اسمه «صابر» لكنه فقد كل حيل الصبر.. أمال ظهره للحائط، واسترخى مفكراً.. كان يبحث عن مخرج لأزمته مع زوجته «سلوى»، آخر شىء كان يتوقعه منها أن تعلن العصيان فى وجهه، سأل نفسه: إذا كانت ترفض التفرغ لبيتها وأسرتها فما أهميتها إذن؟ لم يجد إجابة تطفئ غضبه، بقى السؤال معلقاً فى رأسه بلا جواب، قال لنفسه أنه يلبى كل طلباتها وهى فى المقابل أنانية، لا تهتم سوى بنفسها.. فكر وفكر لكنه وجد نفسه كأنه يسبح فى فراغ. لكن هذه المرة يوم الأربعاء قبل الماضى شعر بالجنون.. فوجئ «صابر» بابنه يدخل عليه عصراً: «بابا أنا لسه مافطرتش» لم يرد عليه وغاب فى ظلام تفكيره.. إلى متى ستظل صابراً يا صابر؟ شعر بدمه يغلى فى عروقه حسم أمره فى لحظة: «خلاص يروحوا عند ربنا يخدموا بعض» وقرر أن يفعلها.. أن يتخلص من أولاده حرقاً وهى معهم.. وقد فعلها. صابر على بخيت، 48 سنة، صاحب محل بقالة، يقيم بصحبة أسرته، داخل شقة مكونة من 3 غرف وصالة وحمام، بالطابق الثانى فى عقار مكون من 5 طوابق، يقع فى حارة مجدى مرجان المتفرعة من شارع جمال عبدالناصر بمنطقة الوراق. «صابر» صعد يوم الثلاثاء الماضى، إلى شقته، وقتل أبناءه الأربعة حرقاً، وشرع فى قتل زوجته، بسبب خلافات زوجية، سكب جركن بنزين على جسد زوجته سلوى حبيش، 35 سنة، مدرسة، وأبنائه كيرلس، 13 سنة، وكلورين، 10 سنوات، وكاترين، 8 سنوات، وكارمن، 8 سنوات، وترك الأطفال حتى تفحمت جثثهم، وغادر هو وزوجته الشقة وساعدهما الأهالى على إخماد النيران التى شبت فى ملابسهما، وتم إنقاذ المتهم، وإنقاذ زوجته من الموت، وتفحمت جثث أطفالهما الأربعة، بعد مشاجرة نشبت بينه وبين زوجته بسبب إصرارها على العمل رغم رفضه لذلك، فقرر الانتقام منها وقتل الأولاد، وشرع فى قتلها. أحداث الواقعة، كما جاءت على لسان المتهم صابر بخيت، أثناء حديثه ل«الوطن»، أنها تعود إلى 16 عاماً، فى أقصى الصعيد وبالتحديد فى محافظة أسيوط، عندما قرر الارتباط بابنة خاله «المجنى عليها»، وتزوج منها فى الصعيد، وقرر مغادرة الصعيد، فى عام 2000 بصحبة عائلته، وقاموا بشراء منزل مكون من 5 طوابق بشارع جمال عبدالناصر بالوراق، بمحافظة الجيزة، وأقام هو وزوجته فى شقة بالطابق الثانى فى العقار. يستكمل المتهم كلامه: «عقب استقرارى فى منطقة الوراق، قمت بشراء محل بقالة، وبدأ فى ممارسة عمله، واستمر الوضع هادئاً، وأنجبنا أربعة أولاد، ولم يكن لدينا أى مشكلة مادية أو أسرية، واشتريت تروسيكل وكنت بوزع عليه بضاعة للمحلات الصغيرة، واستمر الوضع ده لحد ما والدة ووالد زوجتى توفيا منذ حوالى 3 سنوات». يضيف المتهم، عقب ذلك الحادث، كانت زوجتى تمر بحالة نفسية سيئة، وحاولت إخراجها من تلك الحالة النفسية السيئة، وطلبت منها الخروج، أو السفر للتنزه وتغيير تلك الأجواء الكئيبة، ولكنها رفضت وعرضت علىّ العمل فى التدريس بإحدى الكنائس فى المنطقة من الساعة الثامنة صباحاً حتى الساعة الواحدة ظهراً 5 أيام فى الأسبوع مقابل 200 جنيه شهرياً، وافقت على ذلك حتى تخرج من حالتها النفسية السيئة، واستمر الوضع على هذا طوال السنوات الثلاث الماضية، وكانت مواعيد عملها لا تتعارض معى، لأنها كانت تحضر إلى المنزل فى أوقات مبكرة من اليوم، وتمارس نشاطها فى العمل المنزلى، وأيضاً تراعى الأولاد وتقوم بالمذاكرة لهم، ولم يحدث أى خلاف، رغم أنى كنت أرفض فكرة العمل قبل ذلك، ولكنى قبلت حتى تخرج من تلك الحالة النفسية السيئة». يواصل «بخيت» كلامه قائلاً: «منذ حوالى 3 أشهر، طلبت منى زوجتى أن تقوم بإعطاء دروس لبعض الطلبة فى الحضانة، مقابل مبلغ 100 جنيه زيادة فى الراتب، وبذلك فإنها سوف تنهى عملها فى تمام الساعة 3 عصراً، ووافقت بعد أن وعدتنى بأن ذلك لن يؤثر على عملها فى المنزل وتربية الأولاد، واستمر الوضع خلال الثلاثة أشهر الماضية، ولم تحدث