعادة، تجرى مسرعة بعد خروج المدرس من الفصل لتجمع بقايا الطباشير البيضاء من خلفه.. مشهد اعتادت «فاطمة» عليه يومياً، تسرق الطباشير من سبورة المدرسة لاعتقادها أن كل مؤهلات المدرس «شوية طباشير». سرقة الطباشير من سبورة المدرسة فى المرحلة الابتدائية للصغيرة عام 1970، كان وقتها الحلم الذى يداعب الكاتبة فاطمة ناعوت منذ نعومة أظافرها، أملاً فى أن تصبح «مدرسة»، لكن الأيام أخفت لها ما لم تكن تدرى، إذ تسللت الثقافة إلى أعماق الصغيرة التى تربت وسط عائلة تعشق الثقافة وتقدرها، فالأب يقدس القراءة، والأم تعشق الكتابة، بينما يحرص الأب على مساعدتها كثيراً فى تنمية قراءتها فى هذا الوقت، «والدى كان كفيف وكان بيخلينى دايماً أقراله، وكنت ببقى مبسوطة جداً على الرغم من إنى كنت لغوياً لسه مش باعرف أقرا كويس، وكان نفسى أطلع مدرسة جداً عشان كده كنت بحب الطباشير أسرقه من على السبورة وأخبيه تحت السرير من ورا ماما، وكنت فاكرة أن كل ما أحوش طباشير أكتر هبقى مدرسة على طول». الثقافة التى طردت فكرة أن تكون «معلمة» من عقل «فاطمة»، وجدت يداً ممدودة لرعاية موهبتها التى اكتشفها الأب، «والدى مات وأنا صغيرة بس كان بيخلينى أقرا كتير وكان بيشجعنى من وأنا صغيرة، وماما دايماً كانت تقفشنى بالطباشير فى جيبى وأنا راجعة من المدرسة وموسخة هدومى بالطباشير، وهى مش فاهمة بجيبه معايا البيت ليه، لحد ما شافت تحت السرير كميات كبيرة من أكياس الطباشير تحت السرير، واعترفت ليها إنى نفسى أبقى مدرسة عشان كده باسرقه، ضربتنى وعاقبتنى ومنعتنى تماماً إنى أرجع بطباشير تانى فى البيت». العقاب لم يكن كافياً ل«فاطمة» لتمنع نفسها من سرقة الطباشير وتحقق حلمها لتصبح مدرسة، منذ أن كانت صغيرة فى الابتدائية حتى مراحل عمرها الإعدادية، كانت «فاطمة» تخبئ الطباشير أسفل سريرها حتى لا تراه والدتها.