أى خلافات بيننا». يتابع «صابر» كلامه: «يوم الاثنين الماضى، فوجئت بابنى كيرلس، ينزل من الشقة ويحضر إلىّ فى المحل، ويطلب منى إعداد إفطار له، لأنه لم يجد إفطاراً فى الشقة، انتظرت حتى حضرت زوجتى من عملها، صعدت إلى الشقة، وقمت بمعاتبتها على عدم قيامها بإعداد الإفطار للأولاد، ولكنها لم تعتذر عن هذا التقصير، وحدثت بيننا مشادة كلامية، انتهت بطلبى منها ترك العمل فى التدريس، لكى تتفرغ لتربية الأولاد، ولكنها رفضت وأصرت على رفضها لهذا القرار، فقمت بتهديدها إن لم تترك العمل سوف أقتل الأبناء، ولكنها أيضاً أصرت على العمل، فقررت قتل الأولاد حرقاً وشرعت فى قتلها، ولكنها أسرعت إلى الشارع وأنقذها الجيران». يشرح المتهم تفاصيل تلك المحرقة قائلاً: «يوم الأربعاء الماضى، غادرت المنزل بعد تلك المشادة، وجلست فى المحل لساعات، وقررت تنفيذ المحرقة، أغلقت المحل، وتوجهت إلى العقار، وأحضرت جركن البنزين الذى أستخدمه لتموين التروسيكل، وفتحت باب الشقة، ووجدت زوجتى نائمة بصحبة أولادى داخل غرفة فى الشقة، فتحت الباب، وبعد ذلك سكبت البنزين على أجسادهم، وبدأت فى إشعال النيران، باستخدام كبريت، ولكنه لم يشتعل، وفى ذلك التوقيت استيقظت من النوم، وحاولت منعى، وتشاجرت معى، إلا أننى أخذت قرارى بقتل الأطفال لكى أحرق قلبها عليهم، وأخرجت ولاعة من طيات ملابسى، وأثناء محاولتى إشعال النيران على الفور نشب الحريق فى ملابسى وملابس زوجتى، وصالة الشقة، فخرجت أنا وزوجتى مسرعين إلى الشارع، وتركنا النيران تلتهم أجساد أولادنا، وتمكن الجيران من إنقاذنا، أما أنا فقد أصبت بحروق بسيطة، وزوجتى أصيبت بحروق كبيرة فى مختلف أنحاء جسدها، وحاولنا إنقاذ الأطفال، ولكننا لم نتمكن من إنقاذهم سوى جثث متفحمة، هو ده اللى حصل بالضبط، أنا قررت الانتقام منها علشان هى رفضت تسمع الكلام، وهددتها بقتل الأولاد، وكانت مفكرانى بهزر، بس أعمل إيه، خلاص كده الحياة مالهاش أى لازمة، قتلت ولادى، وحرقتهم، وضيعت مستقبلى، بسبب العند بينى وبين زوجتى». أقوال المتهم وتقرير الطب الشرعى الخاص بالضحايا، والمعمل الجنائى الخاص بالحريق، وأقوال الشهود، وأقارب المجنى عليهم، مسجلة فى محضر تحقيق أجرته نيابة حوادث شمال الجيزة، تحت إشراف المستشار أحمد البقلى المحامى العام الأول لنيابات شمال الجيزة، والمستشارين إبراهيم بدوى وأحمد الحمزاوى مديرى نيابة الحوادث، اللذين انتقلا إلى مكان الحريق وأجريا معاينة تصويرية لمكان الواقعة، وحققا فى الواقعة، وعقب ذلك أصدرت النيابة قراراً بحبس المتهم 15 يوماً على ذمة التحقيقات بتهمة القتل العمد والشروع فى القتل والحريق العمد. وقالت مصادر مطلعة على التحقيقات، إن النيابة سوف تنتهى من التحقيقات فى الواقعة خلال الأيام القليلة الماضية، وسوف تحيل المتهم للمحاكمة الجنائية العاجلة أمام محكمة الجنايات. الواقعة بدأت بتلقى اللواء محمود فاروق مدير الإدارة للمباحث، إخطاراً من اللواء مجدى الشلقانى مدير الإدارة العامة للحماية المدنية بالجيزة، بنشوب حريق هائل داخل شقة، أسفر عن إصابة اثنين ومقتل 4 أطفال حرقاً، بمنطقة الوراق، وعلى الفور انتقل فريق من المباحث تحت قيادة اللواء جرير مصطفى، مدير المباحث الجنائية، والعميد محيى سلامة، مفتش المباحث، والمقدم محمد أبوالقاسم، رئيس مباحث الوراق، لمكان الحادث، وتبين أنه لخلافات أسرية وتصاعد العناد بين بائع وزوجته بمنطقة الوراق، أن وراء الواقعة هو والد الضحايا، بعد أن تخلص من أولاده الأربعة حرقاً، وشروعه فى قتل زوجته، بأن سكب البنزين داخل شقته بشارع جمال عبدالناصر بمنطقة الوراق، وأضرم النيران فيها، ما أسفر عن مقتل أبنائه الأربعة، وإصابته هو وزوجته بحروق فى مختلف أنحاء الجسم، تم التحفظ على المتهم، وإحالته للنيابة التى أصدرت قرارها السابق.